صحيفة “الأخبار”: جمال جبران
صنعاء | الغائب عن متابعة صحافة اليمن الرسمية خلال الشهر الماضي، سيحتاج إلى وقت كي يستوعب الانقلاب الذي حصل في دائرة الإعلام الحكومي، أو ما يسمّى «المطبخ الرسمي». بعدما كان هذا الإعلام ناطقاً باسم جلالة «الرئيس علي عبد الله صالح»، صار ناطقاً باسم الشباب والشعب والثورة. وحتماً، سيحتاج هذا الغائب إلى وقت طويل وهو يقلّب صفحات «الثورة». قبل شهر فقط، كانت هذه الصحيفة الرسمية الأولى في البلد تتفنن في نشر مقالات تستهدف معنويات شباب الثورة، وتشوّه صورتهم. اليوم، باتت «الثورة» تحكي عن عودة «توكل كرمان الى ساحة التغيير في صنعاء، وعن تعهدها مواصلة العمل على تحقيق أهداف الثورة الشبابية».
وهنا يتذكر المرء أنّ كرمان هي ذاتها الفتاة التي قال عنها الإعلام الرسمي إنّها إيرانية، إثر فوزها بجائزة «نوبل» للسلام. الأمر نفسه ينطبق على «الجمهورية»، ثانية الجرائد الرسمية في البلاد (تصدر من تعز، جنوبي صنعاء)… فما الذي حدث؟ بدأت الحكاية عندما وقّع علي عبد الله صالح مبادرة خليجية تمهّد لتنحّيه عن الحكم، وتأليف حكومة توافقية برئاسة المعارضة، على أن يجري تقاسم الحقائب الوزارية مناصفة بينها وبين حزب الرئيس. هنا قال كثيرون إنّ صالح سيصرّ على الاحتفاظ بوزارة الإعلام، لكن المفاجأة أنّه قبل مغادرته النهائية لليمن مطلع الأسبوع الحالي، تخلّى صالح عن وزارة الإعلام، مفضّلاً حقائب أخرى. مع ذلك، شكّك آخرون في الخطوة، وقالوا إنّه لن يسمح للمعارضة بإمساك وزارة الإعلام التي تتولّى تلميع صورته أمام العالم الخارجي، لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة. ظهرت سيطرة المعارضة على الإعلام الحكومي عبر استبدال اللغة الرسمية القديمة بأخرى تظهر هذه الصحف كوسائل تابعة للمعارضة. وتكرَّس ذلك عبر استبعاد رؤساء تحرير تلك الصحف، الذين كانوا يتصلون مباشرةً بالقصر الرئاسي. واستُبدل هؤلاء بقادة صحافيين اتخذوا موقفاً مسانداً للثورة. كل هذا بالتوازي مع صدور قرارات رسمية بإعادة الصحافيين الذين فُصلوا من وظائفهم في الصحف الحكومية بسبب انحيازهم للثورة.
لكن بعد تحرير الصحافة الرسمية من قبضة نظام صالح، ارتفعت أصوات إعلامية مستقلة، أكدت على ضرورة عدم تكرار أحزاب المعارضة للخطيئة نفسها التي اقترفها النظام، عندما أمسك بزمام الإعلام الرسمي وجعله ناطقاً بصوت واحد، وأقصى إعلاميّي المعارضة. خرجت هذه الأصوات بعد تصرفات تشير إلى طريقة العمل الإعلامية الحالية، التي تقودها المعارضة، وتسير مدفوعة برغبات انتقامية لاحتكار اللغة الإعلامية، وجعلها معبرة عن طرف واحد. فإذا بلعبة الإقصاء ذاتها تعود، لكن مع انقلاب أدوار اللاعبين. ويبدو أن الخروج من هذه الحالة لن يكون ممكناً من دون إلغاء وزارة الإعلام، وتأليف هيئة إعلامية عليا مشتركة من مختلف أطراف العمل السياسي في اليمن، كي يكون هذا الإعلام ملكاً للجميع. وفي غياب هذه الخطوة، ستبدو الثورة ككيان مشوّه يعيد إنتاج الماضي، ولا يرى إلا بعين واحدة.