الإثنين, 05 سبتمبر 2011
بغداد – علي عبد الأمير
عن دار الحياة
بعد اعتقال عدد من الصحافيين والكتّاب في موجة الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي شهدتها بغداد وعدد من المدن العراقية الربيع الماضي، وتسجيل أكثر من 160 انتهاكاً ضد صحافيين ومؤسسات إعلامية خلال أسبوعين من أواخر شباط (فبراير) حتى أواسط آذار (مارس) الماضيين، وفق تقرير لـ«مرصد الحريات الصحافية» العراقي، وبعد اعتقال اربعة من الناشطين الوثيقي الصلة بالصحافة والإعلام، وصفت «جمعية الدفاع عن حرية الصحافة» العراقية، اعتقال مصور صحافي خلال تظاهرات أُجريت أخيراً في «ساحة التحرير» في بغداد، بأنه «تجاوز واضح وصارخ على حرية التعبير»، فيما أكد المصور المعتقل بعد إطلاق سراحه أن «الممارسات التي استخدمت خلال عملية اعتقاله كانت أقرب الى عمليات الاختطاف والترهيب».
حكاية المصور الصحافي سعدالله الخالدي هي ذاتها تقريباً التي تكررت مع الذين اعتقلوا خلال الأشهر التي شهدت هبوب «رياح التغيير» العربية باتجاه العراق، لجهة «الاعتقال والتحقيق العنيف بالضرب، ثم ترتيب تهم باطلة وإطلاق السراح ثانيةً مع تهديد بعدم الكشف عما حصل».
وكانت «جمعية الدفاع عن حرية الصحافة» دانت اعتقال مجموعة مؤلفة من 15 شخصاً تابعين لجهاز الاستخبارات العسكرية ويرتدون الملابس المدنية صحافياً يعمل في إحدى وكالات الأنباء المحلية، خلال تغطيته تظاهرة ساحة التحرير وسط بغداد، موضحة أن «تلك المجموعة نقلت الخالدي إلى مبنى الشعبة الخامسة في منطقة الكاظمية بعد مصادرة الصور والأفلام الخاصة بالتظاهرة».
وبعد 12 ساعة من اعتقاله، أطلقت المجموعة سراح الخالدي عبر رميه من سيارة وهو معصوب العينين قرب المقبرة الملكية في حي الأعظمية في بغداد.
وأوضح الخالدي بعد إطلاق سراحه ان «الممارسات التي استخدمت خلال عملية الاعتقال هي أقرب إلى الاختطاف والترهيب»، وقال: «خلال نقلي إلى مقر الشعبة الخامسة في الكاظمية، حصل تبادل إطلاق نار بينهم وبين قوة أخرى من مغاوير الشرطة حاولت إطلاق سراحي».
وأكد انه «تعرض لأسلوب عنيف خلال فترة التحقيق، شمل الترويع بالقتل والضرب والشتم والتهديد، إضافة إلى مصادرة أدوات العمل وتفتيشها»، مشيراً إلى أن «هذه القوة لم تقتنع بأنني مصوّر صحافي على رغم كل البطاقات المهنية التي تثبت ذلك».
وإلى الاعتقال والتهديد والاعتداء بالضرب أمام الملأ، فإن الصحافيين العراقيين باتوا اليوم متخوفين من «مساعٍ حكومية لإعادتهم إلى الإعلام الموجه». فقد أثارت التصريحات الأخيرة لوكيل وزير الداخلية عدنان الأسدي المقرب من رئيس الوزراء نوري المالكي حول «حرية وسائل الإعلام وتأثيرها السلبي في الوضع الأمني» المخاوف، واعتبرها صحافيون كثر «خطوة باتجاه تقييد الحريات».
وكان الأسدي قال قبل أسابيع ان «نشر أي خبر عن اعتقال أو اغتيال الأشخاص من دون معرفة تداعيات الموضوع يؤثر في سير التحقيق ومتابعة أعضاء الخلية التي قامت بالجرم، وقد يسهل هروبهم أو تغيير مناطق عملهم أو خططهم، الأمر الذي سيضيع على الأجهزة الأمنية فرصة كشف المجموعة التي ينتمي إليها المعتقل».
وطالب الأسدي وسائل الإعلام بـ «مراجعة مديرية العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية قبل نشر أخبار لها تداعيات أمنية»، مؤكداً أن «حرية الإعلام في العراق تؤثر في شكل كبير في العمل السياسي والأمني».
وتابع الأسدي أن «وسائل الإعلام في دول الجوار التي تشهد أحداثاً أمنية متدهورة تظهره دولة قوية ومتماسكة ومستقرة أمنياً، فيما إعلام العراق يُظهره منهاراً، وهذه أول معاناتنا».
ادخال الإعلام في «قفص» الحكومة
ورأى الكاتب والصحافي أمير الحلو أن «أي تدخل في شؤون الإعلام من أي جهة رسمية، مهما كانت مسمياتها ومسؤولياتها، هو خرق لحرية الإعلام وخنق لها، لأن الإعلام لا يمكن حصره بقيود تخدم أهداف الدولة. وبالتالي، فإن وزارة الداخلية لا يمكن ان تتدخل في الإعلام ولا يمكن ربط مسؤوليات الأجهزة الأمنية بحرية الإعلام وتحركه في الشكل الذي يخدم أهداف البلاد. لذلك فإن تدخل وزارة الداخلية يمثل تقييداً للإعلام، وهي خطوة تضاف الى خطوات سلبية لاحظناها في الآونة الأخيرة لتحجيم الإعلام وإدخاله في قفص».
واعتبر الحلو أن «المرحلة السابقة تميزت بنظام شمولي كان الإعلام فيه مركزياً يديره الحزب الحاكم. أما الآن، فهناك ادعاء بوجود ديموقراطية مفتوحة. ومن حق أجهزة الإعلام ان تمارس عملها بحرية، إلا أن الواقع يدل على عكس ذلك، كما أن أجهزة الدولة لا تتحمل أي نقد إيجابي من الممكن ان يقوم بتحسين عملية أدائها».
وعن مشاريع القوانين التي تعنى بالحريات العامة والحفاظ عليها، قال: «كل القوانين التي تتحدث عن الحريات العامة والتي واجهت الكثير من العقبات دخلت في حومة صراعات القوى السياسية والمزايدات، وسيُعرقل تشريع قوانين كهذه».
لكن الناشط في مجال الحريات العامة محمد السلامي اعتبر ان تصريح الأسدي هو «احدى محاولات التقليص من الحريات العامة، والتي أخذت أشكالاً متعددة كتزوير التهم وتلفيقها للمتظاهرين».
ورأى السلامي ان «السلطة تعمل على تضييق الحريات، وهذا دليل على ان الحكومة غير قادرة على تلبية مطالب الشعب وأنها لا تأخذ بعبر التاريخ ولا بما يجري في الدول المجاورة».
وقال: «هنالك الكثير من الفروق في مجال الحريات بين مرحلة النظام السابق والمرحلة الحالية، لكن ثمة أخطاراً من محاولات خنق حرية التعبير، وممارسات استبدادية لا تتناسب – مع الأسف – مع التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب العراقي من أجل الديموقراطية».
ورأى «مرصد الحريات الصحافية» العراقي في تقريره السنوي ان الانتهاكات التي تعرض لها الصحافيون العاملون في العراق بين 3 أيار (مايو) 2010 و3 ايار 2011 سجلت اعلى مستوياتها، «ما يؤكد في شكل واضح غياب شبه تام لحرية الصحافة في مدن البلاد كافة، بما فيها أقليم كردستان».
واعتبر المرصد ان تصاعد العنف المنظم ضد الصحافيين من جانب الأجهزة الأمنية والسلطات الحكومية ولّد خوفاً لدى الصحافيين من أن تزج بهم السلطات الامنية والعسكرية في السجون أو أن تعمد الى إيذائهم لمجرد القيام بمهماتهم الميدانية التي تبدو الآن مستحيلة بعد توجيهات وأوامر عسكرية وأمنية بعدم السماح للصحافيين الميدانيين بالتصوير أو التنقل من منطقة الى أخرى إلا بعد موافقات مسبقة أو نداءات من خلال أجهزة الاتصال العسكري».
وأكد المرصد ان «الصحافيين ومؤسساتهم الإعلامية تعرضوا لهجمات قادتها قوات أمنية خاصة تابعة للحكومة العراقية داهمت قنوات فضائية ومؤسسات إعلامية من دون سند قانوني، في محاربة ما تدعي أنها تهديدات من جانب وسائل إعلام مستقلة»، مشيراً إلى الضغوط التي مارستها هيئة الإعلام والاتصالات، وما سببه ذلك من إرباك للعمل الصحافي وخشية متزايدة من ضغوط قد تتواصل خلال الفترة المقبلة.