ينشط المركز السوري للإعلام وحرية التعبير منذ أكثر من عقد من الزمن في تعزيز المساءلة وبناء العدالة الانتقالية في سوريا. والتزاما منه بالمضي قدما والاستمرار في الدفاع عن الحقوق والحريات وتعزيز سيادة القانون، شارك المركز في مؤتمر الحقوقيين في شمال أفريقيا والشرق الأوسط حول استخدام المحاكم العسكرية والاستثنائية، والذي تم عقده بإشراف وتنظيم اللجنة الدولية للحقوقيين في تونس بتاريخ 8-9 تموز/ یولیو 2017.
خلال مشاركته في المؤتمر دعا المركز إلى تكثيف الجهود لتقييد عمل المحاكم العسكرية، وإبعادها عن الشأن المدني والسياسي، مؤكدًا أن هذه المحاكم مازالت تُستخدم بهدف التضييق على المعارضة، والتهرب من العقاب في سوريا وأغلب دول المنطقة العربية.
ويقول الحقوقي المعتصم الكيلاني، ممثل المركز السوري للإعلام وحرية التعبير في مؤتمر الحقوقيين: “تتمتع المحاكم العسكرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بولاية واسعة النطاق للبت في قضايا المشتبه في معارضتهم للسلطات، وأفراد الأمن والعسكريين، بمن فيهم المزعوم مسؤوليتهم عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان!”
يضيف الكيلاني “في هذه البلدان [..] هناك مخاوف جادة بشأن عدم امتثال هذه المحاكم للمعايير الدولية للمحاكمات العادلة، بما في ذلك حرمان المحتجزين من الاستعانة بمحامٍ، أو الاتصال بمحاميهم سراً، وتقييد هذا الحق بشكل كبير، كما وتقييد وصول المتهمين ومحاميهم إلى ملف القضية، بما في ذلك التهم والأدلة.”
تشير كافة التقارير والدراسات التي صدرت عن المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وفي مقدمتها اللجنة الدولية للحقوقيين، ومنظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان إلى أن معظم الحقوق والضمانات القضائية التي أقرتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، تتعرض لانتهاكات واسعة في سورية، وخاصة في المحاكمات التي تتم أمام المحاكم العسكرية والميدانية.
وفي هذا السياق تطرق المركز السوري للإعلام وحرية التعبير إلى تجربته المريرة كباقي السوريين مع القضاء العسكري في سوريا، حيث اعتقل رئيس المركز، السيد مازن درويش أكثر من مرة، وحوكم أمام المحكمة العسكرية عام 2008، وفي عام 2012 تم اعتقاله من جديد بالإضافة إلى 12 زميل أخر وأحيلوا إلى القضاء العسكري، بعد أن تم اقتحام مكتب المركز السوري للإعلام وحرية التعبير الرئيسي وإغلاقه في العاصمة السورية دمشق، كما وفقد المركز أحد أعضائه، الزميل أيهم غزول، الذي قضى تحت التعذيب بعد اعتقاله في عام 2012.
في سوريا، تمت محاكمة أعداد كبيرة من الناشطين السياسيين، والصحفيين، والمثقفين أمام القضاء العسكري حتى قبل الثورة التي تبع اندلاعها مضاعفة أعداد القضايا والمحاكمات الميدانية.
وحتى نهاية عام 2014 أحيل إلى المحكمة الميدانية العسكرية 100 ألف مواطن سوري بحسب تقارير حقوقية. وصدرت أحكام بإعدام 5000 سوري في نفس الفترة.
“نحن في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير وضمن برنامج المساءلة والمحاسبة، نعمل مع شركائنا الدوليين والمحليين كل يوم كي لا يفلت المجرمون من العقاب في سوريا، ونحلم بذاك اليوم الذي نستطيع فيه سوق جميع مجرمي الحرب إلى المحاكم […] سعيا لتحقيق العدالة الانتقالية في سوريا.” يضيف الحقوقي المعتصم الكيلاني.
اتفق المشاركون في نهاية هذا المؤتمر على استمرارية اللقاء، والضغط على الأنظمة القضائية في دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط لتقليص صلاحيات واختصاص المحاكم العسكرية، فكلما اقتصر دور هذه المحاكم على العسكريين فقط، كلما ارتفع مؤشر الحريات، واستعاد القضاء المدني دوره الأساسي والحاسم في الدولة.
لكن في حال ازداد اختصاص تلك المحاكم وصلاحياتها، فذلك حتماً سيفضي إلى تقليص الحريات العامة، وزيادة التضييق على الحريات الشخصية”.