الوسائط الاجتماعية سبيلاً لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان

ذكر الرئيس السوري في لقاءٍ له ببعض الوفود الشعبية, أنّه “لا يزعل” ممّن يتظاهر ويخرج إلى الشارع, لكنه “يزعل” ممن يُصوّر ويرفع مقاطع الفيديو على اليوتيوب. في محاولة لتكرار سيناريو مجزرة حماة 1982 التي تفيد الأرقام التقريبية بوقوع قرابة 40 ألف ضحية بينهم نساء وأطفال ومسنين. إضافة إلى 15 ألف مفقود لم يتم العثور على أثارهم منذ ذلك الحين.

في المقابل, ردّ السوريّون بحملات تصوير, شهادات, كتابة, والسعي بمختلف الوسائل لتوثيق واقعهم مؤسسين شبكات ومنظمات حقوقية تحاول اتباع معايير حقوقية دولية في توثيق خروقات حقوق الإنسان في سوريا, الرغم من سياسة النظام بمحاربة الإعلاميين وكل من يحمل كاميرا ونشطاء الانترنيت.

كان لهذه الشبكات فوائد كثيرة, فعلى المستوى الداخلي نجحت هذه الشبكات في كسر الحصار الميداني الذي حاول النظام فرضه على شوارع وأحياء ومدن بأكلمها, إذ ومن خلال شبكة “فيسبوك” يتناقل الناشطون أخبار المعتقلين, المفقودين, الشهداء, المداهمات, مناطق الاستهداف العسكري, وحتى طبيعة هذا الاستهداف إن كان قنصاً أو قصفاً بالدبابات أو براجمات الصواريخ …, كذلك استفادت منظمات حقوقية عديدة من مقاطع الفيديوهات والشهادات المصوّرة في بحوثها حول خروقات حقوق الإنسان في سوريا خلال الفترة الماضية, ومن أيّ طرفٍ كان. تذكر منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها يعود إلى بدايات الثورة السورية وتحديداً آب 2011 أنّ (إن الغالبية العظمى مما يقارب 2000حالة قتل، قامت مجموعات حقوقية محلية بتوثيقها). مثل “المرصد السوري لحقوق الإنسان” و”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بالإضافة إلى “مركز توثيق الانتهاكات في سوريا” ومنظمات أخرى.

يوثّق مركز “توثيق الانتهاكات” أرقام الضحايا من مدنيين وعسكريين, من كلا الطرفين. بالإضافة إلى المعتقلين والمفقودين والمخطوفين وانتهاكات الجهات غير الرسمية, ومؤخراً استخدام الغازات السامة. يشرح المركز آلية عمله وهي على ثلاث مراحل:

(1- يقوم على جمع وتوثيق البيانات مجموعة من النشطاء الحقوقيين والميدانيين والمراسلين المتطوعين في مختلف المناطق، فيتم تسجيل جميع المعلومات التي ترد منهم إلى فريق إدارة الموقع الالكتروني.

2- استكمال هذه المعلومات سواء من حيث جمع الفيديو أو صور الشهداء أو أية تفاصيل أخرى حول الضحية، وذلك من قبل الفريق المشرف على الموقع الالكتروني.

3- التدقيق الدوري حيث يتم إرسال البيانات إلى النشطاء حسب مناطقهم من أجل التأكد من خلوها من الأخطاء واستكمال ما ينقص من معلومات حال توفرها.

أمّا صعوبات تدقيق المعلومات والتحقق منها فتعود إلى تعقيدات الوضع السوري وما تخضع له المناطق من حصار وما يعانيه النشطاء من أوضاع أمنية سيئة، وتقطيع أوصال المدن والمناطق وتخوف الأهالي من إعطاء المزيد من التفاصيل عن أبنائهم بسبب التهديدات الأمنية، والانشغال بالبيانات الجديدة للضحايا الجدد الذين يعدون بالعشرات بشكل يومي، ما يقلص إمكانية العمل على بيانات الضحايا الأقدم.)

إنّ عملية التوثيق هذه وفي الحال السوري الذي يشهد تصاعداً في العنف والعنف المضاد الذي ينزلق فيه كلا الطرفان إلى ممارسة انتهاكات لحقوق الإنسان, وترفض فيه الحكومة السورية دخول وحرية الحركة للجنة تقصّي الحقائق المُكلّفة من الأمم المتحدة, تكتسب العملية أهميّة أكبر متزايدة في تخفيف حدّة الأثر الزمني للجريمة, وحفظ حقوق الضحايا من النسيان, ويمكن اعتبارها وسائل أوليّة مساعدة في أي عملية تحقيق ومساءلة. خاصة وأنّ عمل الكثير من المنظمات السورية في توثيق خروقات حقوق الإنسان راعى الجندر, العمر, والتوزع الجغرافي, والأهم محاولته توثيق الضحايا من الطرفين.

وعليه, شكّلت مجموعة الفيديوهات المتوفرة على شبكات التواصل الاجتماعي وعبر سنتين من عمر الحراك الثوري السوري محتوىً متنوّع المعلومات والمصادر كما الأمكنة والأزمنة, في تقرير صادر عن “هيومن رايتس ووتش” بعنوان: (سوريا ـ أدلة تثبت أنّ القنابل العنقودية قتلت أطفالاً) بتاريخ نوفمبر 27, 2012 تذكر: ( يشير تحليل أجرته هيومن رايتس ووتش لمقاطع الفيديو التي نشرها نشطاء سوريون على الإنترنت والتي تصور موقع الهجوم، إلى استخدام ثلاثة قنابل عنقودية على الأقل من طراز “آر بي كيه 250/275 إيه أو 1 إس سي إيتش”. تحتوي كل قنبلة عنقودية من هذا الطراز على 150 قنبلة انشطارية صغيرة من نوع إيه أو 1 إس سي إيتش المضاد للأفراد، ويبلغ مداها التدميري مساحة 4800 متر مربع (52000 قدم مربع)، وهو ما يعادل ملعباً لكرة القدم الأمريكية، حسب أحد المراجع الدولية المُعتَمدة عن الأسلحة المقذوفة جواً).

إنّ استخدام القنابل العنقودية مُحرّم دولياً باتفاقية الذخائر العنقودية (آب 2010), علماً أنّ سوريا ليست من الدول الموقعة على الاتفاقية.

كما كوّنت هذه المعلومات الأوليّة أساساً انطلقت من خلاله مجموعة من التحقيقات الصحفية التي بحثت في الوضع السوري في مستواه الإنساني والقانوني, ونذكر منها فيلم ” آلة التعذيب في سوريا” الذي أنتجته القناة البريطانية الرابعة بتاريخ ديسمبر 2011, وفي هذا الفيلم تمّ التثّبت من الإجرام المنهجي الذي يعتمد فيه النظام السوري التعذيب سياسة للعقاب واستخلاص المعلومات, كما يتم البحث في مسؤولية القيادة التي تتحمل أمام المحاكم الدولية مسؤولية هذه الجرائم. وبحسب صحفية علمت على البحث والتحقّق في الفيلم فإنّ التحقق من الفيديوهات التي قاربت 30 ألفاً تمّ: (عبر حصر عدد منها بداية, ثم طُلِبَ من مجموعة نشطاء سوريين وغير سوريين تحليل المعلومات الموجودة في الفيديوهات للتحقّق منها. وأخيراً تمّ دعم الفيديوهات بشهادات ناجين, وشهادات عيان تدعم البحث في منهجية التعذيب في سوريا), ومنهم إعلامي اعتقل في فرع المخابرات الجوية, بالإضافة إلى شهادات خبراء في الطب والقانون الدولي وباحثين في منظمة “العفو الدولية”.

إنّ التعذيب جريمة من الجرائم بحق الإنسانية التي تنظر بها المحكمة الجنائية الدولية وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولي. خاصة وأنّ سوريا وإن لم تكن من الموقعين على نظام روما الأساسي إلاّ أنها من الموقعين على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب.

إنّ هذه الفيديوهات, الشهادات, التحقيقات الصحفية والتقارير الخاصة بحقوق الإنسان, تشكّل كماً وثائقياً هائلاً, يُمكّن محققي المحكمة الجنائية الدولية في حال تمّ إصدار قرار من مجلس الأمن بإحالة الملف السوري إلى المحكمة, أو في حال تشكّل حكومة مغايرة تقوم بقبول اختصاص المحكمة وتطلب بدورها التحقيق في الجرائم المرتكبة, حينها يمكن لهذه الوثائق أن تكون دليلاً يُستخدم في المحكمة ذاتها, أو لدعم قرار مدعيها العام بشأن النظر في قبول أو رفض الملف السوري.  ففي تقريرها الصادر بتاريخ 15/ديسمبر 2011 بعنوان: (بأي طريقة!: مسؤولية الأفراد والقيادة عن الجرائم ضد الإنسانية في سوريا) تكشف “هيومن رايتس ووتش عن أسماء ( 74 قائداً  ومسؤولاً يتحملون مسؤولية هجمات على متظاهرين عُزّل).

أخيراً لا بُد من الإشارة إلى أنّ الفيديوهات والشهادات المنتشرة على شبكات التواصل- على أهميتها وضرورة توثيقها- يمكن أن تفرز أثراً غير إيجابي في حال استمرار أمد الصراع لزمن طويل, حيث يمكن أن تؤجج رد الفعل الاجتماعي على قسوة ما تتضمّنه في أحيان كثيرة.

*- مشاركة “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” في فعاليات مؤتمر “الفيدرالية الدولية” ال 38 في اسطنبول.