دعوة الباحثات والباحثين إلى الكتابة

علّقَ المفكر الأيرلندي “أدموند بروك” في أربعينيات القرن التاسع عشر على سجالات ممثلي الأحزاب الثلاثة لطبقات رجال الدين والنبلاء والعوام في البرلمان البريطاني قائلًا: ((ثلاث سلطات تجتمع هنا تحت سقف هذا البرلمان، لكن هناك في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهم منكم جميعًا))، مع أن الصحافة لم تكن بالتأثير والفاعلية اللذين نعرفهما الآن، إذ استطاع مصطلح “السلطة الرابعة The Fourth Estate” الذي انطلق في ذلك الحين أن يكتسب مع مرور الزمن قوة ودلالات أبعد من ذلك السياق الذي ورد فيه، وبصورة خاصة في منظومة حقوق الإنسان، وفي المجتمعات الديمقراطية التي تقوم على التوازن والاستقلالية في السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية في الدول الديمقراطية المعاصرة. حيث يبرز دور الصحافة سلطةً رابعة، تستمد شرعيتها وقوتها من شرعية وقوة المواطنين والمجتمع في آن معًا في الدولة، ومن قوة الناس الذين تمثلهم، إذ تسهم بصياغة الرأي العام الذي يمثلهم ويدافع عن مصالحهم، وهي تمارس هذا الدور عبر الرقابة على السلطات الثلاث للدولة، وفضح أي تجاوز في ممارساتها، علمًا بأن نطاق السلطة الرابعة قد اتسع خارج حدود الصحافة إلى فضاءات الإعلام بأشكاله كلها، التقليدية والحديثة وصولًا إلى وسائل التواصل الاجتماعي “السوشيال ميديا”، فازداد تأثيرها وقوتها في المجتمعات الديمقراطية التي تعمل على حماية حقوق مواطنيها من خلال حماية حقوق التعبير والإعلام فيها بصورة عامة.

بالتأكيد هذا لا ينفي مساعي بعض الأنظمة أو الأحزاب، حتى في الدول الديمقراطية، للهيمنة على وسائل الإعلام أو تجييرها لخدمة مصالحها، ولا ينفي أن بعض وسائل الإعلام العملاقة تحولت بفضل الإعلانات إلى إمبراطوريات اقتصادية منافسة، وبدأت تبحث عن مزيد من الأرباح بدعوى حرية التعبير المقدسة، لكن كما نتابع في المجتمعات الديمقراطية هناك دائمًا مساع للحد من هذه التجاوزات لصالح حقوق الإنسان بصورة عامة، والفئات الأضعف في المجتمعات كافة من مثل الأطفال والنساء والمضطهدين كلهم، كي تحد من تغول رأس المال على حقوق الأفراد وأمان المجتمع ورفاهه.

***

في سورية وعموم الأنظمة المستبدة نكتشف سياقًا آخر للأمر، حيث أمّم الاستبداد البعثي منذ وصوله إلى السلطة عام 1963 كل المجال العام للحياة السياسية والفكرية في سورية، بدءًا من الاقتصاد والأحزاب والمنظمات المدنية والنقابية، وليس انتهاء بالهيمنة على الصحافة والطباعة والنشر لصالح أيديولوجيا الحزب الواحد التي اختُصرت لاحقًا بشخص دكتاتور واحد في “سوريا الأسد”، دكتاتور منح ذاته صفة الأب القائد والوصي على الوطن وثرواته وكامل المجتمع ومؤسساته وصولًا إلى الوصاية على الأفراد جميعهم، تلك الوصاية التي اقترنت بالفساد ونهب المال العام، استمرت بقوة قانون الطوارئ حوالى خمسة عقود، أعاقت خلالها تطور المجتمع وآليات التنمية فيه، وشكلت السبب الرئيس لانتفاضة السوريين التي بدأت في آذار/ مارس 2011.

ومن المفارقات المحزنة أن أجيالًا ممن ولدوا في سورية وعاشوا فيها بعد وصول حزب البعث إلى السلطة، لم يعرفوا إلا متأخرين وجود تاريخ مجهول للصحافة السورية، يرجع إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، صحافة بدأت تتطور ويتسع نشاطها في بدايات القرن العشرين وبعد الاستقلال عن فرنسا. وفي هذا الإطار، يمكننا أن نقرأ عن مئات التجارب الرائدة التي لم تتوزع في المدن الرئيسة من مثل دمشق وحلب أو حمص فحسب، بل في المدن وبعض البلدات الصغيرة أيضًا، وكانت تلك التجارب متعددة  في أهوائها ومشاربها، وتتنوع في اهتماماتها وطروحاتها السياسية والثقافية، وفي تحليلاتها ومتابعاتها أيضًا، مقابل صحيفتي البعث والثورة فقط اللتين نشأ عليهما أكثرية السوريين، ولاحقًا جاءت صحيفة تشرين بعد آخر انقلاب للأسد الأب من دون أن يؤثر في ذلك دخول الإعلام المسموع والمقروء في تلك المدة، ولا وسائل التواصل الاجتماعي التي بقيت كلها خاضعة للرقابة، باستثناء محاولات خجولة في أواخر القرن العشرين والعشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين لإطلاق تجارب إعلامية تبدو مستقلة من حيث المظهر، لكنها تخضع لهيمنة الجهات الوصائية التي تحتكر منح التراخيص، مع رقابة صارمة تتدخل في وقف توزيع أي مطبوعة، أو حذف أي مادة أو صفحة إن وردت فيها أي عبارة يُشك في صياغتها أو دلالتها على نقد الاستبداد أو دعوة إلى التعددية، وتداول السلطة تداولًا سلميًا، وهو ما أدى إلى وقف أغلبها مثل ما حصل مع صحيفتي “الدومري” و”الخبر” وسواهما.

ولئن كانت تلك المرحلة خضعت لقوة الاستبداد، وإعاقة التغيير، وقمع الحريات في المجتمع – بما فيها حرية الإعلام والتعبير- فإن نزول السوريين إلى الشارع في إطار الربيع العربي – وبغض النظر عن مآلاته الكارثية التي صنعتها حرب النظام ضد شعبه خلال أحد عشر عامًا ونيف من الزمن، وتدمير سورية عمرانًا واقتصادًا وبنىً مجتمعيةً – قد فتح بابًا للحرية لن يقبل السوريون إغلاقه ثانية، وربما يكون أبرز مؤشراته في مستوى الإعلام، حيث أُعيد فيه تشكيل المجال الإعلامي على مستوى الفاعلين والمؤثرين، وعلى مستوى الخطاب والأثر، بالتوازي مع أسئلة الهوية وارتباطها بواقع سورية المتشظي ومستقبلها المأمول.

وإيمانًا من “مجلة قلمون” بأهمية هذا المجال في درء كثير من التصدعات التي خلفتها حروب النظام في سورية وفي المجتمع، وفي إعادة بناء الهوية الوطنية للسوريين بعدما توزعوا في هويات كبرى وصغرى متصارعة بما يخدم النظام ولا يخدم السوريين ومصالحهم أو طموحاتهم، فإنها تفتح ملف “ الإعلام السوري بين واقع الاستبداد ومطلب الحرية 1918-2021″ في عددها الحادي والعشرين، وتتعاون في إنجاز هذا الملف مع المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، بوصفه إحدى منظمات المجتمع المدني الرائدة والمؤثرة في هذا المجال، تعاونًا ترى فيه مجلة قلمون خطوة إضافية لا بد منها في الانفتاح على المجتمع المدني السوري وكل من يقدم جهدًا نظريًا وعمليًا يسهم ولو بخطوة صغيرة في التقدم باتجاه مستقبل سورية التي يحلم بها السوريون جميعهم.

من هنا فإن “قلمون: المجلة السورية للعلوم الإنسانية” و”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” يدعوان الباحثات والباحثين إلى الكتابة في الملف أعلاه ضمن المحاور المقترحة الآتية:

المحور الأول: مسار الإعلام السوري من الحرية إلى الاستبداد: تجليات الحرية 1918- 1963

  1. الصحافة السورية: المقدمات والنشأة
  2. الصحافة السياسية
  3. الصحافة الاجتماعية والنقدية
  4. الصحافة الهزلية
  5. الصحافة النسائية
  6. الصحافة الثقافية والأدبية
  7. الصحافة الحزبية

المحور الثاني: إعلام البعث ومراحله 1963-2021

المرحلة الأولى 1963-2000

الطابع الإيديولوجي والشعبوي لاستراتيجيات الإعلام السوري المكرسة لنفي الدولة والمجتمع لمصلحة الحاكم الفرد وتجلياتها في وسائل الإعلام المختلفة.

المرحلة الثانية 2000-2011

  1. دراسة لأهم المراسيم والقوانين ذات الصلة، المتناقضة مع النصوص الدستورية ومع شرعة حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية الضامنة لحرية الإعلام والتعبير، والتي أفضت إلى إخفاق محاولة النظام إدخال التعددية الإعلامية في نهج الليبرالية الاقتصادية (المقيدة) بالمصالح السياسية والاقتصادية للنظام الحاكم.
  2. مصير الكيانات الإعلامية التي أنشأها النظام ما بين شعارات الانفتاح، وفشل هذه الكيانات في التحوّل إلى كيانات مستقلة فاعلة.

المرحلة الثالثة 2011-2021

الدور الذي لعبه الإعلام في مواجهة النظام انتفاضةَ السوريين المطالبين بالحرية (انتفاضة الحرية).

المحور الثالث: الإعلام السوري الجديد 2011 – 2021

  1. المقارنة التاريخية، وآليّات نشوء التجربة الإعلاميّة وتطورها في الإعلام الجديد على مستوى الاستراتيجيات، والشكل، والجمهور، والبيئة القانونية.
  2. هويّة الإعلام الجديد: ما أدواته؟ مَن الفاعلون فيه (المواطنون الصحافيون، المدونون، الناشطون الإعلاميون مثالًا)؟، ومن المؤثرون فيه (رؤوس الأموال، المؤسسات المانحة مثالًا) أو المُتأثرون به (المؤسسات الإعلامية الدولية، المؤسسات الحقوقية الدولية مثالًا)؟ إلى أي حد نجح هذا الإعلام في تحقيق درجة من الاستقلالية النسبيّة؟
  3. سؤال السرديّات واستقلالية الخطاب: هل نجح في تقديم خطاب إعلامي مستقل عن أيديولوجيات الجهات المنخرطة في الصراع ليمارس دوره بوصفه سلطة رابعة أم بقي أسير “البروباغندا” المرتبطة بالصراع؟ وهل نجح هذا المجال في تحقيق درجة من الاستقلالية النسبيّة عن تلك الجهات؟
  4. لغة المجال الإعلامي الجديد، ومدى حياديتها تجاه السلطة أو الممول، والأثر الذي خلّفته في إنشاء خطاب كراهية أو توكيده، في تعميم الوصم الاجتماعي أو الحدّ منه.
  5. إلى أي مدى يُؤثّر تبدّل الأدوات في تغيّر قدرة الأفراد على الانخراط في المجال الإعلامي؟ هل ما يزال الصحافيون التقليديون قادرين على أن يمارسوا عملهم وسط عالم التقنية سريع التبدّل؟ (مناقشة التحديات).
  6. المجال التوثيقي (الأرشفة) التي خلقها هذا المجال الإعلامي، سواء كان لضحايا الإعلام، أم للأحداث، والكيفية التي يُحفظ بها هذا الأرشيف اليوم، وكيفيّة مُساءلته على الصعيد الوطني.
  7. الإعلام السوري الكردي بعد الثورة: بين الصدقية المهنية والانتماء الحزبي والأيديولوجي.
  8. غياب ميثاق الشرف الإعلامي في أنظمة الاستبداد، ومحاولات الاشتغال على بدائل للإعلام السوري الحر، بين استعادة المفهوم وتعدد التجارب.

*****

تستقبل المجلة مقترحات الباحثات والباحثين في الموضوعات أعلاه، وأي موضوعات أخرى ذات صلة، تاركة المجال مفتوحًا لحرية التفكير في ما يريانه مناسبًا ومهمًا في رفد البحث في المجال الإعلامي السوري.  وتستقبل المجلة أيضًا المقترحات البحثية للنشر في باب الدراسات خارج ملف “الإعلام السوري” بما يتصل صلة غير مباشرة به، من مثل البحث في مفاهيم الإعلام واتجاهاته المعاصرة ومدارسه المتنوعة، إضافة إلى باب مراجعات الكتب الجديدة عربيًا وعالميًا.

يمكن للراغبات والراغبين المشاركة في الملف بإرسال مقترح بحثي لا يتجاوز 500 كلمة، مع مخطط للبحث إلى إيميل رئيس التحرير يوسف سلامة [email protected]، وذلك حتى العاشر من تموز/ يوليو 2022، على أن تستكمل البحوث في موعد أقصاه الخامس من أيلول/ سبتمبر 2022.

يرجى من الباحثات والباحثين مراعاة سياسة تحرير مجلة قلمون في ما يرسلونه من المقترحات والبحوث، أدناه رابط سياسة التحرير في مجلة قلمون