بقلم نيكول مرتينللي
علّق كثيرون على الأحداث الأخيرة التي بدأت في تونس وإنتشرت منها الى مصر، أنها في الاساس إستندت على شباب الإنترنت أو الفيسبوك، ولكن لم يقم أحد بدرس معمّق لهذا الإعلام الإجتماعي بكافة اشكاله وكيفية إستخدام العالم العربي لهذا النوع من وسائل التواصل التي باتت موضع إهتمام العالم بأسره هذه الايام.
وفي بحث عن فهم أكبر لما يجري حالياً، قامت الزميلة نيكول مرتينللي، محررة القسم الإنكليزي في شبكة الصحفيين الدوليين بإجراء حوار مع جيفري غنّام، وهو مستشار إعلامي دولي ومحام متخصص في قانون الإعلام وحرية التعبير.
تحت عنوان : "الإعلام الإجتماعي في العالم العربي : يؤدي الى ثورات2011" قام غنّام مؤخراً، وهو أيضاً صحفي متمرّس، ذات خبرة واسعة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريق، بإعداد تقرير من 44 صفحة لمركز "الصندوق الوطني للديمقراطية” المتخصص في مساعدة الإعلام العالمي، في واشنطن دي.سي.
IJNet: يظهر بحثك أن 17 مليون عربي يستخدمون الفيسبوك. ما الذي يجذبهم برأيك لهذه المواقع لتشبيك العلاقات الإجتماعية؟
جيفري غنّام: بحثي مستمر وأعتقد أن هذه النسبة ربما إرتفعت الآن. إحدى المصادر تقول أن العدد يصل حالياً الى أكثر من 20 مليون. فالأوضاع حالياً في تطور مستمر، وخاصة في مجال الاعلام الإجتماعي، نحن فعلاً نشهد بذوغ فجر الإعلام الإجتماعي والعصر الرقمي في العالم العربي.
قال لي مدرِبون في مجال التطوير الإعلامي في المنطقة، وليس تحديداً في مصر ولكن في الضفة الغربية، أن الناس هناك يستخدمون فيسبوك كمدونة صغيرة. فهو سهل الإستخدام لكثير من الناس. عوض إنشاء مدونة شخصية والعمل على تجديد محتواها بإستمرار.
في مكان مثل الأراضي الفلسطينية، يؤمن فيسبوك منبراً شخصياً للتواصل مع الآخرين، من خلال كتابة جملة واحدة وإثنتين. فالتدوين المقتضب هذا يتناسب وحياة الناس ومواعيدها، شبكة معارفهم وطبيعة حياتهم الصعبة تحت الإحتلال. فإن تخليت عن تجديد جملك على فيسبوك على مدى أسبوع، لا أحد يتنبه لذلك، البعض القليل سينتبه. ولكن إن كان لديك مدونة خاصة عليك بتجديد محتواها بمواد طازجة بإستمرار وصيانتها وعليك بتخصيص الوقت لذلك وكذلك المحافظة على رغبتك في تجديد المحتوى للمحافظة على جمهورك كما جذب القراء الجدد اليه.
منبر تويتر مختلف تماماً عن منبر فيسبوك. يظهر تويتر على أنه أكثر آنية، أسهل ومرتبط اكثر بالأحداث المتغيرة سريعاً، كالتي جرت في تونس ومصر في الأسبوعين الماضيين.
محتوى فيسبوك من جهة أخرى محصور بالاشخاص الذين ينتمون الى مجموعات أو لديهم إمكانية الوصول الى بعض الصفحات. في تونس يجمع الناشطون فالمحتوى على فيسبوك، ومن ثم يعيدوا بثّه على تويتر لإنتشار أوسع.
IJNet: هل تنصح إذن المراسلين في المنطقة العربية بإستخدام الإعلام الإجتماعي لجمع معلوماتهم ولإيجاد مصادرهم الإخبارية؟
جيفري غنّام: بالتأكيد. أعتقد أن فيسبوك وتويتر هما كالإخبارية التي تصل للصحفي عبر الهاتف، لتعلمه بأن : "هذا موضوع يستحق المتابعة". وفي الوقت عينه أجد أن تحديثات تويتر وفيسبوك يمكن أن تكونا ذات قيمة إخبارية. فالتحديث كخبرية ذكرها أمامك شخص ما في الشارع أو كأخرى أرسلها اليك أحدهم عبر الفاكس أو البريد الإلكتروني وهي مليئة بالمعلومات.
كل ذلك جزء من التركيبة. ولا أعتقد أنه بإمكانك الإعتماد على فيسبوك وتوتير وحدهما، هما غير كافيين، ولكنهما بالتأكيد مصدر للأخبار والمعلومات المتجددة التي يجب ملاحقتها.
IJNet: تشير في دراستك أن بعض الحكومات تراقب الناس على فيسبوك. فإن حاولت أن تتصل بالشخصيات التي تود التواصل معها عندها كيف ستتمكن من إقناعهم بأنك شخص جدير بالثقة؟
جيفري غنّام: هذا سؤال جيد. لقد تابعت مناقشة البارحة(7 شباط/فبراير)، في المركز الوطني للديمقراطيةـ حيث تحدّث ناشط سياسي عبر الإعلام الإجتماعي، حول المعلومات الخاطئة التي تبثها الحكومات عبر إنشاء صفحات على فيسبوك أو المدونات المحضة أومدونات تويتر. أعتقد أن المشكلة بالنسبة للصحفيين كانت وستبقى هي عينها الأ وهي: بناء هذه الثقة بينهم وبين مصادر معلوماتهم.
وللأسف ليس بإمكانك بناء هذا الرابط عبر توتير أو فيسبوك. فمن الصعب عليك إنشاء هذا الرابط من الثقة في هذا العالم الخيالي. من غير السهل كتابة تقرير بهذه الطريقة وبالإستناد فقط على الإعلام الإجتماعي، الا إن كنت قد سبق لك وبنيت هذه العلاقة.
IJNet: نجد أن الإعلام الإجتماعي يقدّم لنا معلومات بشكل أسرع ولكن يتطلب منا الأمر أحياناً الكثير من الوقت للتحقق من المعلومات وملاحقتها. ما تعقيبك على ذلك؟
جيفري غنّام: بالتأكيد هذا أمر يستدعي وقتاً طويلاً كما هي الحال بالنسبة للصحافة الجيدة. إن الصحافة الجيدة تتطلب الثقة بالمصادر، التي يستند اليها الصحفيون للحصول على معلوماتهم الدقيقة. في الوقت عينه تعتمد المصادر على الصحفيين في أن يكونوا صادقين، أوفياء بكلمتهم، كالمحافظة على عدم ذكر أسماء المصادر وحمايتها، وتقديم الموضوع بشكل صحيح من المرة الأولى، والعمل لصالح الشأن العام.
IJNet: ما الدور الذي يلعبه الإعلام الإجتماعي في الأماكن التي تشهد إضطرابات مستمرة؟
جيفري غنّام: إستحق الإعلام الإجتماعي في مصر وتونس مكانته. فهو ليس بهواية. وسيستمر بلعب دوره كمصدر للاخبار والمعلومات ومنبر محرك لبعض المجموعات. ليس بإمكاننا التنبؤ بالمستقبل، ولكني أتفق مع ما تمّ نقله من قبل كثيرين وهو: أن عامل الخوف تمّ التغلّب عليه في أماكن كمصر وتونس. في البلدين، أي قبل الإنقلاب في تونس والتحركات والمظاهرات في مصر..
هذا لا يعني أن الناس لم يعد لديها شيء تخاف منه. بل بالعكس، هناك مخاطر جدّية تتربص بالمدونين والمواطنيين الصحفيين، وآخرين ممن ينشطون على الإنترنت. وهذه المخاطر يجب أن تؤخذ على محمل الجد.
لا يزال عصر الرقمي في العالم العربي في بداياته، ولكن الإعلام الإجتماعي إستحق مكانته كمصدر للأخبار والمعلومات. هل هو مصدر موثوق به دائماً؟ لا. الناس لديهم من الحكمة ما يكفي ليرتابوا بما يجدوه على الإنترنت.
قال لي ناشط تونسي أن التونسيين باتوا يسألون بشكل متزايد وأكثر من أي وقت مضى عن الوثائق والمعلومات عبر الإنترنت. فإن قال أحدهم شيئاً ما عليه بتأمين مصدر خبره. أما إن شهدوا ذلك بأنفسهم، فعليهم بذكر ذلك وبشكل واضح.
بات الناس أكثر تطلباً للمستندات والبراهين ليصدقوا الكمّ الهائل من المعلومات التي تصلهم عبر هذه المنابر. وهذه خطوة إيجابية في إتجاه تصاعد الحذر والمسؤولية على الذين يأخذون على عاتقهم مهمّة تأمين الأخبار أو المعلومات أو حتى الرأي ونشرها. كأي مزود بالأخبار أو المعلومات الجيدة، عليهم أن يؤمنوا أيضاً الإذن لدعم ما ينشروه أو يكتبون عنه.
IJNet: في بلدان حيث هناك وجود طاغ ٍ للإعلام الرسمي المموّل إما من الدولة أو الأحزاب المسيطرة، هل ينجذب الناس الى الإعلام الإجتماعي لكونها مصدر للمعلومات المستقلّة؟
جيفري غنّام: بالتأكيد، أعتقد أن الإعلام الإجتماعي ويوتيوب والمدونات الصغيرة والفيديو والوسائل الأخرى، مكّنت الأفراد والمجموعات من وضع أجنداتهم الخاصة. بإمكانهم أن يقولوا مثلاً :هذه خبرتنا في يوم معين، هذا ما جرى. وهذا لم يكن متاحاً في العالم العربي. وعلى نطاق أوسع لا يزال ذلك غير متاح في أماكن أخرى في المنطقة العربية.
لكن قدرة الافراد على إيصال وجهات نظرهم الشخصية، في الوقت الذي يريدونه وبالشكل الذي يجدونه مناسباً؛ لا يزال أمراً غير مسبوق وبارز في تغيير الأوضاع الراهنة.
IJNet: هل تعتقد أن العالم العربي متجه نحو إستثمار أكبر في الإعلام الإجتماعي عوض العلاقات الإجتماعية؟ والى أي مدى تجد ذلك صحياً؟
جيفري غنّام: من خلال فهمي للعالم العربي، لا أعتقد أن العلاقات الإجتماعية الحقيقية معرّضة للتراجع. هذه ثقافة إجتماعية، يستمتع فيها الناس في لقاء آخرين، والتحدث اليهم والتعبيرعن أنفسهم.
أتحدث من منظور مشرقي وشرق أوسطي ويشمل ذلك ايضاً بلدان شمال أفريقيا والخليج، لدى الناس هناك حاجة بأن يكونوا مع آخرين والتحدث اليهم وجهاً لوجه. فلا أعتقد أن منابر الإعلام الإجتماعي ستحلّ مكان هذه الحاجة الى التلاقي. ولكن ذلك لا يعني ايضاً أنه لا وجود لأفراد يمضون معظم أوقاتهم ولساعات طويلة مسمرين أمام فيسبوك وتوتير لتحديث تدوينهم. بالطبع هناك العديد منهم، ويمكن القول أن بعض العلاقات عانت نتيجة الوقت الذي يمضيه الآخرون على الإنترنت. ولكن كل ذلك خيار شخصي.
لا أعتقد أن النشاط على الإنترنت سيحلّ مكان الحاجة للتواصل مع الشخص الآخر ، وفي الوقت عينه لا يجب نكران انعكاساتها على العلاقات الشخصية.