الرقابة في لبنان… دقّْـت ساعة التغيير
مشروع قانون لحماية الإبداع
برون ــ الولايات المتحدة تعقد «مهارات» و«مرصد الرقابة» اليوم مؤتمراً لإطلاق مسودّة مشروع قانون لحماية المبدعين من نير الرقابة. المبادرة تتزامن مع منع عرض فيلم «بيروت بالليل»
صحيفة "الأخبار": سناء الخوري
الضجّة المثارة حول منع فيلم «بيروت بالليل» لدانيال عربيد لا تعدو كونها «حملةً دعائية» بحسب مكتب شؤون الإعلام في المديرية العامّة للأمن العام. يصرّ الرقيب اللبناني على تحميل مسؤولية المنع لـ… مخرجة الفيلم، ومنتجته سابين صيداوي! «حين حصلتا على إذن تصوير عام 2010، وافقتا على التعديلات التي أضفناها على السيناريو، ثمّ صوّرتا شيئاً آخر»، يقول مصدر في المكتب في اتصال مع «الأخبار»، طالباً عدم الكشف عن اسمه. تغسل الرقابة إذاً يديها من دم الشريط الممنوع: «كلّ ما فعلناه هو تطبيق قانون 1947، الذي يكلّفنا بمهمة منح إجازات عرض»، لكن ألا يحدّ هذا القانون البالي من حريّة التعبير التي يكفلها الدستور؟ «إن أقرّ مجلس النوّاب قانوناً عصرياً، ولم أنفذه، فعندها تعالوا وحاسبوني»، يقول المسؤول في الأمن العام…
يؤكّد المحامي نزار صاغيّة «أنّ الرقابة المسبقة على النصّ، وفرض تعديلات عليه قبل تصويره، رقابة غير قانونيّة». القانون المذكور يعطي الأمن العام صلاحية مراقبة الأفلام قبل عرضها، لا قبل تصويرها، ولا يمنحه حقّ تحوير النصوص أو تعديلها. بحسب صاغيّة، يكمن جوهر المشكلة هنا: «إن أراد كلّ مخرج تفصيل عمله على قياس ما يرضي الرقابة، يصير سقف إنتاجنا السينمائي هو سقف ما تسمح به السلطة». ويشير الحقوقي إلى أنّ الرقابة المسبقة لا تجري حرصاً على التشريعات، بل «حمايةً لأصحاب النفوذ». في الكتاب الذي أنجزه لـ «مرصد» مع المحاميتين نائلة جعجع، ورنى صاغيّة تحت عنوان «أعمال الرقابة قانوناً»، يشير نزار صاغيّة إلى أن «الأمن العام لا يخفي أنّ عدداً من سياساته الرقابيّة مبنيّ على آراء هيئات دينية أو مطالبها، على نحو يؤكد وجود مطبخ داخلي يصعب جداً الولوج إليه».
وعلى طريق إقرار قوانين عصريّة تكفل حريّة الإبداع في لبنان، دعت جمعيّة «مهارات» و«مرصد الرقابة» ـــــ تحرُّك مدني من أجل إعادة النظر في قوانين الرقابة في لبنان ـــ إلى مؤتمر صحافي يعقد عند الحادية عشرة من صباح اليوم في صالة «متروبوليس أمبير صوفيل». سيخصص اللقاء لإطلاق مبادرة «قانون حرية الأعمال السينمائية والأعمال المصورة»، وهو مشروع طليعي يهدف إلى تحرير السينمائيين اللبنانيين من أحكام قانون 1947، وإعتاقهم بالتالي من نير الرقابة المسبقة، وقراراتها العبثية. يرتكز القانون المقترح على أبحاث موثقة قدّمها كتاب «أعمال الرقابة»، الذي أُنجز بعد سنتين من العمل، شملت مراجعة دقيقة لكلّ حالات الرقابة التي عايشها الفنانون خلال السنوات الماضية. «ستضغط الجمعيات الناشطة في الحملة لإيصال النصّ القانوني الجديد إلى مجلس النوّاب، ورفع الوعي بشأن أهميّة وجود تشريع يحرر الأعمال السينمائية، وفتح النقاش في الفضاء العام مع المثقفين والأكاديميين والمواطنين لترسيخ أهميّة هذا القانون في الوعي الجماعي»، تقول ليال بهنام، مسؤولة المشاريع في جمعيّة «مهارات».
إن أُقرّ القانون المرتقب، فسيصير في إمكان السينمائيين تصوير أفلامهم من دون موافقة مسبقة على السيناريو. أمّا الرقابة على العرض، فستصير بيد لجنة من المختصّين التربويين والنقاد، مهمّتها تصنيف الأعمال بحسب ملاءمتها للفئات العمريّة، لا محاكمتها رقابياً بسبب مضمونها كما هي الحال الآن. تفاصيل أخرى تتعلّق بحيثيات القانون سيكشف عنها نزار صاغيّة في المؤتمر الصحافي اليوم. ومن أبرزها تكريس حرية الإنتاج والعرض، لما لها من أثر في تطوير عجلة الصناعة السينمائية، وفي ضمان حريّة النقاش المفتوح في القضايا العامّة. المسرحيّة حنان الحاج علي، التي ستتحدّث باسم «مرصد الرقابة» في مؤتمر اليوم، تؤكّد أنّ الحملة ستطالب «بالتوقّف عن معاملة المشاهد اللبناني ككائن قاصر». بنبرة غاضبة تقول الممثلة: «أمام كلّ ما يحصل حولنا في العالم العربي، يجب أن يتوقّف القبول بالإذلال الذي تمارسه الرقابة بكل أشكالها، مروراً بالمفتي والبطريرك والأحزاب». وتحيل الحاج علي على تجربة مسرحيّة «مجدلون» (1969) الرائدة، قائلةً «آن الأوان لنخرج عن أطر الاعتراض التقليدي». مشروع «قانون حرية الأعمال السينمائية والأعمال المصورة» سيضيء زوايا مظلمة في التجربة الرجعيّة للرقابة اللبنانيّة… هذه الرقابة التي تحرص السلطات الدينية والسياسية بمختلف أطيافها، على إبقائها خنجراً في خاصرة الحريات.