لجنة الأمم المتحدة للتحقيق: ينبغي بشكل ملح مراعاة مطالب الضحايا والعائلات بتحقيق العدالة في ظل الدمار الذي لحق بالرقة ودير الزور

 

جنيف – السادس من آذار/مارس – عانى ضحايا النزاع السوري بشكل كبير خلال الثمانية أشهر الأخيرة، بعد أن بلغت أعمال العنف مستويات غير مسبوقة في كل أنحاء البلاد، وفق التقرير الأخير للجنة التحقيق الدولية التي تعمل بتفويض من الأمم المتحدة. ويؤرخ التقرير للانتهاكات التي حدثت خلال الفترة بين يوليو/تموز 2017 ويناير/كانون الثاني 2018 ، بما في ذلك الحملات العسكرية التي أخرجت تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) من الرقة ودير الزور، والتي أدت إلى تدمير أجزاء كبيرة من البنية التحتية المدنية والسكنية، وكذلك إلى موت عدد لا يعد ولا يحصى من الضحايا.

ووثقت اللجنة بشكل خاص تصاعد وثيرة العنف في محافظة إدلب والغوطة الشرقية، التي كانت محط َّ اهتمام خاص من المجتمع الدولي خلال أغلب فترات الشهرين الأول والثاني لعام 2018.

إن التقرير الذي أ عد بالاستناد إلى ما يفوق 500  مقابلة، يثبت إفلات مرتكبي الجرائم بشكل تام من العقاب، وذلك من خلال تأريخ الجرائم والانتهاكات المرتكبة من جانب كل أطراف النزاع، ويشمل ذلك الهجمات المتعمدة والعشوائية التي تستهدف المدنيين والأعيان المحمية، والتجويع، والإيداع التعسفي في مراكز الاحتجاز، واستخدام الأسلحة الكيماوية.
وقال رئيس اللجنة باولو بينيرو: “حرمان الضحايا والناجين من الأشكال المعقولة للعدالة، على الرغم من الانتهاكات الواسعة النطاق، أمر يظل عصيا على الفهم. ينبغي إيلاء العناية اللازمة لسبل الانتصاف التي لا تقتصر على المطالبة بالعدالة الجنائية والتي تسمح، على سبيل المثال، بالتصدي لأوضاع عشرات الآلاف من المحتجزين أو بالمساءلة بشأن المختفين أو المختطفين.”

وتشمل التوصيات التي تضمنها  التقرير المطالبة بإطلاق سراح الأطفال والنساء والمسنين والمعوقين بشكل فوري، والسماح لهيئات الرصد المستقلة بالنفاذ إلى أماكن الاحتجاز، بما فيها تلك التي أنشأتها مجموعات مسلحة.
إن العمليات الهجومية العسكرية لإلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في محافظتي الرقة ودير الزور، وإن مكنت على ما يبدو من إبعاد هذه الجماعة الإرهابية، شهدت معارك باهظة التكلفة بالنسبة للمدنيين. إن التحالف الدولي، وحتى قبل بدء حملة استعادة الرقة، قد فشل في اتخاذ كل الإجراءات الوقائية الممكنة من أجل حماية المدنيين والأعيان المدنية عندما شن هجمة جوية على المنصورة أدت إلى قتل 150 نازحاً داخلياً، من بينهم نساء وأطفال. كما استُخدم سكان الرقة، المحتجزون في مدينة محاصرة فعلياً، كدروع بشرية من طرف داعش، شأنهم شأن غيرهم في دير الزور.

وأدّت العمليات الجوية والأرضية لإلحاق الهزيمة بداعش إلى وقوع أكبر موجة وحيدة للنزوح الداخلي منذ بداية النزاع. وغادر المئات من الآلاف من السوريين، رجالا ونساء وأطفالا، فرارا من مواقع الاشتباكات للاستقرار في مخيمات في مناطق معزولة شمال سوريا، حيث تحتجز قوات سوريا الديمقراطية ما يناهر 80 ألف شخص من النازحين للتدقيق بشأن أية صلة محتملة بداعش.
وقالت المفوضة كارين أبو زيد: “الاحتجاز العشوائي للنازحين من الرقة ودير الزور من طرف قوات سوريا الديمقراطية، أمر لا يمكن تبريره”، كما أضافت: “مخيمات النازحين تلك تكاد تنعدم فيها الموارد وتزيد من معاناتهم. ينبغي السماح لهؤلاء المدنيين بالمغادرة إن هم أرادوا ذلك.” إن انتهاكات قوات سوريا الديمقراطية التي وثّقها التقرير تشمل التجنيد القسري، بما في ذلك تجنيد الأطفال.
ولازالت أماكن العبادة ومراكز الدفاع المدني والبيوت والمرافق الطبية والأسواق والمخابز والمدارس، تتعرض كلها للاستهداف بشكل منتظم، مع إفلات كل الأطراف المتحاربة من العقاب.
وخلال إحدى الهجمات الأكثر دموية شنّ سلاح الجو الروسي يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني هجمات استهدفت إحدى المناطق المدنية التي تشهد أكبر كثافة سكانية في الأتارب (حلب)، مما أدى إلى مقتل 84 مدنياً بالإضافة إلى إصابة 150 شخصا. إن الهجمة التي شهدت استخدام أسلحة غير موجّهة واستهداف سوق ومركز للشرطة ومحلات ومطعم، قد ترقى إلى جريمة حرب.
وتميَّز حصار الغوطة الشرقية، الذي يشهد عامه الخامس، بالاستخفاف المتزايد من حيث انتقاء وسائل وأساليب الحرب، وهو ما أدى إلى أكثر الحالات الموثّقة فداحةً لسوء التغذية الحاد الشديد طوال فترة النزاع السوري. كما أن الهجمات العشوائية التي تستهدف المدنيين والأعيان المحمية، واستخدام الأسلحة الكيماوية والذخائر العنقودية، والاستمرار في منع الإجلاء الطبي تظل السمة المميزة لهذا الحصار. وواصلت المجموعات المسلحة ضمن المنطقة المحاصرة قصفها العشوائي على مدينة دمشق، وهو ما يرقى إلى جرائم حرب تؤدي إلى قتل وتشويه عشرات المدنيين.
وقال عضو اللجنة هاني مجالي: “حتى في حال التزام الدولة بمكافحة الإرهاب، وفق ما تذكر، ليس هناك مايبرر معاقبة كل السكان من خلال التجويع والقصف العشوائي ومنع الإغاثة الطبية والإنسانية”، قبل أن يضيف “تميز هذا النزاع بالتجاهل التام لقواعد الحرب. يتعين على كل الأطراف رفع كل حالات الحصار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية والامتناع عن استخدام الخطط التي تستهدف المدنيين أساساً”.