الذهبي غيت في الأردن: إعترافات بفبركة قائمة الصحافيين “القبيضة” وتداعيات متوقعة تهدد العالم السري في العلاقة بين الأمن والإعلام
بسام البدارين
عمان ـ “القدس العربي”: رغم إعتراف ناشر إحدى الصحف الإلكترونية المحلية في عمان بأن تبنيه لقائمة الصحافيين “القبيضة” ليس أكثرمن فبركة وسقطة أخلاقية ومهنية تستوجب الإعتذار.. رغم ذلك لم يعد من المتوقع أن تنتهي عاصفة الجدل التي أثارتها رسالة غامضة بالبريد الإلكتروني طوال خمسة أيام في البلاد.
وأغلب التقدير أن التأثيرات السلبية على سمعة الصحافة والصحافيين أصبح من الصعب إعادة إنتاجها وأن الوسط الصحافي سيبقى في حالة التجادل والتنابز والفرقة والخلاف وقد يكون ذلك هو الهدف من المسألة برمتها.
ولا أحد في الوسط الصحافي يعرف حتى الآن كيف ولدت قائمة القبيضة المفترضة التي نشرت الأحرف الأولى من أسماء نحو 50 صحافيا وكاتبا تقول الرسالة بأنهم أداروا بالمال والأعطيات معركة لصالح مدير المخابرات الأسبق المثير للجدل الجنرال محمد الذهبي.
ولا أحد يعرف بالتوازي الظروف والإعتبارات التي دفعت أحد ثلاثة ناشرين روجوا للقائمة إياها لإنكار القائمة ونشرها والإعلان عبر بيان صحافي وبلغة حاسمة وفاصلة بأنها مفبركة وليست صحيحة معترفا بأن نشرها كان سقطة أخلاقية وأغلب التقدير أن نشر القائمة ثم الإعتذار عنها على هذا النحو سيصبح قرينة بعد الآن بيد السلطات على حجم الضرر الذي تنتجه ‘الصحافة الرديئة’ خصوصا تلك التي تتربع على الخريطة الإلكترونية ولا يمكن ضبطها عبر التشريعات الحالية ولا عبر مؤسسة نقابة الصحافيين.
الكاتب الصحافي المؤسس لعدة مواقع إلكترونية ناصر قمش قال تعليقا على المسألة بأنه لا يمكن اخذ هذه القائمة على محمل الجد بسسب تنافيها مع الضوابط الأمنية التي تعتمد السرية والكتمان في كل تفاصيلها، وهذه التفاصيل ليست عرضه للاجتهاد أو نهبا للتنبؤ والتكهن من قبل البعض ما لم يتم اعلانها بشكل رسمي حتى في اعرق الديمقراطيات في العالم.
يقدر قمش في مقال مهم نشرته يومية ‘الدستور’ أمس بأنه لم يسبق لاجهزة الدولة أن كشفت عن صلاتها بأي من مصادرها سوى مرة واحدة حينما مثل احد مسؤوليها في محكمة امن الدولة، واكد تلقي احد العاملين في الصحافة مكافاة شهرية، وذلك في سياق الحرص على احترام الحقيقة في حضرة القضاء أكثر من كونه رغبة في خلط الاوراق وبعثرتها، ذلك ان التحفظ على نشر الاسماء المزعومة يلقي بظلال من الشبهات حول الاهداف التي تقف وراء عدم اعلانها بشكل صريح للرأي العام، الا اذا كانت الغاية هي التضليل بحد ذاته وتدمير الاعلام على مذبح الشائعات والاتهامات وحرق الاخضر واليابس في بيدر الاعلام.
قمش قال لـ’القدس العربي’ لاحقا بأن أي رعاية ‘رسمية’ عن بعد لنشرهذه القائمة ستكون مجازفة تهدد الفراش المفترض معتبرا أنما جرى أشبه بمحاولة لملاحقة فأر صغير دخل الحديقة بإحراق البيدر كله للقضاء على الفأر.
وما حصل هنا عمليا يثبت ‘سابقة’ كانت الحكومة تتذرع بها دوما وهي تسعى لتقييد حريات المواقع الألكترونية فالمواقع الثلاثة التي نشرت ‘الذهبي غيت’ كما سميت تدار من قبل أشخاص ليسوا أعضاء في الهيئة العامة لنقابة الصحافيين ولا يشملهم غطاؤها ولا قانونها وبالتالي لا يمكن مساءلتهم أو تأديبهم نقابيا، وهؤلاء مدعومون حسب الإنطباع العام من موظفين بيروقراطيين أو أمنيين يوفرون لهم الغطاء.
وعلى هذا الأساس ستثير المسألة مجددا سؤال الصحافة الإلكترونية والأشباح التي تديرها وبعض المغامرين والمراهقين الذين لم يسبق للوسط الصحافي أن عاينهم أو إختبرهم، الأمر الذي قد يمهد في الواقع للإنقاض مجددا على حريات الإعلام الإلكتروني تحت وطأة الصدمة التي عاشها الوسط الصحافي خمسة أيام وإنتهت بأن طلبت نقابة الصحافيين من النائب العام التحرك والتحقيق في قضية من الواضح أن الجميع سيتأذى منها لإنها تتحدث عمليا عن ذلك العالم السري الذي يحكم العلاقة ليس في الأردن فقط بل في العالم بين الأمن والإعلام كما يلاحظ قمش.
الجدل حول ‘ذهبي غيت’ ذات المواصفات الإعلامية هذه المرة مرده التطنيش المتواصل ومنذ سنوات طويلة لظاهرة إحتواء الصحافيين وعدم بذل الجهد الكافي من كل الحكومات المتعاقبة لتعزيز إستقلالية العمل الصحافي، كما يرى رئيس مركز حماية وحريات الصحافيين نضال منصور وهو يكرر أمام ‘القدس العربي’ مطالبة الحكومة ببيع أسهمها في الصحف والإنسحاب من ملكية المؤسسات الصحافية.
وسواء كان إعتراف أحد الناشرين بالسقطة الأخلاقية والمهنية محصلة لصحوة ضمير أو ضغط جانبي من أي جهة فالخارطة تقول بأن النتائج نفسها اليوم، فالصحافة متشظية والإنطباع العام بأن الحكومة تتهيأ لتأديب المواقع الإلكترونية والأهم أن العوالم السرية التي كان يشعر بها الصحافيون في العلاقة بين الأمني والمهني أصبحت متاحة للجدل والتهافت وإلى حد ما الفضائح.
والأضرار بصرف النظر عن خلفية العملية برمتها كبيرة جدا ولن يتجاوزها الإعلام المحلي ببساطة أو بسرعة فبعض الأسماء التي شوهها ‘صغار المهنة’ كبيرة جدا وبعضها الأخر نافذ ولا يحرك المتجاذبين في الوسط الصحافي اليوم إلا الإنطباع الجماعي بأن جهة رسمية ما لعبت هذه اللعبة لأغراض تكتيكية تحقق فعلا معظمها.
عليه حصل التفكيك فالجسم الصحافي ضد بعضه اليوم والصحافة الإلكترونية إنهارت مصداقيتها وظهرت عدة قوائم مماثلة وبالإسم الصريح على مواقع التواصل والنخب السياسية برمتها تتحدث عن الموضوع والمساحة مشغولة بكل أنواع تصفية الحسابات.
لكن ما لم يتضح بعد هو إجابة شافية على السؤال التالي: بعدما حصل التفكيك كيف ومن سيجمع التداعيات؟.. الأهم: كيف سيصدق المستوى الإعلامي نظيره الأمني بعد الآن خصوصا بعد إستعمال صحافيين وصفهم الكاتب باسم سكجها بأنهم ‘مجرد أولاد‘؟