واقع تدريس الإعلام في سوريا : ( عام من الاعترافات المؤلمة )

ضمن كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق ، و خلف المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني لطلبة سوريا، بناءً صغير مؤلف من طابقين فيه ثلاثة مدرجات وعدد من المكاتب التي خصصت لأعضاء الهيئة التدريسية وبعض ممثلي الاتحاد … أجري عليه حديثاً بعض التعديلات فتغير لون جدرانه وازداد عدد المراوح فيه ، على بابه الخارجي لوحة صغيرة الحجم كتب عليها " قسم الإعلام والمكتبات ".
قسم الإعلام، من الناحبة الإدارية، هو واحداً من الأقسام الأربعة عشر المكونة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق، وهي الجامعة الوحيدة في سوريا من بين الجامعات الرسمية البالغة (6) جامعات والخاصة البالغة (14) جامعة التي فيها قسم مختص بتدريس الإعلام .
تأسس قسم الإعلام عام 1987 تحت مسمى قسم الصحافة و تحولت هذه التسمية مؤخراً إلى قسم الإعلام ، وحالياً يضم هذا القسم برنامجين تعليميين أحدهما نظامي والآخر مفتوح ، طلابه مكتظين في مكان ضيق لا تستوعبه القاعات ولا المدرجات، حيث بلغ عدد طلاب قسم الإعلام في العام 2008 (1300) طالب نظامي و(8000) طالب تعليم مفتوح. أعضاء الهيئة التدريسية فيه – والتي لا تتجاوز 20 عضواً – لا تكفي لتلبية الاحتياجات الحالية لأعداد الطلبة المتزايدة. اعترافات من قبل المعنيين بالتقصير، ووعود لا تنتهي بتجاوز السلبيات وابتكار أدوات جديدة للعمل. وعلى أرض الواقع لا يزال التعليم في قسم الإعلام على حاله : خريجون عاطلون عن العمل وفي أحسن الأحوال يعملون في مجالات لا تتصل بالإعلام بصلة كالسكرتارية والتجارة وحتى بعض المهن اليدوية لانعدام فرص عملهم في السوق الإعلامية الضيقة أصلاً، مناهج تعليمية متخلفة وغير تخصصية تلقن في محاضرات نظرية سردية وجافة لا تقدم إلا المعلومات القديمة والتي عفا عليها الزمن، جانب عملي لا يمتلك أدنى مقومات الوجود فلا أدوات ولا معدات طباعة ولا مخابر ولا استوديوهات تلفزة وإذاعة ولا حتى مكتبة إعلامية … الطالب في قسم الإعلام يتخرج ولا يعرف كيف يكتب خبراً أو حتى يميزه عن المقال، أسلوب تقليدي في التعليم متمثلاً في الحفظ والتلقين، كادر تدريسي غير مؤهل ولا يمتلك خبرات عملية معظمه تخرج من دول الاتحاد السوفييتي السابق ومصر إضافة لانخفاض نسبته إلى عدد الطلاب، غياب في التخصص ودرجة ماجستير تخصصي لم تتضح معالمه بعد وفكرة إحداث درجة دكتوراه في الإعلام بعيدة عن المقترحات، لا وجود لخطط منهجية لتدريس الطلبة وتأهيلهم للعمل الإعلامي، وعوامل أخرى مرتبطة بغياب التخطيط وسوء الإدارة والفساد…. هي أبرز السمات التي اتسم بها واقع التعليم في قسم الإعلام بجامعة دمشق.
لا كلية مستقلة في جامعة دمشق ولا قسم جديد في جامعة حلب:
رغم الاعتراف بأن قسم الإعلام في وضعه الحالي كونه موجوداً في كلية الآداب غير سليم نظراً لصغر مساحة بنائه والعدد الهائل لطلابه، وبأن قسم الإعلام من المفترض أن يكون مستقلاً عن قوانين كلية الآداب كون له متطلباته الخاصة ولا بد أن يعامل كباقي الكليات العلمية وأن يمتلك التقنيات التي يحتاجها، وبرغم كثرة المناشدات التي تطالب بتحويل هذا القسم إلى كلية مستقلة ببنائها تحوي عديد التخصصات الدقيقة والتقنية في مجال الإعلام … إلا أن مشروع كلية مستقلة لقسم الإعلام لا يزال إلى الآن في إطار البحث والمناقشة والدراسة المعمقة لدى اللجنة المشتركة التي شكلت خلال الأشهر الماضية بين وزارتي الإعلام والتعليم العالي لبحث تطوير قسم الإعلام. هذا المشروع الذي أكدت رئيسة قسم الإعلام ( السابقة ) الدكتورة فريال مهنا لجامعة دمشق وجوده و جاهزيته بكل مستلزماته التقنية ليأتيها الرد بالعمل على تطوير القسم ريثما يصبح هذا المشروع الكبير واقعاً، وهذا يعني برأيها مراوحة في المكان. وتجدر الإشارة هنا أن هذه اللجنة وقبل بدء إحدى اجتماعاتها المقررة لمناقشة مشروع تطوير القسم سأل معاون وزير التعليم العالي عن موقع قسم الإعلام لأنه لا يعرف موقعه بالضبط وبأن هذا القسم مجهول بالنسبة إليه، كما طلب بعض أساتذة القسم نسخاً عن المشروع لأنهم لم يروه مسبقاً، كذلك طلب مديرو المؤسسات الإعلامية وقتاً كافياً لدراسة المشروع كونه لم  يوزع عليهم إلا مع بداية الاجتماع، ومديرة التلفزيون السوري طالبت بتحديد الوقت المخصص للاجتماع كون الجميع مرتبط بأعماله مع أنها طلبت في نهاية الاجتماع التعرف إلى الحضور لأنها لا تعرف أحداً منهم. أما رئيسة قسم الإعلام فصرحت أن قسم الإعلام في سوريا أصبح مساوياً لأقسام الإعلام في الصومال وجيبوتي وموريتانيا هذا إن لم يكن متخلفاً عنهم، وبأن سوريا تستحق أفضل من ذلك. ومع نهاية الاجتماع وضع قسم الإعلام ورقة تتضمن المستلزمات اللوجيستية والتقنية لتطوير القسم في الأجل القصير وتضمنت الحاجة إلى جهاز سكنر وطابعات ملونة وحواسيب وخطوط انترنيت وأطباق دش مع أجهزة تلفزيون ( باعتبارها جميعاً غير متوفرة في القسم حالياً ). وإلى اقتراح ما سمي بالخطة الإسعافية لتطوير المناهج وجلب أجهزة وتقنيات وتطوير البنية التحتية وتوفير بيئة تمكينية من أجهزة و تقانات وغيرها من النواحي العلمية والفنية . انفض الاجتماع و الواقع كما هو.
ومن الناحية الأخرى فإن عدم توافر هذه البيئة التمكينية – من وجهة نظر عميد كلية الآداب في جامعة حلب -هو ما أعاق تنفيذ قرار وزير التعليم العالي رقم / 285 / الصادر بتاريخ 8/8/2007 والقاضي بافتتاح قسم الإعلام في كلية الآداب في جامعة حلب بدءاً من العام الدراسي 2008-2009  وتكليف جامعة حلب بتأمين مستلزمات الافتتاح العلمية والمادية، حيث كان من المفترض استناداً لهذا القرار أن يتم في العام الدراسي الماضي افتتاح قسم للإعلام آخر في الجامعة المذكورة إضافة لقسم الإعلام الموجود في جامعة دمشق. إلا أن المفاجأة جاءت بعدم إدراج هذا القسم على لائحة المفاضلة الخاصة بالقبول الجامعي للعام الدراسي السابق، فنظراً لسوء التقدير وعدم وجود بنية تحتية ملائمة وغياب الكفاءات العلمية الخاصة بمجال الإعلام لا يزال هذا القرار قيد الدراسة والتنفيذ إلى أجل غير مسمى ريثما تجد جامعة حلب كوادر تعليمية في مجال الإعلام تتعاقد معها للتدريس في هذا القسم المؤجل افتتاحه حتى إشعار آخر نظراً لخلو محافظة حلب من أي شهادة دكتوراه في الإعلام مما سيضطرها لاحقاً لإرسال عدد من المعيدين للحصول على شهادة الدكتوراه من دول أخرى متقدمة في مجال الإعلام تمهيداً لافتتاح القسم. والجدير ذكره أن الجامعة راسلت مركز الإذاعة والتلفزيون في حلب للحصول على أي كادر يحمل شهادة بالإعلام أو حتى إجازة جامعية فيه فجاءها الرد أن معظم العاملين بالحقل الإعلامي في حلب لا يحملون شهادات في الإعلام. والمهم أن هذا القرار ظل دون تنفيذ إلى حين إجراء الدراسات المعمقة لكل جوانب تنفيذه من أثاث وكادر تعليمي وخطة درسية ومخابر ومستلزمات أخرى.
رداءة في المناهج التعليمية وغياب للجوانب العملية:
تلزم كلية الآداب طلاب السنة الأخيرة في قسم الإعلام ( التعليم النظامي ) بتقديم ما يسمى بمشروع التخرج، حيث يفترض على الطالب قبل تخرجه أن يعد مشروعاً أكاديمياً يناقشه أمام لجنة خاصة أو أستاذ مشرف، ولا يتخرج الطالب كإعلامي ما لم يقدم ذلك المشروع. والملاحظ في هذا الصدد أن الطالب نتيجة حالة الإحباط التي عاشها خلال سنيّ الدراسة ونتيجة افتقاره لأبسط أدوات إعداد مشروع التخرج كون القسم خالياً من تلك المقررات الخاصة بإعداد البحوث العلمية ،باستثناء مادة مناهج البحث الإعلامي التي تدرس لطلاب السنة الأولى بشكل نظري دون وجود جوانب عملية وتطبيقية فيها، وبعض حلقات البحث التي غالباً ما يكون هدف الطالب من إجراءها الحصول على العلامة المناسبة التي تساعده للتقدم إلى الامتحان. نتيجة لذلك غالباً ما يلجأ طالب الإعلام أثناء إعداد مشروع تخرجه إلى الاستعانة بمشاريع تخرج أخرى سابقة يقوم بإجراء بعض التعديلات عليها كتغيير اسمها أو إعادة صياغة بعض تراكيبها ومفرداتها ثم طباعتها من جديد دون المساس بالمضمون، وبالتالي دون أن يقدم ما هو جديد، لتكون مشاريع التخرج المعدة نسخاً مكررة سنوياً. فالهم الوحيد لدى الطالب هو الحصول على العلامة التي تضاف إلى معدله بعد التخرج، وعندما يتعلق الأمر بالجانب العملي في مشروع التخرج كملء الاستمارة مثلاً نجد أن الطالب إما أن يقوم هو بنفسه بملئها وفي أحسن الأحوال يستعين بزملائه ومعارفه الذين يحلوا محل أفراد عينة بحثه وفي كلا الحالتين تكون النتائج المتحصل عليها في نهاية مشروع التخرج غير ذات جدوى. ونتيجة لانخفاض نسبة الكادر التدريسي المشرف على مشاريع التخرج إلى عدد الطلاب نجد أن من النادر أن يتم متابعة الطلاب أثناء إعدادهم المشروع وقراءته ومعرفة مضمونه حيث لا تتجاوز عملية مناقشة المشروع الدقائق المعدودة حتى يتم تقييم المشروع وإعطاء العلامة. أما إذا وجد من يهتم بإعداد مشروع تخرجه فإن من الصعوبات ما يلاقيه الكثير منها صعوبة الحصول على المعلومة وعدم توافر الأجهزة المناسبة للبحث وعدم توافر مراجع حديثة وصعوبة الاتصال بالإنترنيت وعدم وجود مكتبة إعلامية تخصصية…فالقسم لا يقدم أية مهارات أو خبرات للطالب سواء في مجال العمل الإعلامي أو في مجال إعداد بحث إعلامي علمي ، فقط مقررات نظرية .
فبالنسبة للمناهج التعليمية في قسم الإعلام فهي تجمع كل ما له علاقة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية بالإعلام بشكل عام وبالاقتصاد والاجتماع والسياسة والفلسفة والتاريخ وعلم النفس … ليتخرج الطالب ملماً في كل شيء تقريباً وغير مختص في شيء، إنها بالمجمل تعالج أدبيات الصحافة وبعض المعلومات التقليدية القديمة التي يكون لزاماً على الطلبة تلقنها وحفظها.
برنامج " الإعلام " في التعليم المفتوح:
أما على صعيد نظام التعليم المفتوح الذي تم البدء فيه مع بداية العام الدراسي 2001-2002  كتجربة حديثة مطبقة على أساس تبني فلسفة جديدة للتعليم تتيح الفرصة لجميع الطلاب الراغبين في متابعة دراستهم الجامعية في اختصاصات جامعية على اعتبار أن معدلات شهاداتهم الثانوية منخفضة أو أن عمر شهاداتهم قديم وذلك لقاء دفع رسوم تسجيل لمرة واحدة قيمته 300 ليرة سورية مضاف إليها تسديد 3000  ليرة سورية عن كل مقرر يتقدم إليه الطالب فهذا النظام في إطار قسم الإعلام أيضا مليء بالإشكاليات والمعوقات التي تحول دون تطوير واقع الإعلام في سورية بل وتزداد المشكلات في هذا النظام أكثر نظرا لغياب أدنى شروط الجودة للتعليم وغياب أي شكل من أشكال التطبيقات العملية أو البحثية في الدراسة ، ولا حتى وجوداً شكلياً كما هو الحال في التعليم النظامي ،  فالأمر هنا لا يقتصر على غياب الأدوات التي يحتاجها الطالب ( من استوديوهات وآلات تصوير ومخابر …. ) بل يتعدى ذلك إلى بنية وتركيبة المناهج التي تخلو حتى نظرياً من الإشارة إلى الآليات والطرق العملية والتقنية ، فالمناهج  تنظيرية بامتياز ومحتوى المواد المدرسة فيه لا تخرج عن إطار المعلومات العامة غير المعمقة والتي تندرج في إطار الثقافة العامة في الإعلام . كذلك قصر الفترة التي يتلقى فيها طالب التعليم المفتوح المعلومات الكافية لتخريجه إعلاميا حيث يداوم يوما واحدا في الأسبوع وهو يوم الجمعة (العطلة الرسمية في التعليم النظامي) وتعاد المحاضرات في اليوم التالي.  وهذه الأيام القليلة لا تكفي طبعاً لتخريج إعلاميين أكفاء هذا إذا ما استثنينا أن ما يقدم خلال هذه الأيام للطالب لا يعدو الدراسة النظرية والاكتفاء بلقاءات وأسئلة مع الكادر التدريسي فقط وهو الكادر نفسه تقريباً  في التعليم النظامي وبرغم أن المرسوم الخاص بإحداث نظام التعليم المفتوح والذي اعتبر أن التعليم المفتوح سيكون تعليم أكاديمي رديف ، كذلك إقرار مجلس الشعب لأحقية خريجي التعليم المفتوح في الاستفادة من الشهادة لمزاولة العمل المناسب لكل اختصاص ، إضافة إلى  القرارات الصادرة عن وزارة التعليم العالي والتي تكفل لطالب التعليم المفتوح الاعتراف بشهادته ومعادلتها كشهادة التعليم النظامي ومعاملته المعاملة ذاتها إلا أن طالب التعليم المفتوح يعاني من تلك النظرة الدونية على أنه طالب درجة ثانية وبخاصة من الجهات الرسمية.  
ورغم أن الجامعة تحقق عائدات كبيرة جدا من هذا التعليم – بحسب بعض التقديرات – حوالي 2 مليار ليرة سورية سنوياً  إلا أنها تستخدم البنية التحتية ذاتها للتعليم النظامي دون تقديم أي خدمات إضافية لهذه البنية (مع العلم أن هذه الإيرادات تكفي لبناء أكثر من جامعة)، وهي لم تُقدم حتى الآن على خطوات داعمة أو تطويرية لهذا التعليم ، وحتى أن القائمين وقفوا موقف المتفرج أمام ازدياد أعداد المقبلين على التعليم المفتوح حتى وصل العدد في العام الدراسي 2005-2006 إلى حد أصبحت فيه الطاقة الاستيعابية للقبول في التعليم المفتوح أدنى بكثير من الأعداد المتواجدة وقفت  معه الجامعة عاجزة عن الاستيعاب  فكان الحل في ضبط هذه الأعداد بأن تم الإعلان عن تعليق التسجيل في قسم الإعلام.