تعتبر سوريا البلد الأكثر خطورة في العالم على الصحفيين، وهذا لم يأت من باب الإنشاء أو التعاطف غير المحسوب، بل يعكس المناخ العام للمَقتَلة التي يتعرض لها الشعب السوري منذ ما يزيد عن ست سنوات، والتي تعتبر من أشد الحروب هولاً وعنفاً على مر التاريخ وفق اعترافات من الأمم المتحدة.
وبما أن الصحفي هو الباحث عن الحقيقة، وهو عين العالم وضميره، وليس طرفاً في النزاع ولا مشاركاً فيه، فلا يجوز تحت أي ظرف أن يفلت قاتله ومنتهك حقوقه من العقاب، وهو أمرٌ يوافقه الجميع وتنص عليه القوانين والأعراف الدولية، كما تسطّره مواثيق الشرف في جميع المؤسسات المتحضرة، و يؤكده منطق العدالة.
وبينما تطالب نصوص الأمم المتحدة وقوانينها بحماية الصحفيين خلال النزاعات المسلحة، إلا أن هذه التشريعات لم تجد طريقها للتنفيذ، حيث لم تتمكن لغاية اللحظة أية جهة، لا في إطار الأمم المتحدة ولا خارجه، أن تتخذ التدابير العملية للاستجابة لنداء صحفي جريح يستغيث في ميدان معركة، أو لإنقاذ صحفي يتفنن جلادوه في تعذيبه داخل أقبية الاعتقال، أو حتى لتلبية نداءات ذوي صحفي غيبته يد الإجرام دون أي خبر أو حتى مجرد إقرار بمكان وجوده.
شهدت سوريا مقتل ما يزيد عن 624 صحفيا وناشطا إعلاميا مدنيا خلال الفترة الواقعة ما بين آذار 2011 و حتى تشرين الأول 2017 من بينهم عشر صحفيات، وذلك بحسب مقاطعة أرقام كل من الشبكة السورية لحقوق الإنسان ورابطة الصحفيين السوريين، علاوةً على أعمال العنف غير المميتة التي يتعرض لها العاملون في الحقل الإعلامي بشكلٍ متواصل، مثل التعذيب والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والخطف والترهيب في ظل النزاع المسلح، دون أية مساءلة قانونية للأطراف المختلفة التي ترتكب هذه الأعمال وعلى رأسها النظام السوري وحلفائه إضافةً للتنظيمات الإسلامية المتطرفة كداعش وجبهة النصرة وغيرهما وبعض التنظيمات المسلحة.
ووفقاً لما وثقه المركز السوري للإعلام وحرية التعبير فإن 30 صحفياً وناشطاً إعلامياً مدنياً قتلوا في سوريا منذ بداية العام الحالي وحتى تشرين الأول 2017، مقابل 43 صحفيا قتلوا خلال العام الماضي، ورغم تراجع أعداد القتلى، فإن هذا لا يعني تحسن أوضاع الإعلاميين العاملين داخل سوريا وظروف عملهم، فحجم المخاطر المحيطة بهم من مختلف الأطراف متزايدة، ما يؤكد ضرورة الحاجة إلى آليات صارمة لمحاسبة مرتكبي الجرائم.
أما عالمياً فوثقت منظمات عالمية (حملةالشارة الدولية) مقتل ما يقارب 84 صحفيا حول العالم منذ بداية العام 2017 حتى تشرين الأول 2017 مقابل 104 صحفيين قتلوا خلال العام الماضي.
حثت الأمم المتحدة، في قرارها رقم 163/68 والذي على أساسه عينت يوم 2 تشرين الثاني ليكون يوماً دولياً لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، أعضاءها على اتخاذ تدابير محددة لمكافحة ثقافة الإفلات من العقاب المتفشية حالياً، ورغم كون سوريا عضواً في الأمم المتحدة، إلا أن القوات الحكومية تأتي على رأس مرتكبي عمليات القتل بحق الصحفيين في سوريا، دون أدنى اكتراث بما تطلبه الأمم المتحدة. وفي مقاربة بسيطة للأرقام العالمية والسورية، نجد أن معدل الاستهداف والقتل في سوريا يصل إلى نحو صحفيين3 من أصل كل 8 صحفيين يقتلون على مستوى العالم.
إن الإفلات من العقاب يشكل خطراً حقيقياً إضافياً على العاملين في الحقل الإعلامي كونه يخدم استمرار الجريمة ويعطي مساحةً للأطراف الفاعلة من أجل التمادي في ممارسة الانتهاكات دون أي رادع، وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الإفلات من العقاب فإن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير يطالب هيئة الأمم المتحدة بما يلي:
- ضرورة الوصول إلى معاهدة دولية لمكافحة الإفلات من العقاب تتضمن آليات رادعة وفعالة لحماية الصحفيين، ومحاسبة الجهات التي لا تستجيب للمعايير الدولية.
- إنشاء محكمة خاصة دائمة بالجرائم المرتكبة بحق الصحفيين.
كما يطالب المركز السوري للإعلام وحرية التعبير جميع أطراف الصراع في سوريا وعلى رأسها السلطات السورية بالآتي:
- إطلاق سراح جميع معتقلي/ات الرأي والاعلاميين/ات بشكل فوري وغير مشروط.
- الكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرياً.
- فتح تحقيقات علنية وشفافة بجميع الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في سوريا.
- تسليم رفات الضحايا من الإعلاميين/ات وضحايا حرية الرأي والتعبير إلى ذويهم.