بيان في اليوم العالمي للحق في معرفة الحقيقة

24 آذار/مارس اليوم الدولي للحق في معرفة الحقيقة فيما يتعلق بالانتهاكات

 الجسيمة لحقوق الإنسان واحترام كرامة الضحايا

تعرض المحتجزون لدى القوات الحكومية منذ بداية النزاع لشتى أنواع العنف والتعذيب والمعاملة الغير إنسانية التي وصلت حد القتل. كما أنشأت مجموعات المعارضة المسلحة أيضاً أماكن احتجاز سرية تعرٌض فيها المحتجزون لسوء المعاملة والإعدام التعسفي بعد محاكمات غير مشروعة. وتوفي بعض الرهائن لديهم أثناء وجودهم في الاحتجاز. هذا وقد أنشأت هيئة تحرير الشام مقار احتجاز سرية في مناطق سيطرتها وتم توثيق وفيات أثناء الاحتجاز فيها وعمليات إعدام بحق خصومها. كما ارتكَبت جرائم حرب تتمثّل في القتل والمعاملة الغير انسانية والتعذيب. بدوره أَخضع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المحتجزين لاعتداءات خطيرة، بما في ذلك التعذيب والإعدامات الميدانية. وارتَكَب جرائم ضد الإنسانية تتمثّل في القتل والتعذيب وجرائم الحرب. مارست قوات الإدارة الذاتية أيضاً انتهاكات خطيرة في المناطق التي تسيطر عليها شملت الاعتقال والتعذيب والاخفاء القسري وغير ذلك من الأعمال اللاإنسانية. 

أدى فشل جميع الأطراف في التعامل مع المحتجزين وفقاً لقواعد قانون حقوق الإنسان وغيرها من القوانين الدولية المتصلة، وعدم اعترافهم بمسؤوليتهم عن الانتهاكات ورفضهم اتخاذ أي خطوات فعالة لتصحيح ذلك إلى انتشار ثقافة التهرب من المساءلة، الأمر الذي شجع على مزيد من التجاهل لحقوق المدنيين والتحريض على الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة في مختلف المناطق والمدن السورية. كما ساهم المجتمع الدولي في تفاقم الفوضى وانعدام الأمان، عبر تقاعسه عن التدخل لإنهاء الفوضى الحاصلة في البلاد.

يعتبر الحق في معرفة الحقيقة في سياق الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والتجاوزات الجسيمة للقانون الإنساني حقاً لذوي ضحايا الإعدام التعسفي والاخفاء القسري والأشخاص المفقودين والأطفال المختطفين وضحايا التعذيب، حيث يطالب ذووهم بمعرفة ماذا حدث لأحبائهم وأقاربهم. ويعني الحق في معرفة الحقيقة معرفة الحقيقة كاملة دون نقصان فيما يتعلق بالوقائع التي يكشف عنها، والظروف المحددة التي أحاطت بها، ومن شارك فيها، بما في ذلك معرفة الظروف التي وقعت فيها الانتهاكات، وكذلك أسبابها.

توسع مفهوم الحق في معرفة الحقيقة ليشمل المجتمع بعد أن كان مقتصراً على حق العائلات في معرفة مصير أقاربهم. ففي عام 1998، أقرت لجنة الحقيقة , المعروفة باسم ” لجنة ريتنغ”  في تقريرها المتعلق بالقضية المرفوعة ضد شيلي، لأول مرة، أن “المجتمع ذاته له الحق غير القابل للتصرف في معرفة الحقيقة بشأن الأحداث الماضية، وكذلك الدوافع والظروف التي ارتكبت فيها الجرائم من أجل منع تكرار مثل هذه الأفعال في المستقبل”. وطورت على مر السنين المجتمعات المدنية في البلدان المتضررة من العنف جنبًا إلى جنب مع خبراء من مختلف التخصصات آليات مختلفة للبحث عن الحقيقة، وهي ليست بدائل للملاحقة الجنائية وإنفاذ القانون الدولي، فلا سبيل للوصول للسلام المستدام إلا عبر  العدالة. 

أسهمَ القانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان في إرساء الحق في معرفة الحقيقة. حيث نصت المواد 32 و33 و34 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 لأول مرة على الحق في معرفة مصير الأقارب المفقودين والمتوفين، لكن تطبيقها اقتصر على النزاعات المسلحة. كما أن الحق في معرفة الحقيقة منصوص عليه في المادة 24 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006: لكل ضحية الحق في معرفة الحقيقة فيما يتعلق بظروف الاختفاء القسري، سير التحقيق ونتائجه ومصير المختفي”.

خطوات هامة على طريق الحقيقة والعدالة المرجوة:

 

  • بتاريخ 24 شباط/ فبراير 2021 أصدرت المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز أول حكم الإدانة في جرائم التعذيب في سوريا ضد إياد غ. الذي كان يشتغل منصب متدني في جهاز الاستخبارات-الفرع 251 المعروف باسم فرع الخطيب بدمشق والذي أدين بالتواطؤ لارتكاب جرائم ضد الإنسانية من خلال التعذيب والحرمان المشدد من الحرية، وتضمن القرار الحكم على أياد غ. بالسجن لمدة أربع سنوات وستة أشهر، حكماً قابلاً للاستئناف. وتم النظر إلى هذه الخطوة، كخطوة أولية وغير مسبوقة في مسار الحقيقة والعدالة المرجوة ومنع مناخ الإفلات من العقاب الذي ظل سائداً طوال السنوات الماضية. وتماشياً مع أن الحق في معرفة الحقيقة مرتبط بصورة وثيقة بالتزام الدول بمكافحة الإفلات من العقاب والقضاء عليه. 
  • بتاريخ 02 شباط/ فبراير 2021 أطلقت مجموعة من خمس روابط سوريّة، تمثّل جميعها الضحايا والناجين/ات وأفراد أسر ضحايا الإخفاء القسري والاعتقال التعسّفي والإعدام خارج نطاق القانون والتعذيب والانتهاكات الجنسيّة في سوريا، “ميثاق الحقيقة والعدالة” الذي يُعتبر بمثابة نداء الاستغاثة الجماعي الأوّل من أجل إنصاف هؤلاء الضحايا. دعى الميثاق إلى أن يكون الضحايا وأسرهم في مركز مسار العدالة والحقيقة والمحاسبة من أجل الدفاع عن حقوقهم وإرساء الأسس لدولة سورية تحترم حقوق وكرامة مواطنيها. وطالب بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين والمعتقلات وكشف مصير المخفيين والمخفيّات قسراً قبل أي حديث عن مستقبل لسوريا أو عملية تفاوضية. ودعى أيضاً للالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن ذات الصلة بخصوص الأشخاص المفقودين في النزاعات المسلحة. وضرورة كشف حقيقة ظروف الوفاة ومكان الرفات، خاصة المعتقلين الذي توفوا في مراكز الاحتجاز، وتسليم أهالي المتوفين جثامين أبنائهم للعمل على دفنها بشكل لائق، وتفعيل الرقابة على المقابر الجماعية، وضمان عدم العبث بالأدلة وحفظها وفق المعايير الدولية وتيسير وصول وعمل المنظمات الدولية المتخصصة، وذلك لضمان تحديد هوية الضحايا. 
  • في 09 كانون الأول/ ديسمبر 2013، اقتحمت مجموعة من المسلحين المكتب التابع لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا، وقاموا باختطاف النشطاء الأربعة  رزان زيتونة، سميرة الخليل، وائل حمادة، وناظم حمادي،  ولم تُعرف بعدها أي معلومات عن مكانهم. منذ ذلك الوقت وحتى الآن لم يتم اتخاذ  أي  خطوات حقيقية من شأنها الكشف عن مصير النشطاء الاربعة، أو التحقيق في اختطافهم والعمل من أجل إطلاق سراحهم. من حق ذوي المختطفين ومن حق المجتمع ككل أن يعرف الحقيقة حول ما جرى مع النشطاء المختفين قسرياً، وعلى الحكومات والأطراف التي تدعم هذه الجماعات، أن تتخذ خطوات أكثر جدية لكشف الحقيقة، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2139، والذي “يدين بشدة” خطف المدنيين ويطالب بوضع حد فوري لهذه الممارسة. هذا ويعتبر استمرار احتجازهم جزءاً من نمط أوسع من التهديدات والمضايقات التي يتعرض لها نشطاء حقوق الإنسان من مختلف أطراف النزاع على حد سواء.


إن الحق في معرفة الحقيقة بشأن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني هو حق غير قابل للتصرف ومستقل ومعترف به في معاهدات وصكوك دولية متعددة وكذلك في الفقه القضائي الوطني والإقليمي والدولي وفي العديد من قرارات الهيئات الحكومية الدولية على المستويين العالمي والإقليمي.


يدعو المركز جميع الأطراف الفاعلة وهيئات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى:

  • التزام أطراف النزاع بضمان حياة وسلامة جميع المحتجزين.و معاملة المحتجزين بما يتماشى مع كافة أحكام القانون الدولي الإنساني بما في ذلك اتفاقيات جنيف.
  • الكشف عن لوائح كافة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وعن أماكن الدفن والمقابر الفردية و/أو الجماعية السرية، وتسليم جثامينهم إلى ذويهم، والسماح لذوي المفقودين بالوصول إلى جميع ملفات الاختفاء القسري.
  • تفعيل مبدأ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، في إطار تحديد مسؤوليات الأفراد والمؤسسات، باعتبارها شرطا أساسيا، كحد أدنى، لجبر أضرار الضحايا وذويهم والمجتمع ككل وضرورة الاعتذار الرسمي للدولة، بالموازاة مع اتخاذ التدابير الدستورية والقانونية والتربوية لضمان عدم تكرار ما جرى.
  • التحفظ على أماكن الاحتجاز، وخاصة السرية والمؤقتة منها، وعدم إتلاف معالمها، وفتحها أمام الباحثين والزوار، حفاظا على الذاكرة الجماعية المتصلة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
    الالتزام بضمان المحافظة على الأدلة المادية على الانتهاكات والجرائم الدولية من أجل حماية حقوق الأفراد في معرفة الحقيقة.
  • ضمان التحقيق الفوري والدقيق والشفاف والمستقل في جميع حالات الوفاة أثناء الاحتجاز أو الادعاءات بوقوع التعذيب أو غير ذلك من ضروب المعاملة السيئة، وفقاً للمعايير الدولية، مع توقيع المسؤولية على الجناة وإتاحة التقارير الطبية وكل الأدلة الأخرى الناشئة عن هذه التحقيقات لذوي الضحايا واقاربهم.
  • ضمان الاحتفاظ بسجلات احتجاز دقيقة في جميع أماكن الاحتجاز وإتاحة هذه المعلومات لذوي الضحايا والمنظمات الدولية التي تقوم بجمع المعلومات عن الأشخاص المفقودين.
  • تزويد الأمم المتحدة بقوائم أسماء المعتقلين وأماكن الاحتجاز الخاصة بهم وتواريخ الاعتقال والتهم ذات الصلة وكذلك أولئك الذين ماتوا في الاعتقال.
  •  السماح للوصول ودون عراقيل أو ابطاء للجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر والمفوضية السامية لحقوق الإنسان وغيرهم من المنظمات المعترف بها إلى جميع مرافق الاحتجاز الرسمية منها وغير الرسمية.
  • دعم وتقديم حماية فعالة ومساعدة للناجين من التعذيب وأسرهم بما في ذلك من خلال تقديم العلاج الجسدي والنفسي من قبل المنظمات الدولية التي تعمل على دعم ضحايا التعذيب.
  • تشجيع الجهود المبذولة لدعم المساللة، بما في ذل من خلال العمل بشكل نشِّط على دعم آليات التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة.
  • الدعوة إلى إنشاء فريق عمل للمحتجزين والمفقودين تابع للمجموعة الدولية لدعم سوريا للإشراف على التنفيذ الكامل لقرار الفصل السابع وضمان حل قضية المحتجزين والمفقودين على وجه السرعة. ودعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى تقديم تقارير منتظمة إلى مجلس الأمن بشأن تنفيذ القرار وحالات عدم الامتثال.