«بدون بن لادن» .. فيلم يثير جدلا في الإعلام الباكستاني

رغم حظره فإنه يباع على أقراص «دي في دي» ومتوافر في الأسواق
عن الشرق الاوسط

إسلام آباد: عمر فاروق

في يوليو (تموز) الماضي منعت الرقابة على السينما الباكستانية الفيلم الكوميدي الهندي، «تيرا بن لادن» (بدون بن لادن) واصفة إياه بالابتذال والتناقض مع القيم الثقافية الباكستانية.

وقال مسعود إلهي، نائب رئيس هيئة الرقابة على الأفلام الباكستانية خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» «يسود الفيلم لغة مبتذلة للغاية ولهذا السبب تحديدا أصدرنا قرارا بأنه لا يصلح للعرض في دور السينما الباكستانية».

وعلى الرغم من رفض هيئة الرقابة على الأفلام الباكستانية التراجع في قرارها بشأن حظر عرض الفيلم في باكستان، والانتقادات التي وجهت إلى الهيئة في وسائل الإعلام الليبرالية، فإن الفيلم يشاهد على نطاق واسع في باكستان كاسطوانات دي في دي متوافرة في الأسواق بأقل من دولار.

تدور قصة «تيرا بن لادن» (بدون بن دلان) حول صحافي باكستاني يسعى إلى العثور على وظيفة في إحدى الصحف الأميركية الكبيرة. وبعد محاولات متكررة فاشلة للحصول على تأشيرة الولايات المتحدة خرج الصحافي بفكرة إجراء مقابلة مع شبيه لأسامة بن لادن وبيعها للقنوات الإخبارية الأميركية.

ويقول علي ظفار، مغني البوب الباكستاني الذي أدى دور الصحافي في الفيلم، في بيان أصدره في الصحافة الباكستانية «هذا فيلم كوميدي بسيط ولا ينتهك أي آيديولوجية لأي شخص».

بيد أن هيئة الرقابة على الأفلام الباكستانية منعت الفيلم على أساس أن الحبكة واللغة المستخدمة في الفيلم تنتهك القيم الثقافية والدينية للمجتمع الباكستاني.

وقال مسؤولون في هيئة الرقابة على الأفلام الباكستانية: «كل الشخصيات في الفيلم خاصة شبيه أسامة بن لادن يتحدثون لغة غير مقبولة في الفيلم، فشبيه أسامة بن لادن دائما ما يسب كل من يصادفه».

هذه هي قصة كل فيلم هندي يقدم إلى باكستان، فإذا ما فشل الفيلم في الحصول على ترخيص من هيئة الرقابة على الأفلام ومنع عرضه في دور السينما يمكن مشاهدته على اسطوانات دي في دي بأسعار تقل عن دولار.

وعلى الرغم من الشعبية الكبيرة التي تلقاها الأفلام الهندية بين الباكستانيين، فإن على هذه الأفلام المرور بعملية تصويت يسمح بعرضها في دور العرض الباكستانية. جدير بالذكر أن الحكومة الباكستانية فرضت حظرا على عرض الأفلام الهندية في سينماتها منذ عام 1965 مع دخول البلدين حربا على إقليم كشمير المتنازع عليه.

بيد أن هذا الحظر تم رفعه بصورة جزئية في عام 2006 في أعقاب تحسن العلاقات بين باكستان والهند نتيجة عملية الحوار البناء، التي ركزت بالأساس على تطوير العلاقات الثقافية والاتصالات الشعبية بين البلدين.

وقال مسؤول بارز في وزارة الشؤون الثقافية «في عام 2006 قررت الحكومة الباكستانية السماح باستيراد ثلاثة أفلام هندية لعرضها في باكستان كل شهر».

وكانت أبرز آثار رفع الحكومة الباكستانية الحظر عن عرض الأفلام الهندية في البلاد، زيادة الإقبال على دور العرض في البلاد.

ويرى خبراء في مجال الإعلام أن الأفلام الهندية ستعمل على عودة محبي الأفلام إلى دور العرض. فيقول نديم مانديوالا: «سيعطي عرض الأفلام الهندية زخما لصناعة الفيلم الباكستاني وستحيي ثقافة السينما في باكستان التي تقف على شفير الإغلاق». ويرى مانديوالا أن عقد الثمانينات أقيم خلاله 1400 دار عرض وقد انخفض الرقم الآن إلى 250 دار عرض فقط.

بعد رفع الحظر في أبريل (نيسان) 2006، كان فيلم «تاج محل»، الدراما السينمائية، التي تقوم على قصة حقيقية عن حب الإمبراطور المسلم شاه جهان لزوجته ممتاز محل التي كرمها ببناء هذا النصب التذكاري الشهير، أول فيلم يعرض في دور السينما الباكستانية. وقادت وزيرة الثقافة الهندية في تلك الفترة، أمبيكا سوني، بنفسها وفدا من 38 فردا من كبار شخصيات بوليوود (صناعة السينما الهندية) إلى باكستان للمشاركة في الحدث، مشيرة إلى أن عرض فيلم تاج محل في دور العرض الباكستانية سيعزز عملية الحوار المشترك بين الهند وباكستان.

لكن التوترات في العلاقات بين الدولتين لم تؤثر على مرتادي السينما وعشاق الأفلام الهندية في باكستان. ويقول خوار رياض، العامل وأحد أبناء الطبقة الوسطى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» خارج إحدى السينمات حيث يعرض فيلم «اسمي خان»، «خلال الأعوام الثلاثة الماضية أصبحت ارتاد السينما بانتظام بعد أن سمحت الحكومة بعرض الأفلام الهندية، لكني قبل ذلك كنت أكثر اهتماما بمتابعتها في المنزل».

ويرى العديد من المثقفين الباكستانيين أن شعبية الأفلام الهندية في باكستان باتت أشبه بالغزو الثقافي الذي يمكن أن يحدث ضررا بالغا للقيم الأخلاقية للمجتمع. بيد أن ما يثير إزعاج بعض المثقفين الباكستانيين على نحو خاص هو مستوى الرذيلة التي، بحسب وجهة نظرهم، أصبحت عرفا في الأفلام الهندية.

وقد أقام بعض الممثلين الباكستانيين دعوى في المحكمة العليا ضد قرار الحكومة السماح بعرض الأفلام الهندية بناء على قواعد أخلاقية وآيديولوجية. إلا أن المحكمة رفضت الطلب، مشيرة إلى أنه إذا كان لأفلام هوليوود أن تعرض في باكستان فلماذا لا تعرض الأفلام الهندية.

ما أسهم في نجاح الأفلام الهندية على نحو خاص في المجتمع الباكستاني هو تشابه اللغة، فيقول مسؤول حكومي «اللغة الأوردية (اللغة الرسمية في باكستان) والهندية (اللغة التي يتحدث بها شمال الهند) هما وجهان لعملة واحدة».

وأضاف المسؤول «إضافة إلى ذلك عدم السماح للأفلام الهندية بأن تعرض في باكستان قبل أن تمر على خبراء الرقابة في باكستان».

جزء من المشكلة بالنسبة لباكستان هو أنه لا توجد صناعة فيلم باكستانية، فصناعة الفيلم الباكستانية، تنتج في المتوسط 30 فيلما سنويا، مقارنة بـ 1000 فيلم تنتجها بوليوود كل عام.

وقال مسؤول باكستاني في وزارة الشؤون الثقافية أمام البرلمان الأسبوع الماضي «صناعة السينما الباكستانية لا تنتج أفلاما جيدة وجزء من المشكلة أنه لا يتوافر من يوجد لديه الرغبة في الاستثمار في الإنتاج السينمائي في باكستان».

كانت النتيجة المباشرة لذلك منافسة أفلام هوليود مع الأفلام الهندية للحصول على النصيب الأكبر في السوق الباكستانية. وتحصل الأفلام الهندية على ميزة خاصة بسبب اللغة المشتركة.

ويؤكد خبراء صناعة السينما الباكستانيون على أن ارتياد الباكستانيين دور العرض لمشاهدة الأفلام الهندية ليس سوى جزء من المشكلة، ولفهم القضية بصورة أعمق ينبغي على المرء الدخول إلى عالم الأفلام المقرصنة في المدن الباكستانية.

فيقول عرفان خام، مالك متجر لاسطوانات الأفلام في إسلام آباد «يتوافر أي فيلم هندي مقابل 55 روبية (أقل من دولار) في متجري بعد يومين من عرضه في مومباي».

ويرى مسؤولو وزارة الشؤون الثقافية أن عرض الأفلام الهندية في باكستان سيعزز من صناعة السينما الباكستانية. بيد أن ثلاث سنوات مرت منذ أن سمحت الحكومة الباكستانية بعرض الأفلام الهندية في باكستان، ولم تظهر صناعة السينما الباكستانية أي إشارات على نشاطها مرة أخرى. ويبدو أن على المجتمع الباكستاني ووسائل إعلامه التعايش مع ما يسمى الغزو الثقافي من الهند خلال الوقت الراهن، وطرق التصدي له ، وهناك جدل كبير في الشارع الباكستاني حول غزو أفلام بوليوود.