بات النزوح السكاني الذي تقوده الدولة سمة مميزة للنزاع السوري. من خلال استراتيجية الحصار، والتجويع، والدمار، ونقل السكان، قامت الحكومة السورية -بمساعدة من حلفائها روسيا وإيران- بتهجير مئات الآلاف من المدنيين من المناطق الريفية والحضرية في دمشق، وحلب وحمص التي تمردت على حكم بشار الأسد، متسببين في ذلك بأزمة شهدت تهجير أكثر من نصف السوريين بعيدا عن منازلهم. بالإضافة للأضرار المادية الكارثية غالبا في البنى التحتية في المناطق التي تم إخلاؤها من السكان والضرر النفسي والجسدي الهائل الذي يلحق بالمهجرين، فإن لاستراتيجية التهجير القسري هذه تداعيات ثقافية واقتصادية-اجتماعية طويلة الأمد ستزيد تعقيد أفق السلام والمصالحات في المستقبل السوري.
يستكشف هذا التقرير آليات وآثار الهندسة الديمغرافية التي تقوم بها الدولة في سوريا من خلال دراسة حالة في مدينة حمص، والتي أصبحت عام 2014 أول مركز حضري مهم يستسلم للحصار ولاستراتيجية التدمير المتبعين من قبل الحكومة. هدف هذه الدراسة هو فهم ما حصل لمدينة حمص وسكانها المهجرين من أجل تسليط الضوء على التحديات المستمرة التي يواجهها النازحون، ولتحديد الدروس التي يمكن أن تساعد في تحسين استجابة الجهات الدولية الفاعلة ولفهم أفضل للديناميكيات الفاعلة اليوم في مدن وقرى سورية أخرى مستهدفة من قبل استراتيجية التهجير القسري الحكومية.
تقدم هذه الدراسة بداية خلفية عن مدينة حمص، ونظرة شاملة لمسار النزاع منذ بداية الاحتجاجات عام 2012 مرورا بالتدمير والتهجير لمعظم أنحاء مركز المدينة في حلول منتصف عام 2014. تبحث الدراسة في آثار الحصار والدور الذي لعبته الأمم المتحدة في تطورات ما بعد الحصار. المعلومات الواردة في التحليلات والنقاشات الموجودة في هذا التقرير هي نتيجة لعدة مقابلات ومحادثات وإحصائيات أجريت في الفترة ما بين عامي 2011 ـ 2014 مع سكان سابقين لمدينة حمص ممن تم تهجيرهم.
يظهر التقرير أن استراتيجية التهجير الحكومية في مدينة حمص هي نوع من أنواع الهندسة الديمغرافية التي تسعى للتلاعب بشكل دائم بالتعداد السكاني على أسس طائفية من أجل تمكين قاعدة السلطة الحكومية. واصل سكان حمص السابقون مواجهة الاضطهاد حتى بعد النزوح الأول ومعظمهم محاصر في مناطق أخرى من المحافظة حتى يومنا هذا. حدد الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات قائمة طويلة من الحواجز المادية والإدارية التي وضعتها الحكومة السورية والتي تمنعهم من العودة لمنازلهم. ونتيجة لذلك فقد تم استبعادهم فعليا من جهود إعادة الإعمار التي تبذلها الحكومة السورية بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة وبدعم من الدول الأجنبية المانحة.
في ظل هذه الظروف، قد يساهم الدعم الدولي لجهود الحكومة في إعادة إعمار أحياء حمص التي دمرتها وأخلتها من سكانها عمدا فظائع مماثلة في أماكن أخرى من خلال دفع “عوائد جرائم الحرب” للحكومة بدلا من تحميلها المسؤولية. والواقع أن “نموذج حمص” كان بمثابة مخطط لتدمير مواقع رئيسية أخرى مثل داريا وشرق حلب في عام 2016 وإخلائها.
إن حجم ونطاق وطبيعة التهجير القسري من أماكن كمدينة حمص يمثل تحديا هائلا أمام الاستقرار المستقبلي في سوريا. المصالحات الوطنية لن تتمكن من التقدم بدون معالجة القضايا المعقدة المتعلقة بالعودة للوطن وحقوق الملكية. في هذا المعنى، فإن جهود إعادة الإعمار المبكرة في مناطق مثل مدينة حمص والتي لا تراعي حساسية النزاع يمكن أن تعزز الظلم وتعمق الانقسامات الطائفية وتخلق مظالم جديدة من شأنها أن تقوض التقدم نحو الحل ووضع أسس الصراع المستقبلي.
يجب أن تبذل جهود إعادة الإعمار المادي في مناطق مثل مدينة حمص فقط كجزء من استراتيجية إنعاش شاملة تراعي حساسية النزاع وتجمع ما بين الدعم المشروط لإعادة الإعمار والجهود المبذولة لمعالجة حقوق وهموم وأولويات المهجرين.
تم إعداد هذا التقرير من قبل معهد سوريا بدعم من فريق باكس.
لتحميل نسخة PDF من التقرير باللغة: العربية ـ الإنكليزية
أدناه النص الكامل للتقرير: