في الذكرى الرابعة والعشرون لاغتياله: ناجي العلي شحنة ثورية بابداع كاريكاتيري

عن القدس العربي : رام الله من توفيق العيسى: ناجي العلي، نجا وعلا، نجا بنفسه من جحيم السياسة والتفريط وموات الضمير أو تأنيبه، وعلا رمزا ثوريا، بوصلة وشراع، أتقن الثورة بعفويتها ونقائها، قبلته فلسطين والشهداء أئمته، في الذكرى الرابعة والعشرين لاستشهاده، يطل علينا حنظلة ابن العاشرة والذي ظل مختزنا تفاصيل البلاد وصور الشهداء وهم يسقطون على أرض قريته   الشجرة  تلك القرية التي رفضت التفاوض مع الغزاة فدمرت بالكامل وهجر أهلها في العام 1948، من هنا كانت بداية الشحنة الثورية لدى ناجي، والتي توهجت كلما ازداد الحصار والقصف والمؤامرات وكلما قذفه البحر بعيدا عن فلسطين وبيروت، ليهرب أحد أبطاله من سفينة الخروج في العام 1982 معلنا اشتياقه ب   والله اشتقنا يا بيروت  وفي لوحة قبلها كان خارجا إلى البحر حاملا صليبه، وليشكل حالة ثورية نادرة.
الفنان التشكيلي مروان العلان يرى أن الحالة الفنية التي أنشأتها لوحة ناجي العلي ليس مفصولة عن ناجي العلي كحالة أنتج من لوحته حالة، فناجي العلي لم يكن فنانا ولا كاتبا ولا سياسيا بالمفهوم العام للسياسة كثير الكلام، هو عبارة عن شحنة ثورية مجسدة بإبداع كاريكاتيري، توفرت لديه القدرة على تحويل الأداة ليس إلى سخرية، بل تعبير صارخ عن قسوة ومرارة الحالة التي يعبر عنها،هذه الشحنة بدأت مع ناجي واستمرت معه وظلت لديه والتقطها الشعب الفلسطيني منذ بدايات ناجي نتيجة الزخم الموجود في الساحة الفلسطينية وقدرة ناجي على التعبير عن كل ما يجري في الساحة اعتبر الشعب الفلسطيني أن ناجي هو ضميره، وبالفعل أصبح ضمير الإنسان الفلسطيني الذي آمن بأن فلسطين كلها له ولا يوجد فيها شبر واحد للبيع أو للتنازل أو للإيجار كلها أرض واحدة أسمها فلسطين، مفتاح شخصية ناجي العلي هو إيمانه أن فلسطين هي كل فلسطين، كان اسمها فلسطين صار اسمها فلسطين وسيظل اسمها فلسطين، ودون أن تكون ملكية الأرض لأحد، الأرض لشعبها وليس لأفراد والتصرف بالأرض ليس حق فردي، فبالتالي تحويل فلسطين إلى مكتب عقارات لبيع أراضي أو لتبادل أراضي ضد الشحنة الموجودة داخل ناجي وهذا ما جعل مجموع أعداء ناجي العلي أكثر من أصدقائه حتى لو كان أصدقائه كل الشعب الفلسطيني.
* لو كان نبيا لاحتاج إلى الصحب، أما أن ينفرد بالمشهد، حين ينجلي غبار المعركة عن فارس وقلم وطفل في العاشرة، صليبه سيفه ووطنه وقبره.
وفي هذا الإطار يضيف علان بقوله:  ومشكلة ناجي – إذا كانت مشكلة – أنه نبت شيطاني حقيقي على جدران الحياة، لم يكن أبدا محميا من أحد، لا بحزب ولا بسلطة أو قيادة، والكل ساخط عليه حتى أولئك الذين انتمى إليهم فترة وشكل صدى لكثير من أرائهم وبرامجهم حتى هم لم يسلموا من شحنة ناجي، لأنهم بدئوا بتغيير نهجهم، ناجي لم يغير برنامجه ولا شحنته، هاجم جورج حبش ونايف حواتمة وياسر عرفات وكل من كان لديه ميلا بسيطا لتغيير برنامجه، أذكر تلك اللوحة التي انتقد الجبهة الشعبية حين رسم عيادة وكتب فوقها  عيادة الجبهة الشعبية للأمراض التنازلية  وكتب أسفلها  اسأل مجرب ولا تسأل  حكيم    وكان ذلك هجوم مباشر على جورج حبش، وعندما اتصل به حبش معاتبا قال له  هلكتنا يا ناجي  أجابه ناجي  انت الي عملت بحالك هيك  بهجومه كان يصرخ بالجميع ليقول لهم إلى أين انتم ذاهبون؟! وكان شاهدا عليهم: هنا بصموا وهنا تنازلوا وهنا فرطوا، هذه الشعلة الثورية المتوهجة دائما كان لا بد من إطفائها، والذين شاركوا بإطفاء هذه الشعلة كل مستفيد من الوضع الحالي، لذلك من يعرف ناجي العلي ويعرف حجم أعدائه والأشخاص الذين عكس صورهم بالمرآة وهم مطلوبون للضمير الفلسطيني والشحنة الفلسطينية والعربية.
– حنظلة لم يكن طفلا شرد من وطنه فحسب، لكنه وضمن اللوحة الكاريكاتيرية كان عنصرا فنيا أراد منه ناجي العلي أن يحافظ على حلم العودة وان يكون شوكة تنخز الضمير ويتعدى ذلك أحيانا ليكون مشاركا وفاعلا في المهمة النضالية.
وعنه يقول الشاعر العربي العراقي عبود الجابري:  حين ابتدع ناجي العالي شخصية حنظلة، فإن ذلك كان لحاجته لرمز تتمحور حوله رسوماته اللاذعة، وقد تحول حنظلة بفعل من التوجه القومي لناجي العلي من رمز فلسطيني إلى رمز عربي يشير بقسوة إلى واقع الأمة المهلهل في ذلك الحين، ولم يتكئ العلي على نجاح الفكرة (الرمز) متجاهلا التفاصيل الفنية في لوحاته ، فكانت أعماله لوحات مستوفية للشروط الفنية للوحة ، ويبدو ذلك جليا لمن يتمعن في خطوط وتفاصيل اللوحة .
وطالما بقيت الحال كما هي في البلاد العربية ، فأن رسومات ناجي العلي ما تزال تمثل تنهيدة المواطن العربي ، عندما يتأمل حال أمته ولا يجد ما يقول، فهي ما تزال تحمل صلاحية الفكرة وضراوة الهجاء الذي نحتاجه حين يعز الكلام على الرغم من مضي أربعة وعشرين عاما على جريمة اغتيال ناجي العلي .
أما مروان العلان فيرى بأن حنظلة ايقونة ناجي، فعندما كان يرسم حنظلة وكأنه يقول أن من رسم هذه اللوحة هو الطفل الفلسطيني الذي لم يفقد حقه في وطنه، و يقول أنا حنظلة وليس ناجي العلي، حنظلة بمعنى الطفل الذي خرج من فلسطين وبقي طفلا لم تغيره السياسات والمؤامرات ولم يتغير، ما تغير فنيا هو تحرك حنظلة، حنظلة في كثير من الكاريكاتيرات كان يقف مكتفا يديه وأخرى يمد يده أو رجله أو يرمي حجرا، هذا التحرك لم يكن من فراغ بمعنى وصل الأمر بحنظلة إلا يسكت، طفح الكيل به فتحرك، فهو في بعض اللوحات لا يشاهد الحدث ولا يعبر عنه بل يشارك به  .
الفنانة المسرحية سناء لهب من الداخل المحتل ترى بأن حنظلة ولد في العاشرة من عمرة وما زال في العاشرة ولن يكبر إلا بعد أن يعود إلى فلسطين وكأنه كان يعلم  بأننا لا نستحق أن نرى وجه ابنه ما دمنا نقع تحت احتلال مصالحنا وخيباتنا ونكساتنا وتخاذلنا  قبل احتلال العدو لنا وهذا ما حصل ويحصل حتى اليوم .ناجي كتّف حنظلة بعد حرب أكتوبر 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع. واليوم الثائر هو المطبع  والميت هو من يرفض التطبيع  الم يقل يوما  اللي بدو يكتب لفلسطين, واللي بدو يرسم لفلسطين, بدو يعرف حالو: ميت. ولكن اليوم وبعد الثورات العربية ربما سننجح برؤية وجهه لأنه قال  عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته. .
* وتتعدد عناصر اللوحة عند ناجي، كلما كبر حلمه وسع دائرة تضامنه، فتراه مرة يتضامن مع الباحثين عن لقمة الخبز مقطوعي الأيدي في السودان، وأخرى فلاحا مصريا يحمل مشنقة لأعداء الشعب من القطن طويل التيلة،
أما في المخيم الفلسطيني فيذهب إلى أبعد من الحدود ليعلن تضامنه مع الصحفي المصري صلاح عيسى في إضرابه عن الطعام حتى الموت،حيث منع من العمل بالصحافة المصرية بسبب آرائه السياسية المعارضة، ولم يكن ناجي يعرف عنه أكثر من كونه صحفي معارض ومناصر للقضية الفلسطينية كما ذكر عيسى في كتابه   تباريح جريح ، ومن هنا كان النص المكتوب عنصرا مضافا للوحة الفنية، الذي راح بعضه إلى حد أن يكون أغنية تغنى وهي أغنية وكاريكاتير   يويا ما بدنا طحين ولا سردين بدنا قنابل حكام تنابل  .
وفي هذا الإطار يقول علان :   الكاريكاتير يعتمد على اللوحة وقد يكون الحدث داخلي أكثر ما هو خارجي وكأن هناك شيء ما يدور في ذهن شخصيات اللوحة ولا يظهر بها فكان لا بد من الاستناد على بيان نصي فكيف سيعبر عن عروبيته ؟! لم يجد سوى أن يكتب   لست سنيا ولا شيعيا ولا مسيحيا ولا درزيا أنا عربي يا جحش  كما رسم في إحدى لوحاته فقط بالنص استطاع أن يعبر عنها، والنص لديه كان للضرورة وهو لم يضعف اللوحة واللوحة لم تكن تخضع لمحيط النص .
وتضيف لهب المسرح مثلا لا يستطيع آن يمارس  كل أنواع  النضال , بإمكانه أن يلقي الضوء ولكن يستحيل أن يظهر ملامح النزف  الثائر الرافض لناجي وشخصياته , فلو كان يملك ذالك في زمننا هذا لكان ولد ناجي آخر أو على الأقل رأينا وجه حنظلة ….رسومات ناجي استطاعت أن تشعرنا بالذل والقوة , بالعودة والتشريد , أنا شخصيا أعيش كل المشاعر المتناقضة كما وطننا بمجرد النظر إلى نزفه الصارخ .

* ناجي العلي والسياسة، ملف شائك قد يختصره البعض ليقول أن ناجي ببساطة أراد كل فلسطين، فهل كان ناجي غير مقتنع بالوضع الاستثنائي للقضية وما تتطلبه من مراحل؟ خاصة فيما يتعلق بقرار 242 والذي يأمل المنادون به بشبر أرض على الأقل، والذي كان حجة كثير من الدول التي دعت منظمة التحرير للاعتراف به حتى يتمكنوا من مساعدة الشعب الفلسطيني.
  وكأنك تقول أريد هذه الشعلة وتريد أن تضع عليها ركوة ولا تريدها أن تغلي، هذا الكلام عند ناجي العلي   بنفعش  لدى الكتاب والأدباء الذين يحتفظون بالشحنة الثورية   بنفعش  معظم الشعب مع ناجي ولكن أحيانا ينخزهم بضميرهم ليقول لهم هذا وطنكم هم مقتنعين بذلك ولكنهم يؤجلون، شعبنا يتقن فن التأجيل لعله يرى شيئا ، بهذه الكلمات يجيبنا مروان علان ويضيف،   لو أردنا أن ننظر بقرار 242 و 338 وكامب ديفيد وغيره السياسيون الذين حاكوا هذه القرارات والمشاريع لم يأخذوا شيئا منها، وناجي العلي يعرف أكثر من كل السياسيين أن أي قطعة أرض على فلسطين تعني نفي ما عداها وأن وجودك في غزة وأريحا يعني عدم قدرتك اطلاقا على الخروج منها إلا إذا أراد العدو ذلك ولمصالحه .
وترى لهب أن أنصاف الحلول هي التطبيع وماشاكله , وهو ما يحدث اليوم من تجميل للعهر السياسي وإن كانت مقولة أن نكون أو لا نكون هي عدمية فهي مع هذه العدمية وهذا الانحياز وكما قال هو الانحياز لمن هم  تحت  . وليس لأحد أي كان أن يتنازل عن شبر من أرض فلسطين بحجة السلام الخانع، فناجي العلي كان استثناء كما وفقدان الوطن استثناء.
* ولهذا أكثر مثقف همش وغيب كان ناجي العلي ومن كل الأطراف، فالذين كانوا يتعاملون مع ناجي هم الناس العاديين الذين ما زالوا يحلمون بما يحلم به ناجي العلي ويحاولون أن يلتقطوا شحنة ناجي العلي التي أشعلها في حياتهم وهؤلاء هم من يتذكرون ناجي في مهرجانات الجامعات والمخيمات بركن صغير له ليقولوا للضمير هناك من صرخ فيك، أما اغتيال ناجي فهو اغتيال يومي.
  وحتى كبار الكتاب والناشرين تاجروا بناجي وباعوا واشتروا به  ويعلق علان مضيفا إلى هذا الموضوع بقوله :   ناجي يغتال يوميا ومن قبل الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني ومع كل هذا لم تصدر دراسة جادة عن ناجي العلي ربما واحدة فقط وهي   أكله الذئب  لشاكر النابلسي وكانت محاولة للفهم وهو لا شيء أمام دراسات تكتب عن غير ناجي وهم لا يستحقون ربع ما يستحقه، مشكلة من يحاولون أن يغيبوا ناجي أنه محفور في الوجدان الفلسطيني ومحفور حتى في وجدان من يريد أن يغيبه، وهناك جزء كبير من تراث ناجي مغيب تماما عن الطباعة والنشر خمسين ألف لوحة على الأقل وربما أكثر من ذلك بكثير .
* في تحقيقنا عن ناجي العلي لم نشأ أن نكرر ما يقال في كل مناسبة – ولا ندعي أننا جئنا بجديد – ولد في العام كذا واغتيل في العام كذا وإلى أخر هذه المعلومات، رغم أهميتها للجيل الذي لم يعرف ناجي، لكننا نستند إلى قدرة الجميع في الحصول على المعلومة من مواقع عدة، وخاصة أن ما يذكر عن ناجي العلي وغيره هي ذات المعلومات التي تتكررسنويا، إلا إذا ابتدع البعض تاريخا لمصلحتهم الشخصية وانتحلوا صفات لم يستحقوها، وجيروا دمه لحساباتهم الخاصة.