قصة عائلتي ليست استثناءً من قصص آلاف العائلات السورية التي علّقت أحلامها على قوارب صغيرة متعبة تشق أمواج البحر نحو أوروبا.
بعد سنوات من النزوح والانتظار، تمكن والدي أخيراً من الوصول إلى السويد، وبدأ فوراً بإجراءات (لمّ الشمل). كنا نرى في ذلك بداية الخلاص من حياةٍ مؤقتةٍ في المجهول. كل شيء بدا طبيعياً… إلى أن حان موعد المقابلة في السفارة السويدية بإسطنبول.
هناك اكتشفنا أن طلب لمّ الشمل أُرسل بالخطأ باسم والدتي فقط، دون أن يشمل أخي إبراهيم
رفضت والدتي أن تغادر بدونه. قالت ببساطة: “إما نذهب معاً، أو نبقى معاً”
كان إبراهيم يعاني من مشكلات صحية منذ ولادته — نوبات اختلاج أحياناً، و إعاقة حركية في قدمه ويده اليسرى — وكان من الصعب أن يعتمد على نفسه في رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر. لذلك، لم يكن قرار والدتي بالبقاء معه عاطفياً فقط، بل إنسانياً جداً مراعاةً لظروفه.
لكن الانتظار كان يطول بلا أفق، فقررا سلوك طريق البحر نحو اليونان، علّهما يجدان هناك حياةً تُكمل ما بدأه أبي في السويد.
في 5 كانون الأول/ديسمبر 2015، غادرت والدتي مع إبراهيم إلى أزمير، عبر وسيطٍ على صلة بمهرب. كنت أتواصل مع إبراهيم خلال الرحلة، صوته كان مليئًا بالأمل والخوف في آنٍ واحد.
قال لي آخر مرة:
“شايف الجزيرة قدامنا”
وبعد دقائق… انقطع الاتصال
قلبت موجة قوية القارب الذي كانا فيه
لم يكن هناك أي قارب إنقاذ لنجدتهم
تمسكت والدتي بدولاب مطاطي، وسبحت حتى وصلت إلى الجزيرة يرافقها شاب عراقي تمسك بها طوال الطريق
أما إبراهيم… لم يظهر أبداً
في اليوم التالي علمت بخبر غرق القارب، وكان اسم إبراهيم بين المفقودين.
مرت السنوات، وما زلت لا أصدق أنه رحل. أحياناً أتخيله عالقاً هناك، بين الموج والسماء، ينتظرنا كي نكمل الرحلة معاً
إبراهيم ليس مجرد رقم في قوائم المفقودين
إنه أخي الذي تشاركت معه طفولةً مليئة بالأحلام….أخي الذي كنت أستند إليه حين يضيق بي العالم
كبرنا معاً، لكن البحر اختطفه قبل أن يلتم شملنا
رحل إبراهيم… وبقي البحر شاهداً على رحلةٍ لم تكتمل
هذه القصة حقيقية ومبنية على شهادة موثّقة من قبل “مشروع توثيق الانتهاكات” في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير.
هذا النشاط يأتي في إطار مشروع “دعم عائلات السوريين المفقودين على طرق الهجرة في حقهم في معرفة الحقيقة” المموّل من مؤسسة الأصفري.




