يجب على اتحاد الصحفيين في سوريا أن لا يتواطأ مع الحكومة على ضرب قيم مهنة الصحافة

احتفل الصحفيون في سوريا في اليومين الماضيين بذكرى مرور 16 عام على إنشاء اتحاد الصحفيين السوريين و الذي جاء على أنقاض نقابة العاملين في الصحافة و التي حولت إلى (اتحاد) في عام 1974 بقي حبرا على ورق إلى عام 1990 حيث صدر قانون اتحاد الصحافيين رقم 1 تاريخ 141 1990و الذي تمكن بعد صدوره الصحفيون من عقد المؤتمر التأسيسي الأول لاتحاد الصحفيين في العام 1991 و بهذه المناسبة يتقدم المركز السوري للإعلام و حرية التعبير بتهنئة جميع الزملاء في الاتحاد و يجدد مطالبته المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين – (الذين انتخبهم زملاؤهم على أمل إحداث تغيير نوعي في الاتحاد الذي بقي لأكثر من ثلاثة عقود أشبه ما يكون “بمسرح الممثل الوحيد”) – ضرورة المسارعة إلى انجاز تعديل قانون الاتحاد رقم 1 لعام 1990 الذي افرغ الاتحاد من دوره النقابي و حوله إلى مؤسسة حكومية بيروقراطية تمارس كل شيء إلا الدفاع عن الصحفيين و عن قيم مهنة الصحافة لكونه ينطوي على :
1- “تبعية تامة” في الأهداف و الصلاحيات للحزب الحاكم:
عادة ما تسعى السلطة التنفيذية للسيطرة على النقابات المهنية و ذلك من خلال قوانين الإعلام و المطبوعات و وزارة الإعلام و التعليمات الإدارية إلا أنه دائما تقف النقابات المستقلة من خلال تنظيمها النقابي و قوانين مزاولة المهنة في وجه السلطة التنفيذية و تجابه هذه المحاولات ضمانا لاستقلال مهنة الصحافة و من اجل الدفاع عن حقوق الصحفيين إلا انه في سوريا تم تشكيل النقابات المهنية بشكل تكون فيه منظمات رديفة للحزب الحاكم وعليه يعد قانون اتحاد الصحفيين السوريين واحدا من أكثر القوانين في العالم التي تكرس تبعية نقابة الصحافيين إلى الحزب الحاكم و إلى الحكومة بحيث يحولها من نقابة مهنية مستقلة إلى جهاز إداري توجيهي تعبوي فقد جاء تعريف اتحاد الصحفيين في المادة 3 من القانون ليؤكد ذلك حيث نص على أن ” اتحاد الصحفيين تنظيم نقابي مهني يؤمن بأهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية و الاشتراكية ملتزم بالعمل على تحقيقها وفق مقررات حزب البعث العربي الاشتراكي و توجيهاته “. حتى جاءت أهداف الاتحاد متطابقة مع أهداف الحزب الحاكم في الوحدة و الحرية و الاشتراكية و اشترط على الصحفي كي يكون عضوا في الاتحاد أن “يؤمن” بهذه الأهداف تحديدا وقد ألزم الاتحاد نفسه في المادة الرابعة على العمل بالتعاون مع الجهات الرسمية و الشعبية و المهنية على تحقيق هذه الأهداف ” بناء إعلام عربي قومي واع يعزز روابط الأخوة بين أبناء الأمة العربية و يساهم في الكفاح من أجل تحقيق أهدافها في الوحدة و الحرية و الاشتراكية . ويدعم نضالها في مواجهة الامبريالية و الصهيونية وقاعدتها العنصرية (الكيان الصهيوني) في فلسطين المحتلة وفضح جميع القوى المتعاملة معها.”(مادة 41).
وجاء في صلاحيات الاتحاد عقد الاجتماعات و إقامة المؤتمرات والندوات والمهرجانات والمحاضرات …. وهي أمور عادية وتكاد تكون روتينية في جميع النقابات إلا أن الأمر الغير عادي هو ما تطلبه المادة 5 في فقرتها 5 كشرط لإقامة هذه الفعاليات حيث اشترطت أن تكون هذه النشاطات ” بالتنسيق مع المكتب المختص في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي “. بما يوحي أن أي نشاط أو فعالية للاتحاد يجب أن تتم بالتنسيق مع القيادة القطرية لحزب البعث حتى لو كانت ندوة عن ( دور الإعلام في التوعية من أخطار فأر الحقل).
وجاءت المادة 2 من القانون لتحرم الصحافيين من إمكانية إنشاء اتحادات مستقلة متعددة أخرى بحيث نصت على أن “يؤلف الصحافيون في الجمهورية العربية السورية تنظيما نقابيا مهنيا واحدا يسمى اتحاد الصحفيين …. ” ويبدو أن واضعي القانون وقعوا في حيرة تتعلق بجعل هذا الاتحاد يشبه بشكل من الأشكال النقابة المهنية إلا أنهم وجدوا الحل في وضع كلمة نقيب في متن مواد قانون اتحاد الصحفيين إلا أنهم لم يغفلوا عن التذكير بأن المقصود بالنقيب هو رئيس الاتحاد(المادة 1) ومن المفارقة أيضا أنهم في نفس المادة اخرجوا من تعريف الصحفي كل من (رئيس التحرير، نائب رئيس التحرير، مدير التحرير، معاون مدير التحرير، سكرتير التحرير، المحرر، المندوب الصحفي) إلا أنهم ما لبثوا أن انتبهوا لذلك بعد قرابة 16 سنة فاعترفوا بهم كصحفيين بناء على كتاب اتحاد الصحفيين رقم (477 تاريخ 11-12-2005) ولكنهم بنفس الوقت أصروا على اعتبار “المخبر” صحفيا إلى يومنا هذا.
2- “تمييز و تحكم” في العضوية و التسجيل ومزاولة المهنة:
أعطت المادة 10(ج) من النظام الداخلي لاتحاد الصحفيين الحق للعاملين في أي وسيلة إعلامية تابعة لحزب البعث العربي الاشتراكي أو المنظمات الشعبية الحق في التسجيل بجدول الصحفيين المشاركين بينما منعته عن باقي الأحزاب السياسية حتى المتحالف منها مع حزب البعث في الجبهة الوطنية التقدمية كما منعته عن العاملين في المنظمات المستقلة .
تنص المواد 6 و18 ضمن شروط العضوية في الاتحاد و شروط مزاولة المهنة أن يكون الصحفي عربيا سوريا أو من في حكمهم من اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948. كما تنص المادة 4 من النظام الداخلي على أن “الوسيلة الأساسية لنشاط الاتحاد وفعاليته هي: الصحفي العربي الملتزم…الخ”
مما يوحي بأن أفراد الأقليات القومية السورية _ وان كان واقع الحال مخالفا لذلك _ إلا أن هذه المواد تشكل انتهاكا حتى وان كان (لفظيا) لحقوق الأقليات القومية السورية وفقا للمادة 2(1) من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” فحسب، وإنما أيضاً المادة 26 من هذا العهد، التي ترسي حق الناس جميعاً في التمتع بالحماية أمام القانون على قدم المساواة.
تنص المادة 6(3)(6) على عدم قبول عضوية من كان محكوم بجناية أو من كان معزول أو مطرود من وظائف الدولة أو إحدى جهات القطاع العام أو غير مسرح من إحدى هذه الجهات لسبب ماس بأمن الدولة أو شرف الوظيفة ومثل هذا الوضع قد يشمل المئات، بل ربما الآلاف، من الناشطين السياسيين السلميين في سورية، الذين زج بهم في السجون، لفترات طويلة في كثير من الحالات، بعد أن أدانتهم محكمة أمن الدولة بتهم جنائية مبهمة الصياغة؛ وهي محكمة غير دستورية تقصر إجراءاتها وممارساتها عن الوفاء بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، ولا يجوز الطعن في أحكامها أمام محكمة أعلى درجة. وقد درجت هذه المحكمة، عند إصدار أحكامها على النشطاء السياسيين، على فرض عقوبة قانونية إضافية عليهم، وهي تجريدهم من حقوقهم المدنية لمدة سبع أو عشر سنوات، بعد انقضاء مدة عقوبة السجن المفروضة عليهم. بالإضافة إلى العديد أيضا ممن عزلوا أو طردوا من وظائفهم لنفس الأسباب وتطبيق المادة 6(3)(6) من شأنه أن يخرج هذه الشريحة الواسعة من حق الانتساب إلى اتحاد الصحفيين مع العلم أن الكثير منهم يزاول مهنة الصحافة فعليا.
كما تنص المادة 6(7) على عدم قبول انتساب الأشخاص المعينين لدى الجهات العامة بمهنة أو عمل لا علاقة لهما بالصحافة وهذه المادة أيضا تخرج شريحة واسعة من الصحفيين الفعلين الذين يعملون بمهن أخرى لدى جهات عمومية فعلى سبيل المثال لا يستطيع المدرس أو المهندس بينما يستطيع المدرس أو المهندس الذي يعمل في القطاع الخاص أن ينتسب إلى الاتحاد وان اعتماد مبدأ العمل لدى جهة عامة ينطوي على تمييز غير مفهوم. تحرم المادة 6(5) الصحفي الذي تجاوز 45 عام عند تسجيله في الاتحاد من التمتع بحقوق التقاعد وفق قانون تقاعد الصحفيين وذلك لاعتبارات مالية _على الأغلب_ تتعلق بمدى إسهامه في دفع اشتراكات في صندوق التقاعد إلا أن قانون صندوق التقاعد ينص على حق الصحفي في طلب التقاعد في حال تجاوزت مدة عمله في الصحافة و عضويته في الاتحاد 20 عام وعلى هذا الأساس لا نجد ما يمنع الصحفي الذي تجاوز 45 من التمتع بحقوق التقاعد على أساس مدة الخدمة وليس على أساس العمر عند التسجيل.
على الرغم من قبول القانون في المادة 8 منه مبدأ اللجوء إلى القضاء في حال رفض طلب التسجيل إلا انه عاد في المادة 12 وسلب هذا الحق للمتمرن الذي أمضى فترة التمرين _التي تصل في بعض الأحيان إلى أربع سنوات_ واجتاز اختبار التمرين بنجاح هذا الحق في حال طلب تثبيت عضويته حيث أعطت الفقرة (ب) من المادة 12 حق رفض طلبه هذا بقرار مبرم من مكتب الاتحاد دون أن يكون له أي حقوق في الاعتراض على هذا القرار مما يجعل مكتب الاتحاد يتحكم بشكل مطلق في اختيار الأعضاء العاملين فيه والذي يعود لهم وحدهم حق المشاركة في الجمعية العمومية وحق الترشيح والانتخاب.
هذا بالإضافة إلى أن المادة 10 قد اشترطت قبول المكتب بالجهة الصحفية التي يختارها المتمرن للتمرن فيها وأيضا دون الحق في الاعتراض أو المراجعة.
تشترط المادة 18 لمزاولة مهنة الصحافة أن يكون الصحفي مسجل في احد جداول الاتحاد أي أن يكون صحفيا عاملا أو متمرنا أو مشتركا وبالتالي لا يحق لمن ليس مسجل في احد جداول الاتحاد مزاولة مهنة الصحافة.
3- حرمان الصحفيين العاملين في القطاع الخاص من عضوية الاتحاد الكاملة بحسب المرسوم التشريعي رقم (58) لعام 1974:
عندما انشئ اتحاد الصحفيين لم يكن هناك صحافة خاصة في سورية فجاء هذا المرسوم ليحصر حق الانتساب إلى الاتحاد بالصحفيين العاملين في بعض مؤسسات الدولة فقط وما يزال العمل بهذا المعيار قائما إلى يومنا هذا على الرغم من وجود عشرات الصحف الخاصة تضم ربما مئات من الصحفيين الذين لا يستطيعون الانضمام إلى هذا الاتحاد كأعضاء عاملين وليس لهم الحق بتشكيل نقابات خاصة مستقلة. في الوقت الذي يعترف فيه أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين السورين بوجود 360 عضو عامل في الاتحاد يحق لهم ممارسة كافة الحقوق في الترشيح والانتخاب وعضوية الهيئات واللجان الصحفية والاستفادة من جميع الامتيازات “تقاعد، علاج، معونة وفاة….” وهم ليسوا صحفيين ولم يمارسوا مهنة الصحافة في أي يوم من الأيام.
4- صلاحيات تعطيلية لرئيس الاتحاد:
يعطي القانون رئيس الاتحاد صلاحيات _تعطيلية_ واسعة لرئيس الاتحاد تجعله قادرا على تعطيل قرارات المؤتمر العام وقرارات مجلس الاتحاد ومكتب الاتحاد وكذلك تعطيل الانتخابات عن طريق الامتناع عن إصدار هذه القرارات أو الدعوة إلى الاجتماعات دون أن يبين طريقة التصرف في حال استخدام رئيس الاتحاد هذه الصلاحيات:
المادة 21( ب) : يصدر النقيب قرارات المؤتمر ويتابع تنفيذها من خلال المجلس والمكتب . المادة 22( آ ) : يجتمع المؤتمر بدعوة من النقيب . المادة 26( ب) : يصدر النقيب قرارات المجلس ويتابع تنفيذها من خلال المكتب . المادة 27( آ ) : يجتمع المجلس بدعوة من النقيب . المادة 34( آ ) : يدعو النقيب المكتب للاجتماعات ويرأسها . المادة 41 : يدعو النقيب الوحدات الصحفية في كل فرع لانتخاب ممثليها إلى المؤتمر العام في المواعيد التي يحددها المكتب.
المادة 44 ( آ ) : يدعو النقيب المؤتمر العام إلى الانعقاد….الخ
المادة 45: يدعو النقيب أعضاء مجلس الاتحاد للاجتماع …. الخ
5- تدخل مفرط للسلطة التنفيذية:
يفتح القانون الباب لتدخل كل من وزير الإعلام ورئيس مجلس الوزراء ويعطيهم صلاحيات استثنائية تصل إلى حد حل اتحاد الصحافيين فبالإضافة إلى اعتبار تنظيم وتسجيل المراسلين الصحفيين هو حق من حقوق وزير الإعلام وحده دون الاتحاد، فان وزير الإعلام أيضا هو من يؤلف بقرار منه مجلس التأديب حسب المادة 57 الذي يختص بفرض العقوبات الشديدة على الصحفيين والتي تصل إلى الشطب النهائي من جداول الاتحاد بحسب المادة 54 (ب) . كما أعطى القانون لوزير الإعلام حق ندب عدد من العاملين في المؤسسات الإعلامية للعمل في الاتحاد بحسب المادة 74 أعطى القانون المكتب التنفيذي الحق في اقتراح تفرغ اثنين من أعضائه على الأكثر للعمل في الاتحاد و حقيقة الأمر أن المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين المنتخب لا يملك سوى الاقتراح و بالمقابل فان وزير الإعلام هو من يتحكم وحده بقبول اقتراح التفرغ و بإصدار قرار التفرغ . كما أن وزير الإعلام هو من يصدر و يصادق على اللوائح التنفيذية لقانون الاتحاد مثل النظام الداخلي للاتحاد و النظام المالي والنظام الداخلي لصندوق تقاعد الصحفيين و ….
تشكل عادة الهبات و التبرعات و الوصايا المصدر الرئيسي لاتحاد الصحافيين و التي من الممكن أن تعطيه إمكانية لتطوير عمل الصحافيين و زيادة مكتسباتهم و على الرغم من سماح القانون للاتحاد من قبول هذا النوع الحيوي من الموارد إلا انه اشترط موافقة رئيس مجلس الوزراء عليها بحسب المادة 65 (5).
6- إمكانية حل المؤتمر العام والمجلس و المكتب ومكاتب الفروع المنتخبون :
تعتبر استقلالية الهيئات النقابية و حصانة هيئاتها المنتخبة من تدخل وسيطرة السلطة التنفيذية الضمانة الأساسية _والتي تكفلها عادة الدساتير والقوانين الوطنية والمعاهدات الدولية_ لحرية هذه النقابات وإحدى أهم المعايير الدولية لمدى تطور المجتمع المدني ولمدى ديمقراطية أنظمة الحكم وقد جاء الفصل الثاني من الباب الثالث من النظام الداخلي لاتحاد الصحفيين ليشكل صفعة لكل تلك القيم الحضارية والديمقراطية حيث أعطت المادة 103 الحق لمجلس الوزراء حل كل أو أي هيئة من هيئات الاتحاد المنتخبة: “يجوز بقرار من مجلس الوزراء حل المؤتمر العام أو مجلس الاتحاد أو مكتبه في حالة انحراف أي منها عن مهامها وأهدافها ويكون القرار غير قابل لي طريق من طرق المراجعة أو الطعن.” وجاءت المادة 104 لتعطي رئيس مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الاتحاد في الدعوة لانتخاب مجلس ومكتب جديدين وان تعذر ذلك يستطيع رئيس مجلس الوزراء أن يحل محل المؤتمر العام للصحفيين ومحل مجلس الاتحاد ويعين مكتب مؤقت للاتحاد يمارس اختصاصات المكتب والمجلس.

المركز السوري للإعلام و حرية التعبير
المكتب الصحفي
13/8/2007