بعد مقتل صحافيين لنشرهم تقارير إخبارية تتعقب مافيا التهريب

مكسيكو سيتي: ديفيد غودمان*
عن الشرق الأوسط

تم العثور على جثتين لرجل وامرأة تتدليان من كوبري للمشاة في مدينة نيوفو لاريدو على الحدود المكسيكية هذا الأسبوع، وعليهما وضعت ورقة تهدد بإيقاع العقوبة نفسها على كل من «ينشر أخبارا عن تجار المخدرات على الإنترنت».

بدا هذا العرض الشنيع مؤشرا على خطوة اتخذتها عصابات المخدرات، التي قتلت صحافيين لنشرهم تقارير إخبارية عنهم، وفرض مثل هذه الضغوط على أي مكسيكي يتداول معلومات عنهم على شبكة الإنترنت.

وكانت مدونة «بوردرلاند بيت»، التي تتعقب حرب المخدرات المكسيكية، قد نشرت صورا لبعض الملاحظات فضلا عن توزيع صور للجثتين التقطها راكبو الدراجات النارية قبل أن تنزلهما السلطات المحلية.

وأوردت قناة «سي إن إن» تقريرا قالت فيه إن عملية القتل كانت عقابا لهم على الرسائل التي نشروها على موقع شهير على الإنترنت يجمع التقارير الخاصة بالصراعات بين عصابات المخدرات في بعض المناطق التي لا يستطيع فيها الصحافيون المكسيكيون أداء واجبهم بحرية وأمان. وأورد راندال آركبولد، مراسل صحيفة «نيويورك تايمز»، أن الاعتداءات التي يقوم بها تجار المخدرات أسكتت الكثير من المؤسسات الإخبارية، خصوصا القائمة منها على الحدود. ونتيجة لذلك حاول السكان المحليون سد الفجوة في المعلومات عبر استغلال مواقع التواصل الاجتماعية وبعض المواقع الإخبارية القليلة الجريئة التي تغطي أخبار حروب المخدرات مثل «فرونتيرا آل روجو فيفو» و«بلوغ ديل ناركو».

وقد ذكرت الورقة التي تركت مع الجثتين اسم الموقعين، والتي ترجمتها مدونة «بوردرلاند بيت»: «هذه عقوبة من ينشر على موقع (فرونتيروا آل روجو فيفو)»، بينما كتب في الورقة التي علقت على قدم القتيل الآخر أن هذا ما سيناله كل المدونين على الإنترنت، وأن على كل من «فرونتيرا آل روجو فيفو» و«بلوغ ديل ناركو» و«دينونكيا تشيودادانو» الحذر، فهم يراقبوهم. وكان التوقيع بحرف «Z».

ويرى ماريانو كاستيلو، مراسل قناة «سي إن إن»، وموقع «دينونكيا تشيودادانو» أن التوقيع يأتي كإشارة واضحة إلى عصابات «زيتاس» لتهريب المخدرات.

كانت حوادث القتل هي الأكثر إزعاجا لأن غياب التقارير الإخبارية المنتظمة حول عنف عصابات المخدرات دفع الكثير من المكسيكيين إلى موقع «تويتر» ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى للحصول على مزيد من المعلومات، وأصبحت علامة الشباك، التي تربط رسائل «تويتر» معا، آلية بالغة الأهمية للتصنيف، حيث تنقل التقارير المتصلة التي يعدها أفراد على حسابات «تويتر» إلى خدمة إخبارية خاصة بهذا الشأن. وسرعان ما نقلت المدن الأخرى الفكرة.

كتب أندريه مونروي هيرنانديز، المرشح لنيل درجة الدكتوراه من المكسيك في معمل وسائل الإعلام التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في مجلة «نيكسوس» المكسيكية السياسية، أن مدينة رينوسا، التي تقع على الحدود الشرقية، كانت من أولى المدن التي تعد هذا النوع من التقارير الإخبارية. وسرعان ما حذت مدن أخرى حذوها منها مدينتي مونتيري وفيراكروز. وفي تحليله لأكثر من 250 ألف رسالة نشرت مصحوبة بعلامة الشباك، لم يبدِ مونروي أي دهشة عندما وجد أن الموضوع الذي غلب على الرسائل كان إطلاق النيران. وعندما سُئل عن مدى مصداقية التقارير الإخبارية التي تُنشر على موقع «تويتر»، أجاب في رسالة عبر البريد الإلكتروني قائلا: «أود القول إن أكثر المعلومات في مدينتي مونتري وسالتيلو التي راقبتهما عن كثب حقيقية ولا يتم تجاهلها في أغلب الأحوال. تقوم الحسابات الثلاثة الأساسية التي أشرت إليها في مقالي وهي (@trackmty و@AnaRent و@cicmty) بمهمة الإشراف. بطبيعة الحال هناك معلومات مغلوطة، لكنها ليست بالكثيرة. ومن الصعب عمل تقييم علمي لأننا لا نعرف ما هي الحقيقة، لكنني أرى تداخلا بين انتشار رسائل (تويتر) وما تقدمه وسائل الإعلام المحلية. من الأمور الأخرى المثيرة للاهتمام أن الكثير من الرسائل المنشورة على موقع (تويتر)، (نحو 50 في المائة)، ما هي إلا رسائل مُعاد نشرها، وهذا يشير إلى تفاعل الناس معا في نشر المعلومات، لكنه في الوقت نفسه يثير قلقي لأنني أفترض أن الناس عادة ما تعيد نشر الرسائل دون أن تكون متأكدة من صحتها تماما. وتفتح التقارير الإخبارية عن العنف، التي تستند فقط إلى مواقع التواصل الاجتماعي، الباب أمام انتشار الشائعات سريعا في ظل غياب مصادر موثوق بها تدحض المعلومات الخاطئة».

وكتب نيكولاس غودباي، أستاذ الثقافة المكسيكية في ويليامز كوليدج، في رسالة بالبريد الإلكتروني: «يجد المكسيكيون الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي في نشر فوضى حرب المخدرات أنفسهم بين شقي الرحى لأنهم قد يصبحون هدفا لمرتكبي أعمال العنف الإجرامية أو لتنكيل الحكومة».

واتهم رجل وامرأة في مدينة فيراركروز بالإرهاب وأعمال التخريب بعد ترويج إشاعات عن هجوم عصابة مخدرات على مدرسة من خلال موقع «تويتر».

ووجهت السلطات المكسيكية إلى كل من غيلبرتو مارتينيز فيرا وماريا دي جيسيس برافو باغولا تهما بإثارة الذعر والمسؤولية عن وقوع حوادث بسبب اندفاع أولياء أمور الطلبة لإحضار أبنائهم من المدرسة. وصرح محاميهم لصحيفة «لوس أنجليس تايمز» بأن الحكومة تسعى إلى جعل حالة الزوجين مثالا على أن ما يروّج على الإنترنت من أخبار غير موثوق فيه. والجدير بالذكر أن ماريا برافو صحافية شهيرة في المدينة. وتقول منظمات حقوق الإنسان والمدافعون عن حرية التعبير إن التهم التي توجه على خلفية ما يطلق عليهم «إرهابيو (تويتر)» ليس لها أساس أو سند. وكتبت منظمة العفو الدولية أن حرب المخدرات «تكرّس لمناخ من عدم الثقة خصب لتداول الإشاعات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يحاول الناس حماية أنفسهم لعدم توفر معلومات موثوق بها»، في الوقت الذي قد تكون فيه تلك المعلومات غير صحيحة، على حد قول المنظمة. «مسؤولية السلطات هي نشر المعلومات الصحيحة والموثوق فيها عن الإجراءات التي تتخذها من أجل حماية المواطنين». وذكرت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» أن هذا الذعر كان يمكن أن يحدث قبل أكثر من ساعة من نشر الرسالة على موقع «تويتر». واتجه الكثيرون إلى إعلان تضمانهم مع مستخدمي «تويتر». وبين العصابات الإجرامية والسلطات الخائفة وجد مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في المكسيك، الذين يتوقون إلى أخبار دقيقة عما يحدث في حرب المخدرات، عالقين في وضع خطير يصعب فيه التحقق من الأخبار وربما يصبح في نشرها هلاكهم.

*خدمة «نيويورك تايمز»