شح المساعدات الدولية يهدد سكان شمال سوريا بكارثة

  شح المساعدات الدولية يهدد سكان شمال سوريا بكارثة

علاء الدين اسماعيل ورنا توتنجي

أدى الصراع الممتد في سوريا الذي تلى الاحتجاجات الشعبية في آذار/مارس 2011 إلى واحدة من أسوأ الأزمات الانسانيةعالمياً ، مع ما يقدر بأكثر من  16.7 مليون شخص بحاجة للمساعدات الإنسانية، كما أن الاحتياجات المتزايدة للسكان تتفاقم نتيجة لتدهور الاقتصاد واستمرار الأعمال العدائية. في خضم هذا الواقع، تلعب المساعدات الدولية لسوريا دوراً محورياُ في الاستجابة للاحتياجات الإنسانية وملء ثغرات تقديم الخدمات والاستثمار في جهود التماسك المجتمعي وبناء السلام. 

الأزمة الانسانية في عموم سوريا ازدادت حدتها في شمال البلاد وفي الشمال الغربي تحديداً بفعل النزوح واثار الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في 6 فبراير 2023 وأدى لمقتل واصابة عشرات الالاف والى دمار المدارس والمستشفيات. وانهيارات في المباني أدت لتشريد أعداد كبيرة من السكان, مماضاعف من حجم الازمة الانسانية التي امتدت اثارها لعام 2024 وبلغت مستويات خطيرة مع تخفيض المساعدات الإنسانية في سوريا، نتيجة ضعف التمويل وتقاعس المانحين الدوليين عن الدعم مما دفع ببرنامج الغذاء العالمي لتخفيض دعمه إلى مستويات كبيرة, كما توقفت عشرات المشاريع الإنسانية في قطاعات الصحة والنظافة والتعليم، وانخفض الدعم المالي المقدم للنازحين لأكثر من النصف أو توقف نهائياً .. 

في الشمال الغربي لسوريا حيث اقترب عدد النازحين في ادلب وغربي حلب من خمسة ملايين نسمة نزحوا قسراً من أجزاء أخرى من البلاد وبعضهم نزح عدة مرات, ,اضطرت المنظمات المحلية إلى إيقاف عدد من برامجها الخدمية، وتسريح العشرات من الموظفين، وإغلاق مكاتب في مدن وبلدات عدة, كما تقلصت قدرة هذه المنظمات على تأمين الدعم للعائلات النازحة والفقيرة والمهجرة والمنكوبة التي تعتمد بشكل رئيسي في غذائها ومعيشتها على المخصصات الإنسانية (سلال غذائية ومنظفات وأغطية) .   

“طلال الابراهيم ” 50 عاماً مهجر من ريف إدلب الجنوبي إلى مدينة أرمناز في ريف إدلب الغربي أدى الزلزال لتهدم اجزاء من منزله وهو يحاول الخروج منه مع عائلته ووالدته مما أدى لإصابة طفليه الصغيرين إصابات بليغة في الرأس نتيجة سقوط أحجار من جدار المنزل. 

يقول طلال: “بعد عدة أيام من حدوث الزلزال تم إخراج طفليّ الصغيرين من المشفى وهم بصحة جيدة، وقررنا ترك مدينة أرمناز والانتقال الى قرية عقربات”. وأضاف: “بعد رحلة بحث استطعنا إيجاد منزل متواضع مؤلف من غرفتين ومنافع مقابل إيجار شهري 50 دولاراً أمريكياً،  ولم نتلقى أي مساعدة من أية منظمة انسانية عاملة في شمال غرب سوريا خلال فترة الزلزال”. 

عجز المنظمات عن تقديم الدعم المطلوب يرجعه مالك الزير مدير مكتب “منظمة بنفسج” الى انخفاض الدعم الدولي قائلاً “أن انخفاض الدعم الذي جرى مؤخراً كان تأثيره واضحاً على منظمات المجتمع المدني العاملة في الشمال السوري وعلى جميع قطاعات العمل الإنساني وعلى المجتمع عامة”. 

وأضاف: “ففي قطاع الصحة توقف عمل عدد لابأس به من المشافي والمراكز الصحية ومنظومات الاسعاف مما ادى الى تردي الوضع الصحي وزيادة الأعباء المالية على قاطني المنطقة”.  مشيراً: إلى أن “انخفاض الدعم ادى إلى فقدان الآلاف من العمال الإنسانيين لعملهم ومصدر رزقهم”. 

بالانتقال الى الريف الغربي لمحافظة ادلب،تلك المنطقة التي تعرضت لخسائر كبيرة في الأبنية والأرواح خلال كارثة الزلزال فقد تحدث عبد المعطي طربوش من مدينة سلقين للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير قائلاً:

“أعيش مع عائلتي المكونة من 6 أفراد في منزل طابق ثاني مؤلف من ثلاث غرف ومنتفعات، تعرض منزلي لأضرار كبيرة في الجدران وسقوط أجزاء من السقف، مما أدى لتركي المنزل والذهاب للعيش في منزل أختي بحي آخر من مدينة سلقين”. ويضيف عبد المعطي البالغ من العمر 52 عاماً بأن “المجلس التابع للمدينة قام بزيارة منزله ومعاينة الأضرار التي أصابت المنزل، لكن دون الحصول على أي مساعدة من أي منظمة”. ويختم قائلاً: “بعد شهرين قمت باصلاح المنزل على نفقتي الخاصة لكي أعود مع أفراد أسرتي للعيش فيه رغم حصول العديد من الهزات الارتدادية”.

صورة للأضرار التي تعرض لها منزل عبد المعطي طربوش في مدينة سلقين بريف ادلب الغربي.

بدوره قال صهيب طليمات مدير البرامج في جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية عبر حديث خاص: “بما يخص قلة الدعم في عام 2024 فهي السنة الأشد على المستفيدين بكافة قطاعات العمل الإنساني وبعد الزلزال أصبح هناك ضخ للتمويل بما يتعلق باستجابة الطوارئ، وبالتالي كان التمويل الذي يتعلق بالمشاريع غير المستدامة نسبته محدودة جداً، وعندما أنتهت حالة الطوارئ وتوقف هذا التمويل أنعكس هذا الشيئ سلباً على المستفيدين داخل المخيمات وداخل القرى والمدن”.  وتابع: ” خلال فصل الشتاء عام 2024 كان هناك أكثر من 40 مخيم من المخيمات العشوائية لم تتلقى أي نوع من أنواع المساعدات المتعلقة بالشتاء ” 

للتعامل مع شح التمويل توقف الدعم عن المخيمات التي تصنف مباني أسمنتية أو حتى الكرفانات التي تعتبر تحت بند المأوى الكريم بحسب ” طليمات ” وتم تشديد المعايير المطلوبة لتحديد المستفيدين في المخيمات وإلغاء الدعم لكامل للمخيم, الأمر الذي يرى أنه:” سوف ينتج عنه استبعاد لبعض الأسر نتيجة لعدم تطبيق بعض المعايير ويتوقع حدوث حالات صدام بين المنظمات وبين الأهالي نتيجة شعور الأهالي بالظلم ” 

أما في مدينة كفرتخاريم التي نالت نصيبها من الأضرار خلال كارثة الزلزال حيث كانت ثلاث عائلات نازحة من مدينة معرة النعمان تسكن أحد المنازل والمؤلف من ثلاث غرف ومنتفعات في بناء مؤلف من 4 طوابق.

حيث تحدث الأخ الأكبر “عبد الكريم قشيط” للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير قائلاً: “أنا متزوج ولدي 4 أولاد وأبلغ من العمر 35 عاماً، تقاسمت السكن مع أخي محمد البالغ من العمر24 عاماً، متزوج ولديه ثلاثة أطفال، وأخي ديبو البالغ من العمر 25 عاماً، متزوج ولديه ثلاثة أطفال أيضاً، بعد نزوحنا من مدينة معرة النعمان، اضطررنا للسكن مع بعضنا بسبب سوء الحال وقلة فرص العمل”. ويتابع عبد الكريم: “خلال حدوث الزلزال تعرض المنزل لأضرار كبيرة، أدت لتهدم أجزاء من الجدران علينا قبل خروجنا من المنزل برفقة أخوتي محمد وديبو وزوجاتهم وأطفالهم”.

وأضاف عبد الكريم: “لقد أصيبت زوجات أخي محمد وديبو نتيجة تهدم جدران المنزل، وكانت زوجة أخي محمد حاملاً بالشهر السادس، وزوجة أخي ديبو حاملاً بالشهر الثالث وتم إسعافهم للمشفى ووفاة الأجنة، حيث تم تخريجهم بعد عدة أيام من المشفى، وانتقلنا للعيش جميعنا في خيم مؤقتة رغم الوضع الصحي لهن”.

وأشارعبد الكريم قشيط: “لقد تضرر المنزل من الزلزال وأصيبت زوجات أخي ديبو ومحمد الا أننا لم نتلقى أي دعم من أي منظمة”.

فيما أوضح سامر مطر مدير جمعية الأيادي البيضاء: “أن التخفيض في عام 2024 في تقديم المساعدات الغذائية لشمال غرب سوريا، دفع السكان إلى تقليل عدد الوجبات اليومية وكميات الطعام للحصول على المستلزمات الأساسية، في خطوة جديدة نحو الهاوية وزيادة الفجوات في تمويل الاستجابة الإنسانية في سوريا”. وأضاف: “أن نسبة أعداد الأسر التي خفّضت عدد الوجبات الأساسية بلغت 71.2%، في حين وصلت ضمن المخيمات إلى 93.8%”.

ريف حلب الغربي في بلدة الجينة التي كانت تعتبر خط تماس مع قوات النظام السوري قبل سقوطه فقد تعرضت إلى أضرار كبيرة جراء الزلزال. 

” أحمد محمد علي ” أحد أبناء البلدة الجينة يبلغ من العمر 37 عاماً متزوج ولديه 5 أولاد قال للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير: “خلال حدوث الزلزال كنت وعائلتي في منزلنا بالطابق الثاني واستطعنا الخروج سالمين قبل سقوطه كله، بقينا أنا وزوجتي وأولادي في الشارع تحت المطر الغزير حتى الصباح بثيابنا المبللة بالماء وسط البرد الشديد، هنا ذهبنا الى منزل أخي في مدينة معرة مصرين بريف ادلب والتي تبعد عن بلدة الجينة بريف حلب الغربي مسافة 21 كم”.

ويتابع قائلاً: “بقينا بمنزل أخي في مدينة معرة مصرين مدة أسبوع، الى أن جاء أخي الأصغر وأخذني الى منزله في بلدة الجينة وقمت أنا وعائلتي بالسكن معه”. ويضيف:  “رغم خسارتي لمنزلي وخروجنا بثيابنا إلا أننا لم نتلقى أي دعم أو أي تعويض”.

صورة  لما تبقى من منزل أحمد محمد علي في بلدة الجينة بريف حلب الغربي

وتحدثت بيان الصباغ مسؤولة الشراكات والمنح في منظمة أنصر قائلةً:  “بشكل عام حجم المساعدات المقدمة من المانحين الدوليين انخفضت انخفاض حاد، مما أدى الى تفاقم معاناة النازحين والمحتاجين الذين يعتمدون بشكل أساسي على هذه المساعدات حتى يستطيعوا تلبية حاجاتهم الأساسية”. 

ودعت الصباغ المجتمع الدولي والجهات المانحة لمراجعة السياسات وزيادة الدعم المخصص للنازحين والمحتاجين في الداخل السوري والعمل على ضمان استمرارية البرامج الإنسانية التي من الممكن أن تخفف من وطأة المعاناة، مشيرةً إلى أن الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية هو ليس فقط واجب أخلاقي وإنما عامل أساسي أيضاً لتحقيق الاستقرار وبناء مستقبل أفضل للشمال السوري. واعتبرت الصباغ: “أن تجاهل الأزمة الإنسانية في الشمال السوري سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع وزيادة في المعاناة”.

خريطة محافظات إدلب وحلب تظهر فيها مواقع المدن والبلدان

حلول لمواجهة نقص التمويل

وعن الحلول المقترحة لمواجهة نقص التمويل بالنسبة للمنظمات الإغاثية هي ثلاثة، حسبما أوضح خالد قديمي مدير منظمة الرعاية الخيرية للأعمال الإنسانية، إما تخفيض أعداد المستفيدين بشكل عام، وهذا أمر غير ممكن لأن أغلب المستفيدين تحت خط الفقر وإما اختيار الشرائح الأكثر ضعفاً وفقراً فحسب، وإما المحافظة على أعداد المستفيدين مع تخفيض مدة منح المساعدة، وهو ما اختارته منظمة الرعاية الخيرية للأعمال الإنسانية. 

وأضاف أن البحث عن الحلول المستدامة بدل الاستجابة الطارئة المؤقتة بإمكانه توفير مبالغ ضخمة على المانحين وتقديم العون بشكل أفضل للمحتاجين، وكذلك خفض التكاليف لإيصال المساعدات والبحث عن أفكار المشاريع الاقتصادية لتحريك عجلة الاقتصاد وتأمين فرص العمل الكريمة القادرة على تحقيق دخل مناسب لسكان المنطقة.

في أقصى الريف الجنوبي الشرقي لمحافظة إدلب وتحديداً بلدة النيرب التي تبعد عن مدينة ادلب 11 كم، فقد تم توزيع قسائم مالية لعدد من العائلات وحرمان قسم كبير من العائلات، بحسب أحمد النسر مهجر من مدينة سراقب إلى بلدة النيرب. 

أحمد النسر يبلغ من العمر 50 عاماً يسكن في بلدة النيرب بعد تهجيرهم من مدينته سراقب قبل 4 سنوات. تحدث للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير قائلاً: “لقد تم توزيع قسائم مالية لعدد من العائلات المهجرة وحرمت عائلات مهجرة أخرى، مما أدى لحالة من الاستياء بين العائلات بسبب الفقر الشديد والحرمان، إذ أن بلدة النيرب هي الأخرى كانت خط تماس مع قوات النظام السوري سابقاً “. 

بدوره قال علي المحمد من بلدة النيرب البالغ من العمر 30 عاماً متزوج ولديه 4 أولاد ولديه اصابة بتر برجله الأيسر بسبب لغم أرضي بأنه قد تم حرمانه من القسائم المالية دون معرفة سبب الحرمان رغم أنه لا يستطيع العمل. 

مضيفاً: ” بأنه المعيل الوحيد لأسرته ولا يوجد أي مدخول أو مردود مالي يلبي حاجة منزله وقوت أسرته”.

 مدينة عفرين لم يكن حالها أفضل عن مدن شمال غربي سوريا التي ضربها الزلزال

يجلس اسماعيل محمد على ركام منزله المدمر في مدينة عفرين منهكاً من إزالة الحجارة ونقل الأثاث المهدم، نتيجة كارثة الزلزال الذي وقع في السادس من شهر شباط عام ٢٠٢٣ يداه امتزجتا بالغبار وعرق جبينه الذي تصبب من شدة الإرهاق، وبجانبه والدته السبعينية التي اتخذت من جانب المبنى مقعداً لها من الحجارة، والأطفال يأكلون الخبز الذي طوته الأم لتخيل لهم أنه مملوء بالجبن الذي يشتهونه، لم يستطع اسماعيل الخروج من منزله أو حتى الحصول على خيمة تمكنه وعائلته من العيش بعيداً عن فزع عودة الهزات الأرضية الارتدادية. 

وتحدث اسماعيل محمد للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير قائلاً: أن المنظمات الانسانية لم تقم بزيارة منزله ولم تجر أي استبيان متطلباته واحتياجاته، ووصف الوضع بالغياب الكبير للمنظمات الإنسانية التي غضت الطرف عن الأضرار التي لحقت بمنزله، وانصرفت المنظمات لمنطقة جنديرس التي لم يكن حالها أفضل بل لاقت الضرر الأكبر والدمار الذي لحق بالأرواح. 

وفي لقاء خاص مع السيدة يسرى حيدر مديرة مركز منظمة ريلزمي في عفرين التي صرحت للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير لافتةً لسبب عدم التوزيع بشكل عادل، قالت : “كونها كارثة مفاجئة وقعت في ساعات الليل دعى ذلك للاستجابة بشكل فوري دون تخطيط مسبق أو توثيق لعدد العائلات المتضررة، نتيجة لجوء بعضهم لسكن أقاربهم وعدم التواجد في المخيمات أو مراكز الإيواء ما حرمهم من السلل الإغاثية الإنسانية التي قدمت”. 

أما الدكتور عبد الحكيم المصري وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة التي كانت تدير مناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل التابعة لتركيا، تحدث للمركز السوري للإعلام وحرية التعبيرعن ارتفاع نسبة البطالة قائلاً: “لا يوجد إحصائية دقيقة لنسبة البطالة وانعدام توفر فرص عمل، ونفى ما يتم تداوله عن وصول النسبة لما يقارب ٨٠ بالمئة من عدد السكان في عفرين وريفها، منوها بسبب الفقر الذي يعود لانخفاض مستوى الدخل، حيث ذكر أن متوسط الدخل للعائلة الواحدة ٣٠٠٠ ليرة تركية شهريا، بينما الحاجة وسطيا ٧٠٠٠ ليرة تركية شهريا بالحد الأدنى دون أجار المنزل، وذكر أن الحكومة السورية المؤقتة تقوم بافتتاح مشاريع استثمارية لتوفير فرص عمل للشباب وتقديم دخل مناسب للعائلات”.

وبحسب منسق المخيمات في عفرين وريفها الأستاذ  ” جودت خليل “: “أن المخيمات معظمها لا تتلق الدعم ولا يصلها سلل إغاثية حيث بلغ عدد العائلات أكثر من ٨٠ ألف فرد بمعدل ١٢ ألف عائلة تقطن في مراكز الإيواء والمخيمات في قرى ونواحي عفرين وضمن المدينة، من النازحين في مختلف المحافظات السورية  ويعتبر هذا العدد الكبير نسبة عالية قد تقع العائلات أمام أمراض مزمنة خطيرة منها سوء التغذية وما تسببه من آثار جانبية سلبية، لا سيما في ظل انقطاع الدعم وتوقف المشاريع بعد اعتماد الأهالي عليها بشكل كلي”. 

إحصائية عدد المخيمات والعائلات في عفرين وريفها بحسب منسق مخيمات عفرين “جودت خليل”: 

حيث بلغ عدد المخيمات  250

عدد العائلات 23919

عدد الافراد 63867

كما لم يتم تحديد مساحة لتلك المخيمات كونها ذات تواجد كبير و انتشار في مختلف المناطق التابعة للمخيمات و لا توجد أي جهة رسمية حددت المساحة أو تم عمل مسح جغرافي لذلك

آلاف المخيمات تهدد حياة قاطنيها بسبب عدم توفر المياه الصحية. 

لا يقتصر الأمر على عدم توفر مواد غذائية وفقدان متطلبات الأهالي من الطعام بل تزداد تعقيدا في إطار توقف دعم الخيم بمياه الشرب، بعد إيقاف دعم المنظمات لتلك الخيام واعتماد قاطنيها على ذلك الدعم بشكل أساسي، وتتسبب في إصابة عدد من السكان بأمراض خطيرة قد تهدد حياة الكثيرين، وسط مطالبات ومناشدات لإعادة توفير مياه الشرب والمياه التي تستخدم بشكل يومي لا سيما في فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة بشكل كبير  ومن المشاكل الضارة التي يتعرض لها السكان بسبب قلة دعم المنظمات وعدم الكشف عن النفايات، يوجد العديد من الخيم التي باتت معرضة للإصابة بأمراض خطيرة بسبب عدم ترحيل النفايات وبقاء القمامة ومخلفات قمامة الأهالي بالقرب من مكان سكنهم، ناهيك عن تعرضهم لوجود العديد من الحشرات الضارة وانتشار البعوض، خاصة في الصيف. 

وخلال جولة ميدانية في عفرين وريفها لسكان المخيمات في المنطقة، تم مقابلة عدد من الأشخاص حيث أن معظمهم يعانون من نقص حاد في تقديم المساعدات الإنسانية، ويطالبون بتوفير نقاط طبية ومركز طوارئ للحالات الإسعافية ومتابعة علاج المرضى وسط إنعدام توفر أدوية، إضافة إلى مطالبتهم بتقديم مشاريع كاش تمكنهم من العيش الكريم، فيما طالب البعض بتوفير عوازل للخيم وتبحيص الطرقات وتوفير مادة الخبز، وسلل النظافة وإنشاء سكن بديل يقيهم البرد والحرارة في ظروف قاسية، فيما يرى آخرون من السكان ضرورة إنشاء مدارس لتعليم الأطفال حيث تكاد تنعدم المشاريع التعليمية، ما يهدد بانتشار الجهل وأزمة للأجيال. 

وحال أم أحمد لم يكن بأفضله في مخيم عين التل في ريف عفرين الذي شهدت توقف دعم المنظمات لمياه الشرب، ما سبب انتشار القمل وحبوب اللشمانيا، والتهابات في المعدة وأمراض معوية كثيرة بحسب ما وصفت أم أحمد، حيث أكدت على نقل جارتها للنقطة الطبية المجاورة إثر إصابتها بحالة تسمم بعد شربها مياه الساقية القريبة من المخيم والتي باتت البديل الوحيد لسكان المخيم بعد انقطاع المياه المعقمة نتيجة توقف المنظمات عن دعم المخيمات بالمياه .

كما أوضح جاسم الحمد أحد النازحين إلى مدينة جنديرس للمركز السوري للحرية والتعبير حجم الضرر الكبير في الحي الذي يقطن فيه، منوها للأثر النفسي الذي خلفه الزلزال بعد أن نجا وعائلته بأعجوبة قائلاً : “أن تنجو في ليلة مليئة بالذعر والموت فتلك نعمة من الله، موضحاً أنه لا زال يعاني من تأثير سلبي بعد فقدان منزله وبقائه في مركز إيواء ضمن المدينة دون الحصول على مساعدة من قبل المنظمات الإنسانية  العاملة في المنطقة”.

ولادة فرق تطوعية تضاهي عمل المنظمات، وانعدام الدعم المالي

ولدت في فترة الزلزال فرق تطوعية من عدة شابات وشبان أبرزها ( فريق كي لا يمحى الأثر التطوعي، جابر عثرات الكرام التطوعي ). عملت ليلاً نهاراً ووصلت ساعات العمل بالقطاع الإنساني لمساعدة الدفاع المدني في مدينة عفرين وتوفير بيئة مناسبة من خلال إقامة مراكز إيواء، محاولةً تقديم الخدمات التي تتيح للأهالي استعادة الدعم النفسي، ولكن هناك صعوبات وتحديات كبيرة تواجه تلك الفرق، كونها لم تتلقى سوى دعم جزئي من قبل الجهات المانحة، ولم تتوفر لديها القدرة على تأمين مستلزمات الأهالي بشكل كامل . 

وخلال لقاء مع صفاء كامل مديرة فريق كي لا يمحى الأثر التطوعي النسائي صرحت للمركز السوري للحرية والتعبير عن أبرز الصعوبات والمعوقات التي تواجه عملهم خلال فترة الاستجابة الإنسانية لكارثة الزلزال في مدينة عفرين، لافتة أن تلك الصعوبات تتمثل بعدم وجود قاعدة بيانات للعائلات المتضررة أو جهة تعتمد عليها الفرق في الإحصائيات نظراً لتواجد الأهالي في أماكن توزع عشوائية في مراكز الإيواء وضمن نقاط المساجد والملاعب.  

وتابعت : “لم تتمكن فرقنا من الوصول إلى بعض العائلات وسط التفاوت بحجم الاستجابة بين المخيمات والمناطق المتضررة، وعدم التنظيم، والاعتماد على الإمكانيات المتاحة وسط ضعف المواد المقدمة”.   

واستأنفت صفاء حديثها قائلة : “استطعنا فيما بعد توزيع المهام للتخفيف من الآثار السلبية بدراسة احتياج المخيمات وتأمين مكان آمن في الخيم ومراكز الإيواء وتوزيع وجبات غذائية إضافة لألبسة للحوامل والأطفال وسلل غذائية ومادة الخبز ومياه الشرب والاستخدام اليومي كما تم توفير حليب أطفال وفوط  للأطفال والمعاقين وتأمين مواد تدفئة من حطب ومازوت وفرش وخيم”.

فيما لفت أسامة المصري منسق فريق جابر عثرات الكرام التطوعي في لقاء خاص مع المركز السوري للإعلام وحرية التعبير إلى وضع دعم المنظمات أن الجهات المانحة الدولية لم تتغير سياسة دعمها لا قبل الزلزال ولا بعده، بقي الدعم كما هو، بل تم تقليل الميزانية المقدمة للمنظمات في كثير من القطاعات في الشهور القليلة الأخيرة، خلال فترة الزلزال زاد الدعم المقدم للفرق التطوعية بجهود شخصية من رجال أعمال وتجار ومؤثرين وعلماء دين، أما جهود دولية وأمم متحدة فكان دعمها وما زال خجولاً جداً مقارنة مع حجم المأساة الكبيرة التي لحقت بجميع قطاعات الشمال السوري نتيجة الحروب والزلازل والفقر ..

وأوضح أسامة المصري قائلاً : “أن الخطأ الكبير الذي تقع فيه كثير من المنظمات خلال تقديم الخدمات الإغاثية أنها لا تراعي منهجية العدل في التوزيع، إنما منهجية المساواة، بحيث أنه يستوي في الاستفادة من الخدمات الإغاثية الغني والفقير على حد سواء، المحتاج وغير المحتاج، الذي دخله ألف دولار شهريا والذي دخله لا يتجاوز سبعين دولار شهريا ، ورأى أن المنهجية العادلة في التوزيع، تقتضي دراسة أحوال وحاجيات الأسر الفقيرة واستبعاد الأسر غير المحتاجة، والعمل على محاولة إغناء الفقير لا إكفاؤه، ودعم فكرة المشاريع الصغيرة حتى لا يبقى الفقير فقيراً مدى الحياة، وينتظر المنظمة الإغاثية لتعطيه سلة غذائية”.

رُبا قشطة مديرة مشروع واثقون أوضحت لنا في لقاء خاص للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير: لافتةً لحجم المساعدات الإنسانية التي تقدم لمستحقيها في عفرين وريفها بعد كارثة الزلزال، أنها لا تزال قليلة بالمقارنة مع حجم الكارثة، خاصةً أن المجتمع السوري يعيش حرب منذ أكثر من 13 عاماً وزادت كارثة الزلزال من سوء الوضع، من تدمير للبنية التحتية ونزوح جديد للعائلات السورية وفقدان مصادر الرزق.

 وأضافت: ما زاد الوضع  صعوبة الطبيعة الجغرافية في مناطق عفرين التي تتميز بالتضاريس الصعبة ما أثر على عملية تقديم المساعدات .

ولفتت قشطة إلى أن المنظمات الإنسانية قامت بمجهود جيد في الاستجابة لكارثة الزلزال من توفير أغذية وأدوية وغيرها، ولكن هذه المساعدات ليست كافية وتأخر تقديمها بسبب نقص التنسيق أو مشكلات لوجستية بالإضافة للقيود السياسية لآلية إدخال المساعدات عبر الحدود.

ونوهت لما بعد زلزال شباط 2023، انطلقت مبادرة إنسانية نسائية عبر الشبكات التي قامت منظمة مارس إنشائها وتأسيسها  في المناطق المتضررة لتقديم الدعم للأسر الأكثر تضرراً، خاصة النساء الحوامل والمرضعات، بالإضافة إلى الأمهات اللاتي لديهن أطفال دون سن الثالثة، بدأت المبادرة بجمع التبرعات لتوفير السلع الأساسية وتقديم المساعدات العاجلة، وسرعان ما تطورت لتشمل تقديم دعم نقدي مباشر للأسر المحتاجة.

لاحقًا، توسع العمل بدعم من منظمة مارس ليشمل تأهيل المنازل المتضررة بشكل رئيسي في منطقتي جنديرس وجسر الشغور. 

هذا المشروع جسّد جهوداً نسائية ملهمة، وحقق أثراً كبيراً في تحسين ظروف الحياة للأسر المتضررة، مع التركيز على الفئات الأكثر ضعفاً في مواجهة آثار الكارثة.

وحول المطالب لتغطية كافة احتياجات الأهالي من مواد غذائية ومساعدات إنسانية لمنظمة مارس أوضحت ربا قشطة لضرورة أن يتم الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الوضع السوري، والأزمات المتتالية التي يعيشها من حوالي 13 عاماً، مطالبةً بتنفيذ مشاريع مولدة للدخل بالدرجة الأولى تحقق استقلال الأسرة المادي ولا تبقي المواطن السوري في حالة انتظار المساعدات التي  تتناقص تدريجياً عاماً بعد عام نتيجة انخفاض التمويل، حيث يجب أن يتم تخطيط المشاريع بحيث تحقق تنمية اقتصادية مستدامة على حد وصفها.

يُذكر أن عشرات المنظمات الإنسانية المحلية والدولية العاملة في مناطق شمال غرب سوريا أوقفت عشرات المشاريع التابعة للأمم المتحدة، وخاصة التابعة لبرنامج الغذاء العالمي، مما تسبب بفقدان مئات العائلات للمدخول الوحيد للمعيشة وارتفاع مستوى البطالة لديهم.

هذا التحقيق جزء من مشروع ينفذه المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ونُشر في مجلة صور بتاريخ 26 شباط / فبراير 2025 وبإشراف الدكتورة منى عبد المقصود

تم إعداد هذا التحقيق وإنجازه قبل سقوط نظام السوري