جامع المعلومات في العراق… صحافي بالإكراه

بغداد – خلود العامري
عن دار الحياة

ساعات طويلة تلك التي يمضيها بعض الصحافيين في مجلس النواب العراقي والمؤتمرات الرسمية لجمع المعلومات العامة والخاصة عنها قبل اتصالهم بالصحف والمواقع الالكترونية التي يعملون فيها لتسريب المعلومة هاتفياً.
 
جامعو المعلومات صحافيون دخلوا المهنة بعد عام 2004 بسبب تردي الاوضاع الامنية وعملوا في مجال الصحافة من دون ان يتقنوا طريقة الكتابة، وهؤلاء يقومون بجمع المعلومات اللازمة للتقارير والاخبار اليومية في الصحف المحلية ويبثونها هاتفياً الى غرفة التحرير التي تتولى مهمة صناعة الخبر هناك.
 
قصة جامعي المعلومات في الصحافة العراقية بدأت مع بداية استهداف الصحافيين في البلاد، إذ فضل بعض العاملين في الوكالات والصحف العربية والاجنبية الاستــعانة بصحافيين مبتدئين لمساعدتهم في جمع المعلومات الرئيسة عن القصص والتقارير التي يعدونها لصحفهم في مقابل منحهم نسبة من رواتبهم لا تزيد في افضل الاحوال عن 30 في المئة.
 
بداية تسلل جامعي المعلومات الى البرلمان والمؤسسات انتجت تقارير وقصصاً جميلة وكثيرة في السنوات الماضية، بل ان بعض هؤلاء تسببوا في احتفاظ صحافيين مهنيين بعملهم في صحف ومواقع معروفة، إذ كانوا يزودونهم بالمعلومات اللازمة لاعداد التقارير حتى في حال وجودهم خارج البلاد.
 
عشرات الصحافيين العراقيين الذين غادروا البلاد بعد تعرضهم للاستهداف استثمروا انتشار جامعي المعلومات في الاستمرار برفد صحفهم بالتقارير، ما شجع هؤلاء على المطالبة بأجور اعلى، فضلاً عن لجوء بعضهم الى التعاون مع اكثر من شخص واحد في مجال الاعلام.
 
وسائل الاعلام المحلية هي الأخرى لجأت الى جامعي المعلومات بعدما تحولوا الى مصدر مهم في العمل الصحافي في وقت هاجر العشرات من الصحافيين المهنيين خارج البلاد، وفضل بعضهم تغيير مهنته تحت وطأة التهديد.
 
موهبة فريدة
 
سرمد الطائي رئيس تحرير صحيفة «العالم» يرى ان جامعي المعلومات يمتلكون موهبة فريدة في الوصول الى مصدر الخبر ومعرفة المعلومات المهمة للجمهور.
 
ويرجع تعاظم دور هذا النوع من الصحافيين في العراق الى قلة الصحافيين المتميزين واستقطاب العراق لوسائل الاعلام الاجنبية طوال السنوات الماضية، وتحوله الى بيئة طاردة للصحافيين الاجانب.
 
وأكد الطائي ان عدد الصحافيين المؤهلين في العراق لم يكن كافياً بعد فتح مئات الصحف والمواقع الالكترونية، ما اضطر المؤسسات الى التعامل مع مندوبي المعلومات هؤلاء لسد النقص الحاصل في كوادرها.
 
وتبنى الطريقة التي تتعامل بها الصحف مع جامعي المعلومات طبقاً للطائي على اساس بناء الثقة على المعلومة الواردة منه، اما مهارات التحرير التي لا يجيدها هؤلاء فيتم تعويضها بالمحررين العاملين في الصحف الذين يقومون بصوغ المعلومات في شكل نهائي.
 
ويقول: «مهارات التحرير ضئيلة في العراق، حتى الصحافيون المتمرسون والمدربون في شكل جيد لا يتقنونها بشكل كلي يغني عن المحرر».
 
دانا اسعد المحرر في موقع «نقاش» يرى ان جامعي المعلومات يرهقون التحرير في شكل كبير، وان المواد التي ينتجونها اذا ما اقدموا على كتابتها فلن تنشر في الصحف والمواقع.
 
سوء التحرير يدفع وسائل الاعلام التي تتعامل مع هؤلاء الى الاعتماد على المحرر في شكل رئيس في انتاج المادة بعد جمع المعلومات المتعلقة بها.
 
يضيف دانا: «كتابة التقرير اعتماداً على المعلومات الواردة من هؤلاء افضل بكثير من الضغط عليهم لانتاج تقارير مكتوبة لأن عملية تصحيحها تستغرق مدة اطول».
 
خوف الصحافيين الاجانب من النزول الى الشارع كان واحداً من اهم الاسباب التي ادت الى ظهور جامعي المعلومات، فضلاً عن الانفتاح الاعلامي الكبير في البلاد الذي حول الصحافة الى مهنة لكل من لا مهنة له.
 
الصحافيون المهنيون غالباً ما يلجأون الى العمل في وسائل الاعلام العربية والاجنبية كونها تمنحهم حرية اكبر في الكتابة من الصحف ووسائل الاعلام المحلية، وهذا التحول دفع زملاءهم من جامعي المعلومات الى التغلغل في وسائل الاعلام المحلية في شكل كبير.
 
حيدر علي مدير القسم السياسي في صحيفة «العدالة» شكا من انتشار هذا النوع من الصحافيين في وسائل الاعلام.
 
ويقول: «كان لدينا اكثر من عشرين مراسلاً في بغداد وبقية المدن، وغالبية هؤلاء كانوا لا يجيدون وضع المعلومة في مكانها المناسب اثناء صوغ الاخبار والتقارير.
 
حيدر يشطب اســماء هؤلاء من المواد التي يعدونها عندما تتجـــــاوز نســـبة التعديل على موادهم نسبة 50 في المئة غير مكترث باعتراضات هؤلاء.
 
وغالباً ما يكون تساقط جامعي المعلومات اثناء عمليات التقليص الذي تشده المؤسسات الصحافية في العراق في وقت مبكر، فالمؤسسات التي صمتت شهوراً وسنوات على رداءة تحرير هؤلاء، تقرر في شكل مفاجئ الاستغناء عنهم، وتستثمر هذا الضعف حجة لانهاء وجودهم في المؤسسة المحلية.
 
مؤسسات اخرى تمنح جامعي المعلومات رواتب اقل من الصحافيين المحترفين وتتركهم تحت التدريب شهوراً قبل ان تقرر تثبيتهم.
 
المثير في قصة جامعي المعلومات ان الكثيرين منهم تمكنوا من الحصول على وظائف جيدة في مؤسسات اعلامية عربية واجنبية اعتماداً على العلاقات الجيدة التي تربطهم بمتنفذين في تلك المؤسسات، إذ يستعين بعضهم بزملاء آخرين لكتابة تقاريرهم قبل ارسالها الى الوسيلة الاعلامية التي يعملون بها، وغالباً ما يغض المديرون في تلك المؤسسات النظر عن رداءة التحرير مقابل الحصول على صحافي مضمون الولاء.
 
عشرات الأسماء باتت معروفة في عالم الصحافة في العراق اليوم لا تغدو كونها من فئة جامعي المعلومات ممن لا يتم الكشف عن خفايا امكاناتهم إلا في حال انتقالهم الى العمل في مؤسسات اخرى.
 
احد الصحافيين في وسيلة اعلامية محلية علق مقراً بصدمته ببعض الاسماء التي كان يقرأ لها حينما اكتشف ان وراءها امكانات كبيرة في جمع المعلومة، واخرى متواضعة في توظيف تلك المعلومة داخل المواد التي يكتبونها.
 
«لن اصدق بعد اليوم ما يقال عن اي صحافي أنه جيد ما لم اطلع على تقاريره ومواده قبل ان يزخرفها قلم المحرر».
 
جامعو المعلومات صحافيون دخلوا الى المهنة طارئين، وباتوا جزءاً من المشهد الاعلامي العراقي الذي يتراكم عليه الغبار منذ سنوات.