.
العزيزتان رزان وسميرة، العزيزان ناظم ووائل،
.
مضت 9 سنوات منذ أن تمّ تغييبكم/ن، وما من عام مضى لم يكن وتكن كل منكم/ن حاضراً وحاضرةً في البال، في جعبتنا الكثير لنقوله لكم/ن، لدينا الكثير من الأخبار والتحديات لنناقشها معكم/ن والنجاحات التي نرغب أن نشاركها معكم/ن والأفكار التي نود أن نسمع آراءكم/ن حولها فهل ستتسع هذه الرسالة لما نود مشاركته؟ بالطبع لا… لكننا ومن أجل جهودكم/ن التي لا يُستهان بها ومساهماتكم/ن في إنشاء وتشكيل وإطلاق مؤسّسات وكيانات فاعلة اليوم لا تكلّ ولا تملّ … نقول إننا أخذنا على أنفسنا عهداً بالسير فيما بدأتم/ن به.
لماذا نخاطبكم/ن برسالة؟ ومالذي تغير؟ هل نستطيع أن ندعي أن سوريا اليوم هي سوريا التي تمنيناها جميعاً؟ مجدداً لا… وما يزال الطريق طويلاً حيث نعمل ونتعاون ونسعى لتحقيق غايتنا! مما في جعبتنا لنقوله لكم/ن:
.
إنّ منظمة”سوريات من أجل التنمية” التي أسستها الروائية سمر يزبك وساهمت رزان بجهود بناء الشراكات المحلية بها، غيرت اسمها لـ النساء الآن من أجل التنمية تيمناً باسم مشغل الخياطة والصوف الذي أسسته رزان وتطوعت حينها سميرة بإلإشراف عليه. رزان وسميرة شريكتا النضال، كنتما جزء من حياة النساء اليومية وقاسمتهنَّ آلامهن وآمالهن والحصار والوجع كما الحب والإنتاج والعمل الدائم. لقد تطورت المنظمة من شبكة مراكز نسائية لأكبر مؤسسة نسوية في سوريا ودول الجوار ويتألف فريقها من أكثر من 150 امرأة فاعلة في شتى المجالات، من الحماية والتمكين والمشاركة. استفادات آلاف النساء من خدمات المنظمة كما صارت مرجعاً أساسياً للإنتاج المعرفي النسوي وإعلاء صوت النساء السوريات في المحافل الدولية. المنظمة اليوم رائدة في مجال وصول النساء للعدالة ومشاركتهن بصناعتها. رغم الغياب والتهجير، احتفلت المنظمة هذا العام بعيدها العاشر بشعار آمنا به جميعاً “سنكون يوما مانريد”.
.
وما يزال مكتب التنمية المحلية ودعم المشاريع الصغيرة (LDSPS) مستمراً في العمل، بل توسع ليتحول إلى مؤسسة تهدف إلى تمكين ودعم المجتمعات المحلية في مناطق مختلفة من سوريا. حيث ينطلق من مبدأ نشر مفاهيم المواطنة الفاعلة والممارسة الديمقراطية على مستوى المجتمعات المحلية، وتفعيل ودعم المجتمع المدني المحلي والأجسام الحوكمية المحلية كركائز ضرورية لتحقيق الاستقرار وإنشاء نظام ديمقراطي مستدام في سوريا، يتم من خلاله تمثيل مصالح جميع السوريين/ات وتطلعاتهم/ن نحو الحرية والكرامة اعتماداً على المشاركة المجتمعية في صنع القرار والتشاركية وعدم التمييز ، وقد نجح فعلاً في إجراء انتخابات عامة ومباشرة في أكثر من منطقة من مناطق عمله. تمنينا أن تكونوا بيننا ونحن نسمع الأهالي يخبروننا بسعادتهم/ن بتجربة انتخابية للمرة الأولى في حياتهم/ن أو كيف يصفون/ن شعورهم/ن وهم/ن يقومون/يقمن للمرة الأولى باختيار من يمثلهم/ن. اليوم يضم فريق LDSPS داخل سوريا وخارجها خلفيات متنوعة تُثري المؤسسة بالرؤى والمهارات المتميّزة والنشاط المجتمعي والحقوقي، الأكاديمي والبحثي.
.
أما مركز توثيق الانتهاكات في سوريا (VDC) وبالرغم من تأثر الفريق بشدة بجريمة اختطافكم/ن، إلا أن هذه الجريمة كانت دافعاً إضافياً لاستمرار العمل على توثيق الانتهاكات -من قبل كافة الجهات الفاعلة في سوريا- وتطويره على مراحل متعددة باتت تشمل حالياً توثيق الانتهاكات الواقعة على اللاجئين السوريين في بلاد اللجوء. بعد أن عاود المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM) نشاطه في عام 2016 عاد VDC للانضمام إليه ليكمل مسيرته كواحد من أهم مشاريع التوثيق السورية. أصدر المشروع العديد من التقارير والدراسات الهامة التي تعتبر مراجع لهيئات أممية ودولية، ولا تزال توثيقات المشروع حجز الأساس في العديد من الشكاوى القضائية التي عمل المركز عليها ضمن إطار مشروع التقاضي الاستراتيجي بتوفيره لقاعدة من المعلومات، الشهادات والأدلة. قام المشروع بتطوير أدواته المعرفية والنظرية من منهجيات وأدوات تقنية للتوفق مع المعايير الدولية، حتى بات من الممكن تعميمه في دول تشابه سوريا بحالة حقوق الإنسان ويتم العمل حالياً على نقل المعرفة التراكمية لهذا المشروع لمنظمات حقوقية ومدنية أخرى لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان بلدانها.
.
عزيزتنا رزان،
لقد كان تشجيعك ودعمك لمن حولك قبل تغييبك مصدر إلهام لنا يدفعنا للمتابعة بدون كلل أو ملل بالرغم من كل التحديات والمتغيرات. وتتويجاً للتوثيقات والمعلومات التي قمتِ والفريق في دوما بجمعها صباح مجزرة الكيماوي في 21 آب 2013، تنظر اليوم ثلاث جهات قضائية في فرنسا والسويد وألمانيا في قضية الهجمات بالأسلحة الكيميائية على المدنيين في سوريا، بل وتعتمد ملفات هذه القضايا بشكل كبير على جهودكم/ن والأدلة التي جمعتموها كحجر أساس، بالإضافة إلى شهادات الناجين والناجيات. نؤكد لك أننا لم ولن نتوقف هنا، إذ تتوحد جهود العديد من المنظمات والمبادرات الحقوقية السورية والدولية لدعم جهود التقاضي فيما يخص الجرائم المرتكبة بالأسلحة الكيماوية. كان آخر هذه الجهود ما بدأ في عام 2020 بخطوة أولى من أجل تشكيل “رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية (AVCW)” والذي توجّ مؤخراً بإطلاق الرابطة في شهر آب 2022، لتضم ناجين وناجيات وأهالي وذوي الضحايا.
.
عزيزتنا سميرة،
كان مكتبك وجهة وقبلة لذوي المغيبين/ات والمختفين/ات، يشكون ويشكين ألم غياب أحبتهم/ن، وجدوا ووجدن فيكِ الإنسانة القادرة على فهمهم/ن وسماعهم/ن كونك كنت ذات يوم مغيبة قسراً، قبل أن تغيبي مجدداً في سبيل القضية ذاتها. ونعمل اليوم مع مجموعة من روابط ومجموعات الضحايا والمنظمات السورية والدولية على دعم جهود إنشاء آلية دولية معنية بمصير المفقودين/ات والمغيبين/ات قسراً في سوريا! ونحن قاب قوسين من إنشائها. ليس هذا وحسب، إن المشاهدات المجتمعية ويوميات الحصار التي قمت بتدوينها على دفترك أصبحت كتاباً مترجماً لعدة لغات بعنوان “يوميات الحصار في دوما 2013” وضعه ياسن، تُقدَّم من خلاله قضيةُ السوريين/ات وكفاحهم/ن من أجل الحرية والكرامة. وفي باريس بدءاً من العام المقبل، سوف تمنح مؤسسة سميرة الخليل، التي أسست تكريماً لنضالك جائزة باسمك “جائزة سميرة الخليل”، سنوياً وتحديداً في 8 آذار، سوف تُمنح هذه الجائزة لامرأة يعزز نشاطها وممارستها ومسارها النضال من أجل وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان والحريات على الصعيدين العربي والمتوسطي.
.
عزيزنا ناظم،
نحن اليوم كما كنت دائماً، ملتزمون وملتزمات بقضيتنا نستمد التزامنا من مثابرتك وشجاعتك، نلاحق الجناة ونحلم بوطنٍ يسوده العدل كما كنت تأمل طوال سنوات نشاطك كمحامً ومدافع عن حقوق الإنسان ومواطن وشاعر. نعمل الآن مع عدد من المنظمات السورية والدولية الزميلة والشريكة على إعداد ودعم ملفات شكاوى وقضايا أمام جهات قضائية عديدة أوروبية ودولية لمجرمين ارتكبوا جرائم بحق السوريين/ات -شبيهين بالمجرمين الذين ساهمت بتوثيق جرائمهم- لمحاسبتهم أمام القضاء. ومن هذه الملفات نجحنا مع شركائنا السوريين والدوليين في وضع اثنين من مرتكبي الانتهاكات بحق السوريين/ات خلف القضبان في ألمانيا. وسوف نبذل كل جهد نستطيعه لمواصلة العمل الذي حاولوا منعكم/ن من تنفيذه. إن مجلة طلعنا عالحرية التي ساهمت في تأسيسها استمرت في الصدور وفي نشر قصائدك على صفحاتها كذلك، وصار غيابك وغياب رزان عن فريقها حافزاً يزيد من تبقى منهم/ن إصراراً على المواصلة والاستمرار. دورك الكبير في تقديم المساعدات الإنسانية في مناطق كانت تحت الحصار أثناء الثورة لم يذهب سدى، إذ تتابع مؤسسات نشأت من لجان التنسيق -التي كان لك ولـ وائل ورزان دور في تأسيسها- العمل على تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لمن هم/ن بحاجة له.
.
عزيزنا وائل،
نستشعر غيابك في كل يومٍ، نبحث عن مثابرتك وجهودك، أنت الذي لم توفر وقتاً ولم تترك مشكلة إلاّ ووجدت لها حلاً. كثير من الأعمال ولدت من رحم لجان التنسيق المحلية التي ساهمت وناظم ورزان في تأسيسها؛ مؤسسات تخصصية في التنمية والإغاثة والحقوق والإعلام والمناصرة، كلها تستمد رسالاتها من الرؤية التي آمنت بها وتمثلتها. نعجز حتى اليوم عن معرفة مصيرك، ولكننا كما كنت دائماً لا نوفر جهداً في السعي لكشفه ومحاسبة من اختطفك. في أحد السجون الفرنسية يقبع اليوم أحد الضالعين باختطافك، وهو الآن بانتظار أن يقول القضاء الفرنسي كلمته ويحاكمه. كنا نأمل أن نصل اليوم إلى إمكانية محاسبة الجناة أمام قضاء سوري عادل مستقل ونزيه في بلدنا التي حلمنا سوية بحريتها وديمقراطيتها، لكننا نعرف أن ما يتم الآن هو خطوات على درب العدالة الطويل. بين أيدينا أدلة وشهادات تثبت جرم اختطافك ورزان وناظم وسميرة، ونسعى وذويكم/ن لمعرفة مكانكم/ن وتحريركم/ن. هذه خطوة من العديد من الخطوات التي لن نتخلى عنها حتى ينال مرتكبو الانتهاكات جزاءهم ونلتقي من جديد.
.
وحتى نلتقي… أصدقاؤكم/ن من دمشق، بيروت، عمان، إربيل، أنقرة، باريس، برلين، بيرن، مدريد، أمستردام، لندن، ستوكهولم، واشنطن، أوتاوا.
9 كانون الأول 2022.