قضاة وحدة جرائم الحرب الفرنسية يصدرون مذكرات توقيف دولية بحق أربعة ضباط سوريين رفيعي المستوى متهمين بالتواطؤ في جرائم حرب

باريس – 19 تشرين الأول/أكتوبر 2023. أصدر قضاة التحقيق في وحدة جرائم الحرب الفرنسية الأمس الموافق 18 تشرين الأول/أكتوبر، مذكرات توقيف دولية بحق أربعة من كبار الضباط في سوريا، على رأسهم وزيري الدفاع السابقين العماد علي عبد الله أيوب والعماد فهد جاسم الفريج، بالإضافة لقائد القوى الجوية اللواء أحمد بلول، وقائد اللواء /64/ حوامات العميد الركن علي الصافتلي، بتهمة التواطؤ في جرائم حرب (تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، والقتل العمد للأشخاص المحميين بموجب القانون الدولي الإنساني).

وتأتي مذكرات التوقيف هذه كختام للتحقيق القضائي الذي بدأ في عام 2017 إثر شكوى قدمها السيد عمر أبو نبوت، بعد مقتل والده في هجوم بالبراميل المتفجرة نفذته قوات الحكومة السورية في حزيران/ يونيو 2017، في إطار العملية العسكرية التي يقودها الجيش السوري على مدينة درعا بدعم من روسيا. وانضم المركز السوري للإعلام وحرية التعبير إلى الشكوى كطرف مدني.

يقول عمر أبو نبوت، نجل الضحية الذي يعيش الآن في مدينة باريس: “بعد ست سنوات من التصميم، أفتخر اليوم لأن هذه الدعوى ضد مجرمي الحرب وقتلة والدي أصبحت حقيقة واقعة. أتذكر جيدًا عندما تقدمت بطلب إلى المدعي العام الفرنسي بفتح تحقيق في وفاة والدي، وكان هدفي هو منع مجرمي الحرب من الإفلات من العقاب”.

تعتبر هذه القضية الأولى لجهة التعامل مع جريمة استهداف منشآت مدنية واستخدام أسلحة عشوائية الأثر كالبراميل المتفجرة كجريمة حرب. حيث وبتاريخ 07 حزيران/ يونيو 2017، قامت طائرة حوامة تابعة للقوى الجوية السورية، بإلقاء برميل متفجر على مبنى مؤلف من ثلاث طوابق في منطقة طريق السد في مدينة درعا، تعود ملكيته للمواطن السوري والذي يحمل الجنسية الفرنسية، صلاح أبو نبوت ما أدى إلى مقتله. وضم المبنى المستهدف مدرسة للأطفال وهي مدرسة السد (أجيال) التي كانت تدار من قبل منظمة غير حكومية أردنية. وكان السيد صلاح أبو نبوت قد تعرض للاعتقال في نيسان/ أبريل 2013 حتى صيف عام 2015 عندما أطلق سراحه من سجن عدرا، وغادرت عائلته إلى الأردن ثم إلى فرنسا خلال فترة اعتقاله.

من جهته قال المحامي مازن درويش، مؤسس ومدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير: “تم استهداف المدارس والمستشفيات والكوادر العاملين بها بشكل متعمد ومنهجي من قبل الحكومة السورية على مدار العقد الماضي. وهذه هي المرة الأولى التي ينظر فيها القضاء إلى دور سلاح الجو السوري في استهداف منشآت حيوية واستخدام البراميل المتفجرة. وتعتبر مذكرات التوقيف هذه خطوة نحو المحاسبة على هذه الجرائم وتحقيق العدالة لضحاياها.”

ساهم المركز بفاعلية في التحقيق من خلال تزويد قضاة التحقيق بأسماء الشهود، ومجموعة كبيرة من الصور ومقاطع الفيديو، التي وثقت تفجير 7 حزيران/ يونيو 2017 في درعا، بالإضافة إلى معلومات أساسية حول التسلسل القيادي للقوات الجوية السورية والجيش السوري، وآلية صدور وتسلسل تنفيذ الأمر القتالي في سلاح الجو السوري. وقدم المركز للقضاء دراسة خاصة تمكن من خلالها تحديد المطار الذي انطلقت منه الطائرة التي نفذت الهجوم، وجرى التعرف على نوعها وهي (طائرة حوامة نوع ME روسية الصنع)، إضافة إلى تحديد نوع السلاح المستخدم وهو البراميل المتفجرة. كما حصل المركز السوري للإعلام وحرية التعبير على عينات من المبنى المستهدف. ولا بد هنا أن يشكر المركز المنشقين عن الجيش وأجهزة الأمن، على المعلومات التي قدموها، إضافة إلى موقع وجريدة زمان الوصل، وموقع وجريدة جسر لمساعدتهم .

ولم تكن مدرسة أجيال المدرسة الوحيدة التي تمّ استهدافها في درعا في ذلك الوقت، حيث تعرضت سبع مدارس أخرى لقصف طيران الحكومة السورية وبدعم من روسيا، ما أدى لمقتل عدد من التلاميذ كما تظهر بالصور والفيديوهات.

وفي هذا السياق، قال المحامي طارق حوكان، مدير مشروع التقاضي الاستراتيجي في المركز: “إن هذه القضية هي أول قضية يعمل عليها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير بشكل كامل ومستقل ودون شركاء دوليين، حيث قام فريق المركز بإعداد وبناء ملف الدعوى كاملا وتقديمه للقضاء. وهي رسالة أخرى مفادها، أن الضحايا أنفسهم والمؤسسات المحلية هي الضمانة الاساسية لتحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب للوصول الى سلام مستدام في سوريا.”

وسبق للقضاء الفرنسي عام 2018 أن أصدر مذكرات توقيف بحق ثلاثة من المسؤولين الأمنيين السوريين رفيعي المستوى هم اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني، واللواء جميل حسن مدير إدارة المخابرات الجوية، والعميد عبد السلام محمود رئيس فرع التحقيق في المخابرات الجوية، وذلك لتورطهم في ارتكاب جرائم تعذيب وإخفاء قسري وقتل كل من مازن وباتريك الدباغ والتي تعتبر جرائم ضد الإنسانية.

وتأتي قضية أبونبوت بوصفها الأولى من نوعها، التي ينظر فيها أمام القضاء وتركز على القتل والاستهداف المتعمد للمدنيين، ما يشكل جرائم حرب. إذ تسبب استخدام قنابل البراميل والهجمات المتعمدة ضد السكان المدنيين في مقتل الآلاف في سوريا منذ عام 2011 في جميع أنحاء البلاد. ويظهر انتشار مثل هذه الجرائم واستمرارها مدى أهمية المساءلة لوضع حد لها.

وقالت محامية الأطراف المدنية في الدعوى كليمانس بيكتارت: “هذه القضية تظهر مدى شجاعة وتصميم الناجين السوريين، والمجتمع المدني السوري. مذكرات الاعتقال الدولية التي صدرت هي الأولى من نوعها، التي تتهم كبار مسؤولي النظام السوري بجرائم حرب. وهذا ما يدلّ، وخاصة بعد الحكم القضائي التاريخي الصادر في مدينة كوبلنز في ألمانيا العام الماضي والأمر الصادر في 29 آذار/مارس 2023 من قبل قضاة فرنسيين بإرسال مسؤولين سوريين للمحاكمة بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، أن المعركة من أجل المحاسبة والمساءلة مستمرة.”

يرحب المركز السوري للإعلام وحرية التعبير بالقرار الصادر عن قضاة التحقيق في باريس في قضية استهداف مدرسة أجيال في درعا، التي أودت بحياة صلاح أبو نبوت، ويشيد بالدور الأساسي لنجل الضحية، لما يمثله من نموذج للتصميم على إنصاف الضحايا بجميع السبل القانونية المتاحة. ويعتبر المركز أن تحريك هذه الدعوى هي خطوة تضاف إلى  خطوات التقاضي السابقة، دعماً لجهود الضحايا بالعمل على تحقيق العدالة، وتأتي ضمن سياق العمل على البدائل المتاحة، صوناً لحقوق الشعب السوري، وتمهيداً لمسار عدالة انتقالية وطني شامل مستقبلاً.