قضية أبو نبوت: قضاة فرنسيون يصدرون مذكرات توقيف بحق أربعة من كبار المسؤولين في سوريا (أسئلة وأجوبة)

ما هي وقائع وخصائص القضية؟ 

في 7 حزيران/يونيو 2017، تعرضت مدينة درعا، وتحديدا حي طريق السد، لقصف مكثف من قبل الحكومة السورية. خلال هذا الهجوم، الذي كان جزءا من سياسة حكومية واسعة من القصف المكثف للجزء الجنوبي لمدينة درعا بين 3 و 17 حزيران/يونيو 2017، حيث دمرت أكثر من 2000 غارة جوية وبرية المدينة. واستهدف منزل صلاح أبو نبوت، وهو مواطن سوري يحمل الجنسية الفرنسية، بالبراميل المتفجرة التي أطلقت من الطائرات المروحية. وقتل صلاح أبو نبوت في الهجوم. يقع منزله فوق مدرسة غير رسمية تديرها منظمة أورانيتس غير الحكومية للسماح للأطفال بمواصلة تلقي التعليم، على الرغم من إغلاق وتدمير العديد من المدارس من قبل الحكومة السورية منذ بداية النزاع.

إن هجوم 7 يونيو/حزيران 2017، الذي نفذ بالبراميل المتفجرة (أي القنابل المتفجرة المملوءة بشظايا معدنية تسبب مستويات عالية للغاية من الضرر) أسلوب معتاد في هجمات الحكومة السورية على السكان المدنيين بحجة محاربة الجماعات المسلحة.

هذه القضية لها رمزيتها، لأنها المرة الأولى التي تتهم فيها السلطات القضائية الفرنسية مسؤولين رفيعي المستوى في الجيش السوري بارتكاب جرائم حرب ناجمة عن عملية عسكرية..

لماذا رفعت القضية في فرنسا وليس في سوريا أو أمام المحكمة الجنائية الدولية؟

على الرغم من خطورة وحجم الجرائم المرتكبة في سوريا منذ القمع الوحشي للحراك الشعبي في مارس/آذار 2011 والذي أدى إلى أكثر من 12 سنة من النزاع، إلا أن هناك طرقا محدودة أمام الضحايا وعائلاتهم/ن للحصول على العدالة والإنصاف. أما بالنسبة لخيار المحكمة الجنائية الدولية، لم تصادق سوريا على نظام روما الأساسي، ورغم محاولات الحصول على قرار من مجلس الأمن بإحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن استخدام روسيا والصين المتكرر لحق الفيتو منع المحكمة الجنائية الدولية من فتح تحقيق بشأن سوريا.

مع انسداد الطريق إلى المحكمة الجنائية الدولية، وعدم وجود احتمال حقيقي للعدالة المستقلة والمساءلة داخل سوريا، لجأ الضحايا إلى بلدان أخرى – مثل ألمانيا والسويد وفرنسا – للتحقيق في القضايا بناء على ما يعرف بالولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية أو الولاية القضائية العالمية. وبناء عليه، رفع محامون سوريون وأفراد ومنظمات وكذلك منظمات دولية لحقوق الإنسان قضايا في هذه البلدان لإجراء تحقيقات حول تهم التعذيب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

ما هي المعايير المطبقة في فرنسا لبدء التحقيقات في الجرائم المرتكبة في سوريا؟

كان صلاح أبو نبوت مواطن السوري، حامل الجنسية الفرنسية، وللمحاكم الفرنسية اختصاص بالجرائم المرتكبة بحق المواطنين/ات الفرنسيين/ات أو مزدوجي/ت الجنسية، وكذلك الجرائم التي يرتكبها مواطنون/ات فرنسيون/ت أو مزدوجو/ات الجنسية. وهكذا، وعلى أساس الجنسية السورية الفرنسية المزدوجة لصلاح أبو نبوت، بدأ تحقيق قضائي جنائي (أي بقيادة قاضي تحقيق مستقل من وحدة جرائم الحرب الفرنسية) في فرنسا في كانون الثاني/يناير 2018.

ومع ذلك، فإن العديد من ضحايا الجرائم الدولية الذين يسعون إلى تحقيق العدالة، بمن فيهم العديد من السوريين، لا يحملون الجنسية الفرنسية. ومن أجل السماح لهم بالوصول إلى العدالة، اعتمد المشرع الفرنسي عدة تشريعات.

على سبيل المثال، منذ إدراج اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في القانون الفرنسي في عام 1986، يمكن مقاضاة أي مشتبه به موجود على الأراضي الفرنسية ومحاكمته في فرنسا بتهمة التعذيب.

وينطبق الشرط نفسه منذ آب/أغسطس 2013 على المشتبه في ارتكابهم جريمة الإخفاء القسري، بعد إدراج اتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في القانون الفرنسي.

بغض النظر عن جنسيتهم وبلد إقامتهم، يمكن لضحايا التعذيب والاختفاء القسري تقديم شكوى جنائية إلى المدعي العام الفرنسي والمشاركة في الإجراءات كأطراف مدنية. يمنح هذا الوضع الضحايا حقوقاً واسعة طوال فترة التحقيق، مثل القدرة على طلب إجراء تحقيقات محددة، أو استدعاء شهود معينين للإدلاء بشهاداتهم.

فيما يتعلق بالجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب المرتكبة في الخارج، اعتمد البرلمان الفرنسي في 9 آب/أغسطس 2010 قانوناً يدرج نظام روما الأساسي في القانون الفرنسي. ويمنح هذا القانون المحاكم الفرنسية اختصاص محاكمة مرتكبي هذه الجرائم إذا توفرت الشروط التالية:

  • يقيم المشتبه به في فرنسا.
  • وجود تشريع يجرم هذه الأفعال في الدولة التي ارتكبت فيها، أو تكون الدولة التي يكون المشتبه فيه من رعاياها أو التي ارتكبت فيها الجرائم طرفا في نظام روما الأساسي.
  • لا يمكن الشروع في الملاحقات القضائية إلا بناء على طلب المدعي العام الفرنسي.
  • المشتبه به ليس خاضعاً لأي طلب تسليم أو مقاضاة من محكمة دولية أو وطنية.

تم تعديل هذه الأحكام بشكل بسيط بموجب قانون 23 آذار/مارس 2019 الذي استبعد شرط التجريم المزدوج لجريمة الإبادة الجماعية، وأزال الرفض الصريح للاختصاص من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

ثم تم تعديل هذه الأحكام من قبل نواب الجمعية الوطنية الفرنسية في 6 تموز/يوليو 2023 عندما صوتوا لصالح إلغاء شرط التجريم المزدوج لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، واعتمده البرلمان الفرنسي بشكل نهائي في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

 في 1 كانون الثاني/ يناير 2012، تم إنشاء وحدة متخصصة لمحاكمة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في باريس. وتتألف هذه الوحدة اليوم من فريق من خمسة مدعين عامين، وثلاثة قضاة تحقيق مستقلين، وفريق من المحققين المتخصصين، يعملون حصراً في قضايا الجرائم الدولية. وتجري الوحدة الفرنسية حالياً 85 تحقيقا أولياً و79 تحقيقاً قضائياً متعلق بجرائم دولية ارتكبت خارج الأراضي الفرنسية، منها نحو 10 تحقيقات تتعلق بجرائم ارتكبت في سوريا.

 كيف فتحت قضية أبو نبوت وكيف وصلت إلى إصدار مذكرات التوقيف الدولية؟

في 7 حزيران/يونيو 2017 قتل صلاح أبو نبوت جراء استهداف الطيران الحربي السوري منزله بالقصف بالبراميل المتفجرة.

وأبلغت زوجته السلطات الفرنسية بذلك في 12 حزيران/يونيو 2017 .

في 29 كانون الثاني /يناير 2018 فتحت وحدة جرائم الحرب في محكمة باريس تحقيقاً بناء على الشكوى المقدمة من نجله عمر ابو نبوت بشأن مقتل والده صلاح أبو نبوت وتم تعيين قاضيين للتحقيق وتم قبول نجل الضحية عمر أبو نبوت كطرف مدني.

وصلت القضية إلى نقطة تحول عندما أصبح المركز طرف مدني بالدعوى عام 2020، وبدأ  بإعداد ملف متكامل عن القضية تضمن مجموعة من الأدلة والشهادات والصور والفيديوهات من موقع الجريمة. كما قدّم ضباط منشقون مشكورين معلومات مهمة مكّنت فريق المركز من إعداد سلسلة القيادة في سلاح الجو السوري  وإعادة بناء الهجوم، وتحديد نوع المروحيات التي قامت بالقصف، ومطار بلي الذي أقلعت منه هذه المروحيات. وكذلك تم إعداد خريطة تسلسل الأمر القتالي في القوى الجوية السورية من لحظة صدوره وحتى انتهاء التنفيذ.

من هم المسؤولون السوريون الأربعة رفيعي المستوى الذين استهدفتهم مذكرات التوقيف الدولية وما هي التهم الموجهة إليهم؟

العماد فهد جاسم الفريج – نائب القائد العام للجيش – وزير الدفاع

ولد فهد الفريج في 1 كانون الثاني/يناير 1950 في (قرية) الرهجان سوريا وانضم إلى الجيش السوري في عام 1969. تم تعيينه رئيساً لأركان القوات المسلحة في عام 2011 قبل ترقيته إلى منصب وزير الدفاع في عام 2012، وهو المنصب الذي شغله حتى 1 كانون الثاني/يناير 2018 عندما أحيل للتقاعد وحل محله علي أيوب.

في عام 2017 ، كان العماد تحت القيادة المباشرة للقائد العام للجيش (بشار الأسد) لتوجيه الجيش وجميع فئات القوات داخله، وشارك في صنع القرار العسكري بنشاط، وتطوير استراتيجيات القتال مع القائد الأعلى للجيش. 

العماد علي عبد الله أيوب – رئيس أركان القوات المسلحة

ولد على أيوب في 28 نيسان/أبريل 1952 في اللاذقية، سوريا. وتم تعيينه رئيساً لأركان القوات المسلحة في عام 2012 ، بعد ترقية العماد فهد الفريج إلى منصب وزير الدفاع.

في عام 2017، وقت الهجوم، كان أيوب ثالث أعلى ضابط عسكري سوري، بعد القائد العام للجيش ووزير الدفاع.

وكان الرئيس الفعلي لجميع القوات المسلحة السورية، التي أشرف عليها ونسقَ عملها.

شارك بشكل مباشر في تنسيق وتنفيذ العمليات العسكرية وفي تطوير خطط الدفاع والهجوم. أقيل العماد علي أيوب من منصبه كوزير الدفاع في 28 نيسان/أبريل 2022 ليحال إلى التقاعد. 

اللواء أحمد بلول – قائد القوات الجوية والدفاع الجوي

ولد أحمد بلول في 10 تشرين الأول/أكتوبر 1954.

في عام 2017 ، كان اللواء أحمد قائد القوات الجوية والدفاع الجوي. 

وبهذه الصفة، كان مسؤولاً بشكل مباشر عن جميع المسائل المتعلقة بالقوات الجوية السورية، وكان مسؤولاً عن جميع الغارات الجوية التي وقعت في سوريا، ولا سيما في منطقة درعا بين 7 و 23 حزيران/يونيو 2017.

كانت الأوامر التي تلقاها صادرة مباشرة من القائد العام للقوات المسلحة أو وزير الدفاع أو رئيس أركان القوات المسلحة أو ممثليهم.

وأرسل أوامره إلى السلطة المنفذة، إما من خلال سلسلة القيادة إلى رئيس أركان القوات الجوية، أو من خلال قائد الفرقة أو اللواء المسؤول عن التنفيذ. عندما تم تكليفه بالمهمة، حدد أحمد بلول الهدف والذخيرة القتالية التي سيتم استخدامها والإطار الزمني لتنفيذ المهمة والطريق الذي يجب اتباعه. أحيل أحمد بلول إلى التقاعد في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020.

العميد الركن علي الصافتلي  –قائد لـ”اللواء 64″ مروحيات في مطار “بلي”

في عام 2017 ، كان العميد علي الصافتلي أعلى قائد في لواء طائرات الهليكوبتر 64. وكان مسؤولاً عن تنفيذ العمليات القتالية وعن جميع معدات لوائه.

تلقى أوامره القتالية من قائد القوات الجوية بنفسه، ثم قام مع رئيس أركانه بتكليف مهامهم بقادة السرب والطيارين. وشملت الأوامر القتالية: نوع المهمة وموقعها ونوع الهدف والذخيرة والطائرة المستخدمة لتنفيذ المهمة.

كان علي الصافتلي أيضاً قائد مطار بلي. وعلى هذا النحو ، كان مسؤولاً عن جميع المعدات في المطار (الطائرات، الطيارون، الضباط الفنيون ، المعدات القتالية وتناوب المطارات). يشغل علي الصافتلي حالياً منصب قائد مركز السيطرة الموحد الجنوبي برتبة لواء.

وهم يخضعون لمذكرات توقيف دولية بتهمة التواطؤ في جرائم حرب (تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، والقتل العمد للأشخاص المحميين بموجب القانون الدولي الإنساني).

لماذا يعتبر هذا التطور مهم؟

تشكل مذكرات التوقيف الدولية هذه علامة بارزة على طريق الحد من حالة الإفلات من العقاب على الجرائم التي يرتكبها النظام السوري. في الواقع، هذه هي المرة الأولى التي يُتهم فيها مسؤولون كبار في الجيش السوري بارتكاب جرائم حرب ناشئة عن عملية عسكرية موجهة ضد المدنيين. علاوة على ذلك ، فإن هذه القضية هي رمز لاستخدام النظام السوري البراميل المتفجرة وغيرها من “الأسلحة القذرة”، مما تسبب في أضرار مدمرة للسكان.

من خلال استهداف كبار الشخصيات في النظام، وعلى الأخص أعلى هرم النظام ، يتضح أن الجناة – مهما كان مستوى أقدميتهم – لا يمكنهم الإفلات من العدالة.

ولفت النظام القضائي الفرنسي الانتباه إلى مسؤولية هؤلاء الأربعة ودورهم في جرائم الحرب المرتكبة ضد الشعب السوري. وتعتبر هذه الخطوة رسالة قوية إلى أن العدالة خارج الحدود الإقليمية لها دور أساسي في ملاحقة المسؤولين عن أخطر الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في سوريا منذ آذار/مارس 2011، بدون الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو العدالة الانتقالية، أو محكمة مشتركة. 

 كما توضح أن هذه التحقيقات ممكنة ويمكن أن تؤدي إلى نتائج ملموسة، بفضل عمل التوثيق المكثف الذي قام به النشطاء السوريون منذ عام 2011 والشجاعة الهائلة للضحايا والشهود الذين يشاركون شهاداتهم.

ما هي تداعيات مذكرات التوقيف الدولية وماذا سيحدث بعد ذلك؟

يجب ألا يتمتع المشتبه بهم الأربعة بالإفلات من العقاب على الجرائم التي ارتكبوها، ويجب أن يكون مكانهم في مستقبل سوريا موضعَ مساءلة. وستمنع مذكرات التوقيف الدولية المشتبه بهم الأربعة من السفر إلى الخارج بحرية. إذا فعلوا ذلك، يمكن اعتقالهم وتسليمهم إلى (سُلطات) الأراضي الفرنسية.

فيما يتعلق بالقضية الجنائية في فرنسا، حتى لو لم يتم تنفيذ أوامر الاعتقال الدولية، يمكن لقضاة التحقيق النظر في إغلاق التحقيق وإحالة القضية إلى المحاكمة. سيكون للمشتبه بهم الحق في أن يمثلهم محام طوال مدة المحاكمة، حتى لو لم يكونوا هم أنفسهم حاضرين في المحكمة.