مائة يوم على خيانة الثورة

مئة يوم تمر على خيانة الثورة السورية التي بدأت بتاريخ 15 آذار 2014 عامها الرابع. مئة يوم منذ 9 كانون أوّل 2013 تاريخ اختطاف الناشطة الحقوقية والكاتبة رزان زيتونة وزوجها الناشط السلمي وائل حمادة، ومعهما كل من سميرة الخليل المُعتقلة السياسية السابقة (198701991) لكونها من أعضاء حزب العمل الشيوعي, والشاعر والمحامي ناظم حمادي, حين دهم ملثمون مجهولو الهوية المكتب المشترك لمركز توثيق الانتهاكات (VDC)، والتنمية المحلية ودعم المشاريع الصغيرة (LDSPS) في دوما، وهي جزء من الغوطة الشرقية- ريف دمشق. تقع هذه المنطقة تحت سيطرة عدد من جماعات المعارضة المسلحة وتحاصرها القوات الحكومية.

مئة يوم شهد تنديد الاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوقية دولية عدّة (أكثر من 16 منظمة دولية وعربية وسورية), كما استنكاراً واسعاً من مثقفين ونشطاء سوريين وعرب لحادثة الاختطاف، الذي هو جريمة ضدّ الإنسانية. إذ وبحسب “إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري” الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18 كانون الأول 1992, برقم 47/133، والذي يذكر بالحماية التي تمنحها لضحايا المنازعات المسلحة اتفاقيات جنيف المعقودة في 12 آب 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977، تنص المادة الأولى منه:

(يعتبر كل عمل من أعمال الاختفاء القسري جريمة ضد الكرامة الإنسانية).

نؤكد في “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” على واجب الجماعات المُسيطرة (المُسلحة والسياسية) في المناطق الخارجة عن سيطرة القوات الحكومية ومنها منطقة الغوطة الشرقية بحماية المدنيين فيها, ونحمّلهم مسؤولية حياة المُختفين قسراً الأربع، وسلامتهم، ونطالبها بالكشف الفوري عن مكان احتجازهم, وإحالة الخاطفين للمحاكمة العلنية العادلة, وتتحمّل هذه السلطات كل المساءلة القانونية اللاحقة والمترتبة على صمتها أو مشاركتها هذه الجريمة، إذ:

(- بالإضافة إلي العقوبات الجنائية الواجبة التطبيق، يجب أن تترتب علي أعمال الاختفاء القسري المسؤولية المدنية لمرتكبيها والمسؤولية المدنية للدولة أو لسلطاتها التي نظمت عمليات الاختفاء المذكورة أو وافقت عليها أو تغاضت عنها.

– لا يجوز التذرع بأي أمر أو تعليمات صادرة عن أي سلطة عامة، مدنية كانت أو عسكرية أو غيرها، لتبرير عمل من أعمال الاختفاء القسري. ويكون من حق كل شخص يتلقى مثل هذه الأوامر أو تلك التعليمات ومن واجبه عدم إطاعتها.

– لا يجوز اتخاذ أي ظروف مهما كانت، سواء تعلق الأمر بالتهديد باندلاع حرب أو قيام حالة حرب أو عدم الاستقرار السياسي الداخلي أو أي حالة استثنائية أخري، ذريعة لتبرير أعمال الاختفاء القسري).

المواد 5-6-7-من الإعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.

كما نشدّد على ما نصّت عليه الفقرة الأولى من المادة 17 (يعتبر كل عمل من أعمال الاختفاء القسري جريمة مستمرة باستمرار مرتكبيها في التكتم علي مصير ضحية الاختفاء ومكان إخفائه، وما دامت هذه الوقائع قد ظلت بغير توضيح).

علماً أنّ رزان زيتونة ملاحقة أمنياً منذ أشهر الثورة الأولى لنشطاها ومشاركتها في دعم الاحتجاجات المؤيدة للتغيّر في سوريا, ولاحقاً لعملها في على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومة السورية في سياق الصراع الدائر في سوريا عبر “مركز توثيق الانتهاكات”، وهو ما اضطّرها أخيراً إلى الذهاب إلى الغوطة, حيث أسّست مكتب “التنمية المحلية ودعم المشاريع الصغيرة” الذي يهتم بتوفير المساعدة الإنسانية، وبخاصة دعم النساء في منطقة الغوطة.

تخرّجت زيتونة الحاصلة على العديد من الجوائز الدولية من كلية الحقوق في دمشق عام2000, وكانت عضواً في فريق الدفاع عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي منذ ذلك الوقت. عام 2005 أسسّت “رابط معلومات حقوق الإنسان في سوريا” ليكون بمثابة قاعدة بيانات لانتهاكات الحكومة السورية لحقوق الإنسان في البلاد، كذلك فإنّ المحامي ناظم حمادي عُرِفَ بعمله التطوّعي في فرق الدفاع عن معتقلي “ربيع دمشق” و”إعلان دمشق”.

 إن التهادن في كشف مصير المخطوفين الأربع, واستمرار الصمت على هذا العمل الذي هو في جوهره خرق واضح لكل القيم والمبادئ التي انطلقت من أجلها الثورة المطالبة بالتغيير في سوريا، يتجاوز في دلالاته الغايات المباشرة من كونه عملاً يهدف للقضاء على أي صوت مدني، سلمي، متنوّع طائفياً وفكرياً وثقافياً كما هي سوريا، يتجاوز هذه الدلالة ليكون تهديداً لمستقبل سوريا بأن تبقى دوماُ مسرحاً لانتهاكات كرامة وحقوق الإنسان.