سوريون خذلهم إعلامهم الرسمي… فصنعوا البديل
صحيفة “الحياة”: زينة إرحيم
«ما في قلبكم على لساننا». بهذا الشعار أعلنت إذاعة «واحد زائد واحد» عن انطلاقها كأول إذاعة سورية حرّة ومستقلة تبثّ إرسالها من موقع إلكترونيّ. باللهجة العاميّة السوريّة تعرّف الإذاعة عن ذاتها بأنها «مجموعة صبايا وشباب سوريين جمعهم حب البلاد من ألفها ليائها»، مضيفةً: «أصواتنا مختلفة لكن أحلامنا واحدة، ونريد سوريتنا حرة ومدنية وديموقراطية».
يقول فارس، المنسق الإعلامي للإذاعة، إن «واحد زائد واحد» تتحدث «عنّا نحن الاثنين، فعملية الجمع قد تكون لعنصرين منسجمين أو متناقضين، رأيين، صوتين، نظريتين، فيها تسمع أغاني الحصاد والدبكة والجاز والأفان غارد».
تصميمٌ بسيط وعلم سوري يزيّن الزاوية اليمنى من صفحة رمادية تستقبل المستمعين مع خمسة مداخل رئيسة: «القصة ومافيها»، «من نحن»، «حاكينا وخذ الغلّة» لتشجيع المُشارَكات، «خليك ورانا عَ الدعسة» لمتابعة نشاطات الإذاعة على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافةً إلى معلومات تقنية تساعد المستمعين في سورية على تجاوز العقبات الكثيرة التي يُتوقّع أن تواجههم عند الاستماع إليها.
يوضح فارس أن هدف الإذاعة «إيصال صوت الشباب السوري غير المسيّس وتطلعاته، إضافة إلى دعم الحراك الشعبي في سورية نحو الحرية»، مشيراً إلى أن الإذاعة تسلط الضوء على الثقافات المختلفة التي تحتضنها سورية من آشورية وكردية وشركسية وأرمنية وعربية. وتمكّن فريق العمل الذي بدأ بـ 12 متطوعاً، قبل أن يصل إلى 40 اليوم، من تقديم مقابلات وبرنامج شبابية، إضافة لنشرة أخبار محلية.
مطبوعات بترخيص «فايسبوك»
سبق بث إذاعة «واحد زائد واحد» انتشار مطبوعات نجح بعضها في التحول إلى مجلةٍ أسبوعيةٍ تصدر دورياً كمجلة «حريّات» و «البديل» و «الحق»، فيما بقيت أخرى حبيسة صفحات الإنترنت كـ «سوريانا» و «بكرا» إذ تُنشر أعدادها بصيغة PDF يجري تحميلها أو إرسالها عبر البريد الإلكتروني. كما يمكن عرضها وقراءتها من دون تحميلها على الكومبيوتر خوفاً من تفتيشه في حال تعرض صاحبه للاعتقال.
تصدر صحيفة «الحق» التي تعرّف نفسها «كأسبوعية سياسية مستقّلة» عن تنسيقية حي الميدان في دمشق، لتركزّ على أخبار دمشق وريفها في ثماني صفحات.
فيما توجّه «البديل» بصفحاتها الأربع رسالة إلى النظام بأن «الثورة قادرة أن تصنع إعلاماً مواكباً، وأن الشعب السوري المبدع الذي استطاع منذ اليوم الأول للثورة أن ينقل الصورة إلى العالم كي يرى ما يرتكبه النظام بحق أبنائه، قادر اليوم أن يوجد وسائله الإعلامية كافة، وأن يطوّرها في خضم الثورة حتى تحقيق النصر»، كما يقول فريق تحريرها. وتصدر «البديل» عن «الهيئة الإعلامية المستقلة لدعم الثورة السورية» تحت شعار «حرية، عدالة، مواطنة».
مجلة «مثقفون أحرار لسورية حرة» كسرت قالب المجلة لتنطلق كصفحة على موقع «فايسبوك» للتواصل الاجتماعي. فـ «الفايسبوك أصبح نشرة أخبار متكاملة ومن قلب الحدث. وبفضل الثورة كسب هذا الموقع الإلكتروني عدداً أكبر من المستخدمين، وبالتالي عدداً أكبر من المتابعين للمجلة»، تقول لمى، إحدى مؤسسات الصفحة، إن «كثرة كتّاب الصفحة وصعوبة التنسيق بينهم لأسباب أمنية قد تجعلان من تجميع المواد ونشرها بصيغة PDF تستغرق وقتاً أطول، فيما النشر على «فايسبوك» أسهل».
يشارك في تحرير المجلة عددٌ من الكتّاب المعروفين، مثل ياسين الحاج صالح وخطيب بدلة وروزا حسن وريما فليحان، إضافة إلى مجموعة من النشطاء والصحافيين.
وعن استخدام الكتّاب لأسمائهم الكاملة، وغالبيتهم داخل سورية، تقول لمى: «لم يعد الخوف هو صاحب القرار اليوم، فالإيمان بالقضية هو صاحب الكلمة الأخيرة. كلنا نتعرض لمضايقاتٍ أمنيةً، سواءً كتبنا أم لم نكتب، المسألة مسألة حذر».
وتتضمن مجلة «مثقفون أحرار لسورية حرّة» على «فايسبوك» زوايا عدة، مثل: «أخبارنا» وفيها مواد مترجمة لأبرز ما نشر من مقالات وتحليلات في الصحافة العالمية حول الحدث السوري، وتخصص المجلة نافذةً تروي فيها «حكايا الثورة»، فيما تعرض الصحافية علا ملص في زاويتها «حكي أطفال» الثورة في عيون أطفال سورية. بينما تقرأ زاوية «كاركتر» آلية تفكير إحدى الشخصيات النموذجية التي برزت خلال الثورة كـ «الشبيح» و «البوق» و»المنبحبكجي»، إضافة إلى زاويا «حوار» و «اعرف حقوقك»… وغيرها.
أما هدّف المجلة، فتحدده صفحتها على «فايسبوك» بـ «دعم حركة النشر والتوعية بكل ما يتصل بالثورة السورية، وتوعيتنا بطرق العمل الثوري والسياسي الناجح للوصول إلى دولتنا المدنية المنشودة، إضافة إلى المساهمة والمشاركة الفاعلة على الأرض في دعم الحراك الشعبي وتوثيقه».
الحاجة أمّ الصحافة
الأهداف ذاتها أنجبت مجلة «سوريتنا» التي استعارت عند صدورها في 26 أيلول (سبتمبر) الماضي مقولة غاندي: «عندما يقرر العبد أن لا يبقى عبداً، فإن قيوده تسقط»، لتقدم الأخبار «الحقيقية، كما يراها السوريون لا كما يُفبركها ويُكّذبها إعلامهم»، تقول تعبير سعاد يوسف، إحدى مُؤسسات المجلة.
وعلى رغم أن مجلة «سوريتنا» إلكترونية، فإنها تُطبع أحياناً في بعض المحافظات السورية من جانب الناشطين، ووصل عدد النسخ المطبوعة من عددها الأول إلى أكثر من 800 نسخة. ومع ذلك، «يفضل الفريق بقاءها على شكلها الإلكتروني الآن بسبب الخطورة الأمنية للتوزيع وتكاليفه»، بحسب يوسف.
وعن كيفية التواصل بين أعضاء الفريق تقول يوسف: «نتواصل عبر الإنترنت في شكل دائم. ونوزع المهمات ونصمّم ونقوم بكل العمل افتراضياً لأن اجتماعنا في أي مكان صعب جداً، وقد يؤدي إلى اعتقالنا جميعاً في أحسن الأحوال».
تؤمن يوسف بأهمية الكلمة في دعم الحراك الشعبي، لأن «الثورة قائمة على كل الصعد، بما في ذلك الصعيد الفكري والثقافي والإعلامي. ويسعى الشباب السوري اليوم إلى إيجاد واقع جديد بمعايير جديدة تتلاءم وطموحاته في الدولة الديموقراطية الحرة».
وتشير إلى أن «المخاطرة موجودة في أي نوع من المشاركة في الثورة، لكن مخاطرة الكلمة لا تقارن بمخاطرة الآلاف الذين يقفون في وجه الرصاص يومياً».
يتفق كريم ليلى، رئيس تحرير مجلة «حريّات»، مع يوسف بأن «مطبوعةً ثوريّة تستحق أن تضع من أجلها حياتك على المحكّ»، مشيراً إلى أن «أرواحنا ليست أغلى من أرواح ودماء من يستشهد يومياً على مذبح الحرية، فالكل يقدم ما استطاع».
«من رماد عهود القمع وكم الأفواه… انبثقت مجلة «حريّات» في 22 آب (أغسطس) الماضي مع نسائم الحريّة التي هبّت منذ الخامس عشر من آذار (مارس) 2011، لتعبر عن صدى الثورة»، يقول ليلى.
ويضيف: «إنها أول مجلة أسبوعية للثوار، تُكتب بأقلامهم، تُطبع في منازلهم وتُوزع تحت خطر اعتقالهم وتصفيتهم، نحاول تجنّب ذلك قدر المستطاع بتوزيعها شخصياً في التظاهرات ووضعها ليلاً على عتبات المنازل، لكنه يبقى قائماً».
يبدأ عمل المجلة مع فريق من الناشطين بجمع الأخبار والحوارات التي توثق حالات التعذيب في السجون وحكايات الشهداء والتظاهرات واللاجئين السوريين، ثم تحوّل بعدها المواد إلى مطابع سريّة يتحفّظ ليلى عن إعطاء تفاصيل عنها خوفاً من انكشافها.
بدأت «حريّات» بست صفحات لتصل اليوم إلى 16 صفحة تتنوع مواضيعها بين سياسية واقتصادية وفكرية وأدبية، بالإضافة إلى توعية في نطاق الدولة المدنية واحترام الآخر وحرية التعبير والحوار، إلى طرائف الثورة، وطبعاً تمر على قصص الشهداء والمواقف الدولية»، يقول رئيس تحريرها. وأصدرت المجلة أخيراً طبعة إنكليزية يروّجها وينشرها المغتربون السوريون في الفعاليّات الخاصة بسورية.
ويقول ناشطون سوريون أن «الحاجة إلى بناء جسور تصل بين الواقع والإعلام فوق الخندق العميق الذي بناه الإعلام الرسمي والخاص حول ادعاءات وروايات النظام، هي التي حرّكت الخلايا النائمة من الإبداع الجمعي للسوريين».
وكان أول نتاجات هذا الإبداع منشورٌ يوميّ من صفحة واحدة اسمه «بكرا» تنشره صفحة على «فايسبوك» أطلقت على نفسها اسم «بحب سورية وبس»، ويتضمن المنشور زاوية قهوة الصباح «صحصح معي» التي تتناول فكرة تحرّض على التفكير في قضية تتعلق بحراك الشارع السوري، «كلمات في الصميم» تخاطبُ المؤيدين وأحياناً المعارضة، «سؤال دون جواب» و «نقطة نظام ضد اللانظام».
وكانت أسرة «بكرا» أعدت في أيلول الماضي ملفّاً عن الاعتقال من 27 صفحة بعنوان «اعتقال الرأي، استراتيجية صراع البقاء».
وبدأ الملف بسردٍ تاريخي لما يسميه الفريق «ظاهرة الاختفاء القسري»، لينتقل إلى معالجة النواحي القانونية لمعتقلي الرأي في ضوء القوانين السورية الحالية، ثم يناقش «الجلاد والسجّان هل هم ضحايا»، ليفرد بعدها خمس صفحات لشهادات معتقلي الرأي في «ثورة 15 آذار» (السورية) وثماني أخرى لشهادات معتقلي الرأي قبل الثورة.
يبحث الملّف بعدها في التأثير النفسي والاجتماعي والاقتصادي لتجربة الاعتقال لينتقل إلى تجارب الاعتقال في الأدب والفن السوري. كما نشر فريق «بكرا» أخيراً ملفّاً ثانياً بعنوان «المقاومة المدنية، قوة اللاعنف».
وإلى تصميماتها المبتكرة، تستعين المطبوعات الثورية الحديثة بأعمالٍ فنّية أُعدّت للثورة في إيجاد صورتها البصرية. وتخصصت بعض الصفحات على «فايسبوك»، مثل صفحتي «فن إندساسي» و «الفن والحرية»، بنشر أعمال كبار الفنانين والمصورين والنحّاتين والتشكيليين عن الثورة السوريّة، مثل يوسف عبدلكي وعلي قاف وياسر الصافي وبسيم الريس… وغيرهم.
«وماذا إذا سقط النظام»؟ يجيب ليلى ضاحكاً: «ستصبح صحيفة «حريّات» الجريدة الرسمية لسورية، كما أتمنى، لكن اسمها سيبقى عندئذٍ كما مضمونها، ولن تتحول إلى جريدة «ثورة» مع النظام ضد «ثورة» شعبه المطالبة بالحرية».