حيرة الصحافي والمصور بين حق الملكية وحرية الإنترنت
«أذرع الأخطبوط» محاولة لتفعيل أثر القوانين في بلدان خارج الاتفاقيات
“الشرق الأوسط”- لندن: عادل درويش
مشروع إصدار قانون أميركي بشأن حقوق الملكية الإبداعية المتداولة على وسائل الاتصال الإلكترونية يثير جدلا عالميا، خاصة أن شبكة الإنترنت لم تعد قاصرة على أجهزة الكمبيوتر، بل امتدت لتشمل أجهزة الراديو والتلفزيون والتليفونات الجوالة (الموبايل)، مما وضع المنتجات الفنية والفكرية، والمهنية، خاصة الصور الفوتوغرافية، في متناول أصابع وأعين وآذان أي شخص يمسك بجهاز يعمل بالبطارية، يتصل بالإنترنت سلكيا أو لا سلكيا من أي مكان في العالم.
قبل الإنترنت كان صاحب الملكية (المؤلف – الملحن – المصور أو الناشر – الوكيل المتعاقد معه) يحصل على دخل من المستهلك، سواء كان قارئا أو مستمعا أو صحيفة، مقابل إعادة النشر أو البث أو الاقتباس (ما يزيد على 120 كلمة يتطلب إذنا مسبقا من صاحب العمل، الذي قد يطلب أجرا في القانون الإنجليزي).
الأمر بالنسبة لنا كصحافيين، ومؤلفي أعمال في الوقت نفسه، بالغ التعقيد. فمن ناحية ندعم فكرة فتح الإنترنت بلا قيود، ومجانا، لأنها أداة بحث يومية. ويناقض هذا مصالحنا كمؤلفين لأن الكتابة هي مصدر الرزق الوحيد. مثلا مؤلفاتي بالإنجليزية (ستة كتب وعشرات من الأبحاث التاريخية والسياسية) موجودة في المكتبات العامة البريطانية. عندما تعير مكتبة أحد هذه الأعمال لقارئ، تدفع مبلغا بسيطا (نحو ثلاثة قروش) إلى خزانة اتحاد المؤلفين البريطانيين، والذي يحول المبلغ إلى حسابي في نهاية العام.
ورغم زهد المبلغ فهي مسألة مبدئية وفق قانون حماية الملكية الفكرية. العام الماضي كان الدخل كله 87 جنيها وبالمقابل في عام 1995 (وكان رسم الاستعارة على الكتاب نصف قرش فقط وعدد مؤلفاتي أقل وقتها) زاد الدخل على 220 جنيها. الفارق أن القراء اليوم يطالعون الأعمال على الإنترنت، بدلا من استعارتها من المكتبات، ورغم مجانيتها في الحالتين، إلا أنه لا توجد جهة محددة يمكن لاتحاد المؤلفين الاتفاق معها قانونيا على دفع رسوم القراءة مثل اتفاقها مع المكتبات العامة قبل الحرب العالمية الأولى.
قوانين حماية الملكية الفكرية، صدرت قبل اختراع الإنترنت وحتى لو تمت إضافة ملاحق لها تشمل الإنترنت فلا توجد آليات للتنفيذ العملي.
الأمر في بداية الإنترنت في التسعينات كان بسيطا، وقارنها المؤرخون كثورة معرفية ومعلوماتية باختراع غوتنبرغ للطباعة في 1440، باعتبارها تنشر ديمقراطية المعلومات للفقراء، وتساعد الشعوب على تجاوز تزييف الديكتاتوريات للمعلومات والتاريخ (ولعبت دورا عظيما في ثورتي الياسمين التونسية واللوتس المصرية).
الضغوط بإصدار قوانين تطبق على الإنترنت ليست من عباد الله البسطاء من مؤلفين ومفكرين، بل من الشركات العملاقة المتعددة الجنسية في هوليوود، وشركات كسوني، وايي إم اي، ودور النشر الكبرى، (مجموعة مردوخ من تلفزيون وإذاعة ودور نشر وشركات إنتاج تلفزيونية أكبر ممول للحملة) تطالب الكونغرس والبيت الأبيض بإصدار تشريع أخطبوطي لحماية الملكية الإبداعية على الإنترنت.
أذرع الأخطبوط محاولة لتفعيل أثر القوانين في بلدان خارج الاتفاقيات حيث توجد المواقع الوسيطة shared downloads (والترجمة الاجتهادية) مشاركة المعلومات ظهرت في السنوات الأخيرة لتتيح فرصة الحصول على المنتجات الإبداعية مجانا، خاصة للتلاميذ والفقراء.
تحايل البعض في إطار قوانين البلد الذي سجلت فيه المواقع بتحويلها إلى ناد أو جمعية مستثناة من الضرائب، والرقابة المالية على الشركات التجارية، لأن العضوية بمبلغ زهيد كثلاثة دولارات شهريا أو 20 دولار سنويا. أعضاء النادي ينزلون على اللاب توب أو التليفون الجوال كل ما يريدون، في حين أن النادي يدفع، كفرد واحد، ثمن الأغنية أو الفيلم أو الكتاب، ويشارك فيه الأعضاء (من هنا تسمى المشاركة).
قوانين تنظيم الأندية التعاونية صدرت قبل الإنترنت، وأعضاء من بضعة مئات تعني ميزانية زهيدة. الإنترنت أوصلت العضوية لملايين جعلت من أصحاب هذه المواقع مليونيرات.
المؤسسات المحترمة كأمازون مثلا، تدفع الحقوق لأصحاب الإنتاج. شركات التليفون تستقطع أثمان الأغاني والموسيقى من المشترك وتدفع لأصحابه وهو الاستثناء لا القاعدة. «غوغل» مثلا تعتمد على أمانة الباحثين. محرك البحث يوجهك إلى آلاف المواقع الصحافية وتكتفي «غوغل» بتنبيه الباحث إلى «ضرورة التأكد من قانونية استخدامه الصور أو المواد» وغالبا ما لا تذكر اسم مالك حق النشر. لكن لا توجد آلية حقيقية لحماية حق المصور أو دار النشر أو المكتبة التي يتم تنزيل المعلومات من أرشيفها. فمثلا رغم عثوري آلاف المرات على كتاباتي معاد نشرها على الإنترنت، نادرا ما أتلقى استئذانا بالنشر ولا توجد آليات قانونية لاسترداد حقوقي.
أضافت المفوضية الأوروبية ملاحق لقوانين ملكية حقوق النشر التي يطالبون بتفعيلها ولقوانين الحماية التي يريدون من شركات خدمة الإنترنت معاقبة المشترك الذي حصل على مواد بلا إذن المؤلف بقطع الخط عنه أو تغريمه، وهذا لا يتم إلا بحكم قضائي في البلدان الديمقراطية، حيث يتعامل القضاء مع أفراد. أغلب خطوط أو موجات الإنترنت تنتهي بشبكة مصغرة (حتى في المنازل) إما عن طرق الأسلاك eathernet أو لا سلكية wifi. من المستحيل أن تثبت شركة الخدمة أمام القاضي أن المشترك نفسه هو الذي حصل على المعلومات وليس ابنه أو قريبه أو جار لا يعرفه أوصل جهازه بشبكة المشترك.
مواقع الخدمات التطوعية التي تقدم المعلومات مجانا، كدائرة المعارف الشعبية، «ويكيبيديا» ومواقع الإرشادات الصحية، ومساعدة الإقلاع عن التدخين، مثلا، هي أشد المدافعين عن حرية تدفق المعلومات، وتجادل بأن غير القادرين، خاصة الطلاب والباحثين سيكونون أكثر المتضررين. ولا تخلو صفحة معلوماتية على «ويكيبيديا» من Links أي الوصلات التي يفتح الضغط عليها ممرا إلى معلومات إضافية مخزنة في أرشيف مكتبة أو صحيفة، وإذا صدر القانون فإن كل ضغطة ستكلف «ويكيبيديا» دفع اشتراك لأصحاب الأرشيف، وستضطر «ويكيبيديا» إلى تحصيل ثمن الاطلاع من الباحث، بينما المجانية هي وراء شعبيتها. أضربت المواقع المجانية عن العمل لمدة يوم واحد في الأسبوع الماضي ووضعت رسالة تطلب الاشتراك في حملة لمطالبة البيت الأبيض والكونغرس بعدم تقنين الإنترنت.
أدى الإضراب إلى إطالة مدة البحث عن المعلومات، ووجدنا أنفسنا في حيرة. فمن ناحية نعاني كمؤلفين من استغلال جهودنا الفكرية بلا مقابل. ومن ناحية أخرى القيود التي تطالب بها الشركات العملاقة، ستعطل أعمالنا. ولا نعرف في أي خندق نقف. الطريف أن شباب الصحافيين أصابه الذعر يوم إضراب مواقع مثل «ويكيبيديا» وتاهوا كملاحين بلا خرائط وسط الأمواج.
نحن – العواجيز الباقين على قيد الحياة – ذكرناهم بأن الإنترت، والجوال والفاكس لم تكن اخترعت ونحن في أعمارهم. كنا نجمع أرشيفنا الخاص من كل قصاصة، أو معلومة ندونها من زيارة بلد أو مكتبة أو مقابلة خبير، ولم يعرف الذعر إلى قلوبنا طريقا، ونادرا ما عرفت الأخطاء المعلوماتية طريقها إلى مقالاتنا.