قرارات حكومية سورية «تكبّل» عمل الإعلاميين!

دمشق – رنا إبراهيم

لم تدم فرحة الإعلاميين السوريين كثيراً بصدور قانون إعلام جديد يلبي طموحاتهم ويجعل الحصول على المعلومة أمراً سهل المنال، ويصبح الصحافي بموجبه قادراً على رفع دعوى قضائية إن تمنعت أي جهة تنفيذية عن تقديم المعلومة.

فأخيراً صدر قرار عن رئيس مجلس الوزراء السوري عادل سفر، قضى بـ «التعميم» على العاملين في الوزارات وكل الجهات التابعة لها بعدم الإدلاء بأي تصريح صحافي يتعلق بعمل الوزارة والجهات التابعة لها إلى أي جهة كانت، إلا من الوزير شخصياً أو «ممن يرونه مناسباً». والقرار الأخير صدر بناء على ما تقرر في جلسة لمجلس الوزراء!

قرار رسمي يتعارض مع قانون الإعلام

ورأى طالب قاضي أمين، رئيس لجنة صوغ قانون الاعلام الجديد، في الأمر إشكالية، لأن قانون الإعلام لا يسمح لأي جهة مهما كانت أن تخالف القانون، لأنه ينص على ان «كل الجهات ملزمة بتقديم المعلومة للصحافيين»، مبيناً أن مجلس الوزراء أوضح أن القرار صدر لضبط المعلومات خلال الفترة التي تمر بها سورية. أما الصحافي مصطفى المقداد، عضو لجنة صوغ قانون الإعلام، فأشار إلى أن القرار يتعارض حتماً مع قانون الإعلام الجديد، خصوصاً أن جوهر القانون والغاية منه حرية وصول الصحافي إلى المعلومة الصحيحة «وفق التوجيهات العليا»، ومن ثم لا يجوز إصدار قرار كهذا لأنه يتناقض كلياً مع جوهر قانون الإعلام الجديد.

وعلى رغم أن رئاسة مجلس الوزراء عادت وبررت القرار ونشرت الصحف الرسمية توضيحاً له، فإن الكثير من الوزارات عممت على المديريات والجهات التابعة لها بعدم الإدلاء بأي تصريح، الأمر الذي أثلج صدور المديرين ومعاوني الوزراء وكوادر الهيئات والمؤسسات العامة المختلفة، والذين يرون في الإعلامي عموماً مفتشاً عن أخطائهم.

وورد في التوضيح الذي نشرته الصحف نفيُ مصدرٍ في رئاسة مجلس الوزراء، أن يكون المقصود في الكتاب الموجَّه إلى الوزراء منع التصاريح أو حجب المعلومات التي تحتاجها وسائل الإعلام من خلال اقتصار الإدلاء بها على الوزراء أو من يرتؤونهم مناسبين لـ «المهمة». واعتبر التوضيح أن الكتاب «إجراء تنظيمي» يهدف إلى توحيد الرؤية لدى كل جهة وإيجاد مرجعية محددة تمتلك المعلومة الدقيقة وتقدر أهميتها وحساسيتها، خصوصاً ما يتصل منها ببعض القضايا الاقتصادية وانعكاساتها في هذه المرحلة، إذ «تتعرض سورية لمؤامرة خارجية تعمل فيها بعض وسائل الإعلام المغرضة على تشويه الحقائق وتزويرها لزعزعة أمن سورية واستقرارها».

وأكد المصدر ذاته في رئاسة مجلس الوزارء أنه «بالنسبة إلى قضايا العمل اليومي وخطط الوزارات والجهات التابعة لها وبرامجها، لا يوجد ما يمنع أبداً من تزويد وسائل الإعلام بالمعلومات والبيانات التي تحـــتاجها، ولا يوجد ما يمنع من إعطاء التصريحات المتعلقة بهــا بحسب اختصاص هذه الجهات في ما يطلب منها، وذلك تعزيزاً لعلاقة وثيقة من التكامل والشفافية والمشاركة في المسؤولية الوطنية بين الجهات التنفيذية ووسائل الاعلام».

وفي حين رأى إعلاميون في هذا التوضيح بمثابة إعطاء «الضوء الأخضر» للتصريح حول الأعمال اليومية في الجهات العامة، وبخاصة لأولئك العاملين في الصحف الحكومية والذين تتطلب طبيعة عملهم اليومية ذلك، فإن القائمين على هذه الجهات باتوا أكثر تكتماً حول الاجتماعات التي تعقد وبرامج عملهم اليومية أو المستقبلية.

ورأى أحد المحررين في صحيفة خاصة ويعمل أيضاً في التلفزيون السوري الحكومي، أنه أصبح من الضروري لدى استقبال ضيف من إحدى المؤسسات العامة في برنامج حواري الحصول على موافقة خطية من الوزير الذي يتبع له هذا الضيف، ما يعطل العمل (الإعلامي) ويؤخره.

صعوبات ميدانية

وعلى صعيد العمل في الصحيفة المطبوعة، أصبحت غالبية المديرين العامين في الحكـــومة يرفضون التعامل مع الصحافيين، علماً أن التعميم، وفق ما ورد في التوضيح، يركز على القضايا الاستراتيجية وليس القضايا اليومية. وعلى رغم معرفة المديرين بأن هدف الإعـــلامي إبراز إنجــازات هذه الجهة أو تلك، فإن هناك حال تهرب من التصريحـــات، وغدا التعميم حجة للتهرب من الإعلام عموماً. وبالتالي، «باتت هناك صعـــوبة بالنسبة إلى المحرر العادي في مخاطبة الوزير مباشرة للحصول على أي معـــلومة خاصة، وبات الحصول على تصريح من الوزير يتـــطلب غـــالباً علاقات شخصية مسبقة»!

أما علي حمرة، مدير تحرير صحيفة «الاقتصادية» الخاصة، فرأى أن هناك مديرين منفتحين تفهموا الغاية من القرار، وبالتالي ما زالوا يصرحون للإعلام، في حين لم يأخذ آخرون بجوهر القرار وإنما بنصه الحرفي. وأشار إلى أن الأخيرين كانوا سابقاً يتهربون بطبيعتهم من الصحافة وغير منفتحين على الإعلام وأصبحوا الآن يجدون أنفسهم تحت مظلة هذا التعميم، أي أنهم يتهربون من التصريح للإعلاميين «ضمن الأصول والقانون»، أي تماشياً مع القرار. ومن شأن ذلك أن يعزز البيروقراطية في منح المعلومة، الأمر الذي اشتكى منه عدد من صحافيي صحيفة «الوطن» و«الاقتصادية».

وكانت صحيفة «تشرين» الحكومية أول من وجَّه انتقاداً لهذا القرار، معتبرة أنه «يذكرنا بتعميم أصدرته الحكومة السابقة بالمضمون ذاته، وكانت له آثار سلبية على عمل الإعلاميين». ورأى أحد محرري «تشرين» أن بعض الجهات التزمت بالقرار ولا تزال تلتزم، على رغم إصدار توضيح له لاحقاً، «بل إن بعض المديرين (في مؤسسات رسمية) وضعوا نسخاً من قرار الوزير في مكاتبهم.

وبانتظار صدور تعليمات تنفيذية لقانون الإعلام الجديد توضح بنوده ومفرداته، يبقى الإعلامي السوري بين فكي كماشة: أسرة تحريرية تطالبه بالعمل بكامل طاقته ليكشف الأخطاء مستفيداً من قانون الإعلام الجديد، وقرار حكومي يحصر الإدلاء بالتصريحات الإعلامية بالوزراء، ولم ينفع توضيحه في أن يلغي التزام «المفاتيح الإدارية» به.

دار الحياة