توضيح حول دراسة خطاب الكراهية في الإعلام السوري

أصدر المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (مرصد خطاب الكراهية والتحريض على العنف) بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، دراسة بعنوان: “دراسة خطاب الكراهية والتحريض على العنف في الإعلام السوري”، والتي تمثل خلاصة المرحلة الثانية من مشروع امتد لنحو عام ونصف وسيكمل مرحلته الثالثة في العام 2019.

أثارت الدراسة ردود أفعال متباينة كان في بعضها ما هو مفيد لتطوير العمل وغلب على مُعظمها الطابع العاطفي الانفعالي، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي بعض الأحيان – حتى دون قراءة الدراسة – مع تعمد اجتزاء النص وإخضاعه للتأويلات الشخصية لإثبات وجهة نظر معينة أو لصرفها في سياق الصراع السياسي الذي تعيشه سوريا، علماً أن المشروع لم ولن يحمل أي هدف أو طابع سياسي، بل يهدف للارتقاء بالخطاب الإعلامي السوري من خلال تشجيع الوسائل الإعلامية المختلفة على الحد -والتخلص قدر الإمكان- من استخدام خطاب الكراهية لما له من آثار مجتمعية مُدمّرة.

وعلى الرغم من ذلك؛ نؤمن أن هذا التفاعل في غالبيته العظمى هو مؤشر صحيّ ونقطةٌ إيجابية يجب علينا جميعاً البناء عليها لتأسيس حوار مجتمعيّ محترم ونقد أكاديمي علمي، فنحن بأمسّ الحاجة إلى ذلك في واقعنا السوري سواء فيما يتعلق بخطاب الكراهية أو بمجمل قضايا الشأن العام. وقد تعمدنا تأخير الرد على الزملاء في إذاعة (آرتا أف أم) حتى لا يتحول الموضوع إلى حالة سجالٍ وتراشق، وحتى نتمكن من الإحاطة بجميع الملاحظات من جميع الأطراف.

النقطة الأولى: “الدراسة تُكرّس خطاب الكراهية وتحرضُ على التمييز”

  • أحالت المادة الصحفية التي انتقدت الدراسة ونشرها الزملاء في إذاعة (آرتا أف أم) إلى التعريفات التي أوردتها الدراسة في متنها، متهمة في عنوانها ومضمونها الدراسة “بتكريس خطاب الكراهية”. وهنا نعيدهم إلى ما أوردته الدراسة في فقرة التعريفات الإجرائية كتعريف معتمد لخطاب الكراهية، وهو: “كل خطاب مكتوب أو مسموع أو مرئي أو رقمي يهدف إلى القتل الحقيقي أو الرمزي للآخر أو إقصائه أو تحقيره، ويشمل التعريف انتهاكات مثل السب والقذف والوصم والتمييز وانتهاءً بالتحريض على القتل والعنف.” وقد غاب عن ذهن الزملاء معدّي المادة الصحفيّة أن هذا التعريف خاص بالخطاب الإعلامي، أما الدراسة فهي جهدٌ بحثي استهدف تحليل الخطاب الإعلامي وفق منهج تحليلي، وبهذا لا يجوز إسقاط التعريف على الدراسة كونها لم تنتج خطاباً إعلامياً، وإنما حللت خطاباً إعلامياً لوسائل إعلام سورية وصدّرت نتائجها لتلك الوسائل، بهدف لفت نظرها إلى خطورة خطاب الكراهية وتطوير أدائها الإعلامي، وهذا ما تم توضيحه بشكل لا لبس فيه في منهجية الدراسة.
  • من خلال نتائج الدراسة يتبيّن أنها أشارت إلى أن نسبة استخدام خطاب الكراهية في الإعلام السوري منخفضة بشكل كبير عن نظيراتها في دول عربية رغم ظرف الحرب الذي تعيشه سوريا، وقدمت تفسيراً لهذا الانخفاض النسبي يعتَبر في أحد جوانبه أن “عملية الرصد”، وليس “مشروع الرصد”، قد تمت خلال فترة هادئة نسبياً. وقد توصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها: “من خلال استعراض الجماعات المستهدفة من خطاب الكراهية والتحريض على العنف لدى وسائل الإعلام السوري على اختلاف اتجاهاتها السياسية (وسائل إعلام موالية، وسائل إعلام معارضة، وسائل إعلام كردية) يمكن الوصول إلى نتيجة هامة مفادها أن هذا الخطاب يستهدف في الغالب جماعات سياسية، وليس مكونات عرقية أو طائفية سورية، مما يدل على أن هذا الخطاب ناتج عن ظرف الحرب الدائرة في البلاد منذ سبع سنوات، ولا يحمل أبعاد كراهية تاريخية بين المكوّنات السورية، وبالتالي فإن التوصل إلى حل سياسي ينهي النزاع العسكري وينتج مسار وطني للعدالة الانتقالية؛ سيؤدي بالضرورة إلى التخفيف بنسبة كبيرة من استخدام خطاب الكراهية والتحريض على العنف لدى وسائل الإعلام السوري على اختلاف اتجاهاتها السياسية.”، وأوصت الدراسة بالتواصل مع وسائل الإعلام السورية-عينة البحث- و إطلاعها على نتائج الدراسة، وعقد ورش تدريبية للعاملين فيها فيما يخص خطاب الكراهية، والعمل على إنجاز قاموس لمفردات الكراهية يتم تضمينه في ميثاق الشرف الصحفي، إضافة إلى ضرورة جمع الصحفيين السوريين من مختلف الاتجاهات السياسية للتقريب بين وجهات نظرهم في محاولة لتخفيف استخدام خطاب الكراهية. فهل ورد في كل ما سبق أي شيء يندرج تحت توصيفات خطاب الكراهية، أو مضامينه اتجاه وسائل الإعلام السورية والتي تمثل الجهة المستهدفة من الدراسة؟
  • بالمقابل فإن القائمين على الدراسة تعمدوا إغفال ذكر أسماء وسائل الإعلام-محل البحث-والنتائج الخاصة بكل وسيلة على حدة، وبخاصة في النسخة العربية، وذلك تجنباً لأي احتمال، وإن كان ضئيلاً، لأي تبعات يمكن أن تترتب على الوسيلة أو العاملين بها نتيجة نشر الدراسة، وحرصاً على موضوعية الدراسة وعدم اتخاذها منحى التشهير بالوسائل الإعلامية. كما ارسال طلبات للتواصل الى جميع الوسائل الإعلامية عينة الدراسة وتم التواصل مع أغلب الوسائل الإعلامية محل الدراسة بشكل مباشر، وتوصيل ونقاش النتائج الخاصة بها، والتي تتضمن نسبة استخدام الوسيلة لخطاب الكراهية في محتواها الإعلامي الذي تقدمه. أما النسخة الإنجليزية فقد ورد فيها أسماء الوسائل-عينة الدراسة-فقط دون نتائجها أو نسب استخدامها، وذلك خطأ في تنسيق الترجمة والنشر ناجم عن أن المركز يستعين بمترجمين من خارج المركز، كون اللغات الرسمية المعتمدة في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير هي العربية والكردية.

النقطة الثانية: “أخطاء في تصنيف وسائل الإعلام”

  • حمل نقد الزملاء في مادتهم الصحفية اتهاماً للدراسة بــ “العنصرية ضد المكون الكردي”، على اعتبار الدراسة اعتمدت في تقسيم فئات التحليل تبعاً للاتجاه السياسي (وسائل إعلام موالية، وسائل إعلام معارضة، وسائل إعلام كردية)، متجاوزين عن أن الدراسة تخص وسائل الإعلام وليس الأعراق، وهي بذلك قسمّت لأغراض البحث وسائل الإعلام كفئات تحليل تبعاً لاتجاه خطابها السياسي، ولم تقسم الشعب السوري، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى وبالعودة إلى تعريف الوصم الذي ساقته الدراسة ضمن تعريفاتها الإجرائية و “اتهمتها” فيه المادة الصحفية، فهو: “إطلاق المسميات المهينة وإلصاق الصفات التي تحرم الفرد من التقبل الاجتماعي، كذلك رسم أو تأكيد صورة نمطية سلبية عن الآخر”. فالدراسة لم تتناول أفراد أو جماعات، وإنما وسائل إعلام، وبهذا لا ينطبق عليها تعريف الوصم، خاصةً وأن لفظة “كردي” لا تحمل أي معنى مهين ولا تحرم حاملها من القبول الاجتماعي ولا تكرّس أي صورة نمطيّة سلبيّة عن حاملها، والذي بالأساس لا يمثل (آخر) بالنسبة لهذه الدراسة أو المركز المسؤول عنها. إضافة لذلك، فقد ساقت مادة الزملاء في إذاعة (آرتا أف أم) تعريف الوصم لإدانة استخدام الدراسة لفئة “وسائل إعلام كردية”، مغفلةً المعايير الستة التي أوردتها الدراسة للحكم على الخطاب إن كان يحمل كراهية أم لا، حيث كان رابع تلك المعايير، ونقتبسه هنا: “حجم التعبير وطبيعته العامة بمعنى المحتوى أو الشكل الذي ظهر به الخطاب وهل الحجج المستخدمة فيه وردت- مثلًا- في سياق الوصف أو السرد التاريخي أو عرض حقائق علمية”، وبهذا الإطار تكون الدراسة بريئة من “تهمة الوصم” كونها استخدمت كلمة “كردية” لتوصيف وسائل إعلام في سياق بحثي علمي، وقدمت حججها لاستخدام هذا التوصيف.
  • أما عن اختيار الدراسة هذا التقسيم لفئات الاتجاه السياسي لوسائل الإعلام، فقد بنيّ على ما يلي:
  • الدراسات السابقة: تعتبر الدراسات التي تناولت الإعلام السوري بعد العام 2011 قليلة نسبياً، وبخاصة تلك التي قدمت تصنيفات لوسائل الإعلام تبعاً لاتجاه خطابها السياسي. وقد استعرضنا في الدراسة الأهم من بين تلك الدراسات، واعتمدنا على التقسيمات التي قدمتها دراسة “معهد صحافة الحرب والسلام”، إضافة إلى دراسة “معهد الشرق الأوسط”، واللتان استخدمتا ذات التقسيمات (وسائل إعلام موالية، وسائل إعلام معارضة، وسائل إعلام كردية)، وحتى حينما أشارت إلى إعلام مستقل، فقد خصصت فئة تحت اسم “إعلام كردي مستقل”. وقد تم الاعتماد على هاتين الدراستين لأنهما:
  • صادرتان عن جهات دولية غير سورية، وبذلك يفترض أن تكون أكثر حيادية في استخدامها للتوصيفات والتصنيفات المتعلقة بوسائل الإعلام السورية.
  • الجهتان المُصدّرتان للدراستين، هما معهدان دوليان على درجة عالية من الاحترافية والتخصص في الدراسات الإعلامية، وبذلك يكون اعتمادنا على تقسيمات الدراستين السابقتين وذكرهما نقطة قوة وليس نقطة ضعف، وهو حق مشروع في البحث العلمي يعلمه كل المتخصصين في البحث العلمي.
  • في فئة وسائل الإعلام الكردية تم سحب عينة مؤلفة من ثمان وسائل إعلامية، أغلبها تحمل أسماءً كردية صريحة، وهو حقها وشأنها، ولكن لا يخفى على أي متخصص في الإعلام الإشارات الرمزية لأسماء الوسائل الإعلامية، والتي تحمل دلالات تميز تلك الوسائل.
  • بينت نتائج الدراسة صوابيّة تقسيم فئات التحليل الذي تم اتباعه، فكما هو مبين في جداول كلمات الكراهية التي تستخدمها وسائل الإعلام السورية تبعاً للاتجاه السياسي؛ فلدى وسائل الإعلام الموالية خطابان للكراهية من حيث الجهة المستهدفة، أحدهما للمعارضة، والثاني للإدارة الذاتية “الكردية” وأذرعها العسكرية، وهذا ما ينطبق على خطاب الكراهية لوسائل إعلام المعارضة ومساره باتجاه النظام من ناحية، وباتجاه الإدارة الذاتية “الكردية” وأذرعها العسكرية من ناحية أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة لوسائل الإعلام الكردية والتي يستهدف خطاب الكراهية الصادر عنها النظام السوري والمعارضة السورية سياسية وعسكرية. وهذا ما يشير إلى وجود ثلاثة اتجاهات سياسية سورية تستهدف بعضها البعض عبر خطاب الكراهية الصادرة عن الوسائل الإعلامية التي تتبنى تلك الاتجاهات.
  • تقول المادة الصحفية التي نشرها الزملاء في إذاعة (آرتا أف أم)، عن تصنيف الدراسة والذي استخدم (وسائل إعلام كردية) أنه ليس تصنيفاً جغرافياً، لأن وسائل الإعلام المرصودة تتواجد في مناطق جغرافية مختلفة، كما أنه ليس تصنيفاً لغوياً، لأن الوسائل المرصودة أيضاً تنطق بلغات متعددة وليس فقط بالكردية، ثم تقول المادة الصحفية المنتقدة، أن المشكلة في استخدام تصنيف كردي؛ هو أن الكلمة تعبر عن قومية وليس توجهاً سياسياً، لأن الكرد منقسمون سياسياً بين موالي ومعارض ومحايد ومستقل. ومن الغريب جداً أن تستخدم مادة الزملاء هذه الأسباب لإدانة الدراسة، فالإذاعة ذاتها تستخدم كلمة (كردي) للتعبير عن اتجاه سياسي وكصفة للصحافة والإعلام المتواجد في مناطق جغرافية مختلفة والناطق بلغات متعددة وبغض النظر عن انقسامات الكرد السياسية، حيث تفتتح الإذاعة مادتها المعنونة: “إحياء الذكرى 119 لعيد الصحافة الكردية في الجزيرة وكوباني”. والمنشورة بتاريخ 22 أبريل 2017، بما يلي: “طالب اتحاد الصحفيين الكُرد السوريين في بيان اليوم السبت أحزاب الحركة السياسية الكردية بالخروج مما وصفها بعقلية الصحافة الحزبية الضيقة.” الرابط: https://bit.ly/2I1eBsy

ويتضح من العبارة والعنوان أن الإذاعة، والتي لا تعوزها المهنية الصحفية، لم تضع كلمة كردي الملحقة بالصحافة في عنوان المادة أو متنها بين معترضتين (” “)، مع العلم أنها وضعت كلمة (وسائل إعلام كردية) بين معترضتين في المادة التي انتقدت فيها الدراسة للدلالة على عدم تبنيها التوصيف، وهذا ما يشير إلى أن توصيف كردي ملحق بكلمة صحافة أمر طبيعي بالنسبة لسياسة تحرير الإذاعة. إضافة إلى ذلك فإن عبارة أحزاب الحركة السياسية الكردية الواردة في المادة تشير إلى أن “كردية” يجوز إلحاقها مع “الحركة السياسية” لتأخذ بذلك معنى سياسي أنكرته علينا مادة الإذاعة المنتقدة، وأباحته لنفسها. علماً أن وصف الصحافة أو الإعلام بكلمة (كردي) وإلحاقها به، هو أمر شائع الاستخدام في كل الوسائل الإعلامية المصنفة كردية في الدراسة أو التي خارج إطار الدراسة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نورد فيما يلي روابط لمواد صحفية ودراسات من مواقع وسائل إعلام ومراكز كردية وغير كردية مختلفة، بعضها كان من عينة الدراسة، ولكتاب كرد متعددين يستخدمون فيها صفة (كردية) لوصف الصحافة والإعلام، على اختلاف مواقع تواجده الجغرافي وعلى اختلاف اللغات الناطق بها وعلى اختلاف توجهاتها السياسية وانقسامات الكرد السياسية:

  • الإعلام الكردي في سوريا بين الواقع والطموح (الإعلام الإلكتروني نموذجاً):

https://bit.ly/2I5NEE3

  • واقع الإعلام الكردي السوري:

https://bit.ly/2Us2Rpy

  • الصحافة الكردية الإلكترونية: مدخل لفهم الخصائص والإشكالات الوظيفية:

https://bit.ly/2FFwhau

  • تحديات يواجهها الإعلام الكردي في تطوره:

https://bit.ly/2FOLOWK

  • واقع الصحافة الكردية في سوريا… معوقات وآمال:

https://bit.ly/2YBCLQt

  • نبذة مختصرة عن واقع الصحافة الكردية:

https://bit.ly/2UmXbND

وتعتبر مادة الزملاء في الإذاعة أن “الخطير” في الدراسة هو أنها: “وقعت في فخ التمييز على أساس العرق والقومية، وحرضت من حيث لا تدري على التمييز العنصري، وهي بذلك تعزز خطاب الكراهية”. ووفقاً لتقيم مادة الزملاء واعتباراتها التي بنت عليها هذا الاتهام للدراسة؛ فإن جميع ما أوردناه من روابط، بما فيها مادة الإذاعة نفسها المذكورة آنفاً، استخدمت نفس التعبير وبنفس الإطار، فهل من المنصف هنا اتهام إذاعة (آرتا أف أم) أو كتاب وناشروا الدراسات المشار إليها سابقاً بــ “التمييز والعنصرية ونشر خطاب الكراهية”، وهل من المنصف أن نعتبر تسميات من قبيل اتحاد الصحفيين الكرد أو رابطة الصحفيين الكرد “خطاب كراهية”؟

ومن الجدير بالذكر هنا أن العديد من منتقدي استخدام تعبير الإعلام الكردي والذين نقدرهم -ومن بينهم بعض صحفيي إذاعة (آرتا أف أم) -هم أنفسهم قد اختاروا هذا المصطلح ذاته في العديد من الدراسات والتقارير التي ساهموا في كتابتها سابقاً ضمن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، على سبيل المثال:

  • حالة الاعلام وحرية التعبير في سوريا:

http://cutt.us/fKRGU

  • عام من الرقابة الحديدية في سوريا:

http://cutt.us/6eLmF

  • صمت الأقلام وضجيج الرقابة:

http://cutt.us/qZel6

  • ترويض الانترنت:

http://cutt.us/c8MWD

  • إعلام ضد المواطنة:

http://cutt.us/6BCDp

وهناك الكثير والكثير من الأمثلة المشابهة، ونكتفي بهذا الكم فقط من أجل لفت نظر زملائنا الأعزاء إلى أن سنوات الحرب السورية وسياقاتها السياسية بدأت تحفر عميقاً في ذواتنا كسوريين من حيث ندري أو لا ندري.

النقطة الثالثة: اختيار العينة

  • اعتمدت المادة الصحفية للزملاء في إذاعة (آرتا أف أم) جملة؛ “تناقضات في اختيار العينة” كعنوان لأحد مآخذها على الدراسة، حيث اعتبرت أن الدراسة غيّبت فئة الإعلام المستقل والمحايد عن العينة، وأوردت الحجة التي ساقتها الدراسة في أن تعريفات الإعلام المحايد ضمن الدراسات السابقة ملتبسة ومتداخلة وغير دقيقة في إطار الاتجاه السياسي العام للوسيلة، ثم طالبتنا مادة الزملاء باعتبار إحدى وسائل الإعلام محل الدراسة مؤسسة مستقلة في اتجاهها السياسي “حتى وإن ظهرت مع الثورة”. فمن الذي وقع في التناقض هنا الدراسة أم المادة الصحفية؟، فعلى ما يبدو مفهوم الإعلام المستقل في إطار الاتجاه السياسي العام غير واضح بالنسبة للزملاء في للإذاعة!  وفي ذات الفقرة تطالبنا المادة الصحفية بتبني تقييماتها الخاصة ووجهة نظرها من بعض وسائل الإعلام السورية، تلك التقييمات التي تحمل بذاتها خطاب كراهية يتضمن وصم واتهامات، من قبيل اتهام بعض وسائل الإعلام بأنها “تستخدم خطاب طائفي وتحريضي”، إضافة إلى اتهام وسائل إعلام أخرى بأنها “مقربة أو محسوبة على حزب الاتحاد الديمقراطي PYD”. معتبرة أن الدراسة وقعت في “التناقض” عندما استثنت، وفق معاير اختيار العينة التي حددتها الدراسة بشكل واضح؛ “وسائل الإعلام الناطقة باسم أحزاب سياسية والتي تصرّح بشكل رسمي وعلني عن انتمائها لحزب سياسي”، ويبدو أن الإذاعة ومادتها الصحفية لم تدركا الفرق بين وسيلة إعلام مقربة من حزب وبين وسيلة إعلام حزبية تابعة لحزب بشكل رسميّ وعلنيّ وتصرح بذلك بشكل مباشر، غافلة بذلك عن أن الدراسة هي جهد علمي بحثي يبني معلوماته على الأدلة والمراجع الموثوقة ونتائج البحوث والدراسات، وليس وفقاً للكلام المرسل أو التقييمات الشخصية والمزاجيّة، وهذا هو جوهر الفرق بين البحث العلميّ الجاد و الآراء المرسلة.
  • غاب عن ذهن الزملاء في انتقادهم لتوزيع وسائل الإعلام داخل فئات التحليل؛ أن لحظة تقسيم تلك الفئات سابقة على الوصول إلى النتائج، وبذلك فهُم يتعاطون مع نتائج الدراسة عند اتهامها بالخلط بين من يستخدم معدل عالي ومن يستخدم معدل أقل من خطاب الكراهية، سواء بالنسبة للإعلام السوري عامةً، أو بالنسبة لكل نمط إعلامي أو اتجاه سياسي لوسائل الإعلام. وبهذا الانتقاد فهم يستخدمون لغة الأحكام المسبقة ويدعمون من حيث لا يعلمون موضوعية الدراسة، فكيف لدراسة هي الأولى في مجالها وتنطلق من سؤال رئيسي هو: “هل تستخدم وسائل الإعلام السورية خطاب الكراهية والتحريض على العنف؟” أن تعلم مسبقاً من هي الوسائل التي تستخدم معدلاً عالياً ومن تستخدم معدلاً منخفضاً من خطاب الكراهية، لذلك اعتمدت الدراسة في توزيعها وسائل الإعلام ضمن فئات التحليل على العدد المتساوي داخل كل فئة.
  • أما عن استخدام المتوسطات كأسلوب إحصائي يدرك أهميته وضرورته المختصون في هذا النوع من البحوث والدراسات؛ فهو يعتبر إحدى مقاييس النزعة المركزية، وهو الأسلوب الأنسب إحصائياً لمعالجة البيانات التي جمعتها الدراسة لناحية أنه مقياس يأخذ بعين الاعتبار جميع القيم والمشاهدات المتوفرة. إضافة لذلك فالمتوسط أو الوسط الحسابي بالتعريف هو ” قيمة تتجمع حولها قيم المجموعة ويمكن الحكم من خلالها على بقية قيم المجموعة”، وعليه فكل من يعرف مبادئ الإحصاء يعلم يقيناً أن المتوسط أو الوسط الحسابي ليس قيمة مجردة بذاتها بل هو قيمة ناتجة عن مجموعة قيم يعطي مؤشراً عاماً عنها. أما عن وجود قيم استخدام عالية لخطاب الكراهية لدى بعض وسائل الإعلام وأخرى منخفضة، مما يؤثر على قيمة المتوسط العام للنمط الإعلامي أو الاتجاه السياسي، فهذا أمر طبيعي يعلمه أيضاً المتخصصون بالإحصاء؛ فالمتوسط يتأثر بالقيم الشاذة، ولا يوجد أي أسلوب إحصائي خالٍ من العيوب، وهذا مالم يفت الدراسة ولم تسهو عنه، لذلك أضافت الدراسة في نتائجها المتضمنة كل وسيلة على حدة عموداً خاصاً تحت اسم نسبة مساهمة الوسيلة في خطاب الكراهية العام للنمط الإعلامي، وعندما تم التواصل مع كل وسيلة من وسائل الإعلام محل الدراسة تم إطلاعها على نسبة استخدامها لخطاب الكراهية، إضافة لمساهمتها في النسبة العامة لنمطها الإعلامي. وجرى حجب تلك الجداول والنتائج عن النسخة المنشورة من الدراسة لأسباب جرى ذكرها آنفاً. كما أن الدراسة وضحت في متنها أنها استخدمت منهج دراسة الحالة لكل وسيلة من الوسائل المكونة للعينة، وهي بذلك لم تخلط في النتائج بين الوسائل، وإنما عرضت النتائج العامة فقط لأنها تتعاطى مع خطاب الكراهية في وسائل الإعلام السورية بشكل عام وتسعى لاستطلاعه كحالة عامة في الإعلام السوري كما يعكس عنوان الدراسة، ولم تستهدف التشهير بوسائل الإعلام السورية. وقد أكد الزملاء في نقدهم للدراسة بأن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير قد تواصل مع وسائل الإعلام محل البحث وأطلعها على النتائج قبيل نشر الدراسة، وهذا ما يؤكد أن هدف الدراسة ليس التشهير بالوسائل وإنما تطوير أدائها.
  • وحول أن الدراسة “ادعت” أن اختيار كل مفردة من مفردات العينة مضبوطة بدقة، فقد خلط نقد الزملاء في الإذاعة بين مفهوم مفردة العينة وفئة التحليل؛ فالمفردة في لغة البحث العلمي هي في دراستنا كل وسيلة إعلامية من الوسائل المكونة للعينة، أما فئة التحليل فهي مجموعة مفردات قُسمت على أساس التشابه في النمط الإعلامي أو الاتجاه السياسي العام. لذلك عندما قالت الدراسة أنها اختارت بدقة مفردات العينة؛ فهذا معناه معايير اختيار كل وسيلة والموضحة في ملاحق الدراسة، وليس لها أي علاقة بتقسيم فئات التحليل.

النقطة الرابعة: آلية الرصد

  • استخدمت مادة الزملاء في الإذاعة عبارات في نقدها لآلية الرصد توحي للقارئ بوجود ما أسمته “سهوة منهجية” “باعتراف أحد مشرفي المشروع”، وهي أن الراصدين لم يكونوا مدربين بشكل كافٍ في المرحلة الأولى“، وهنا – بحكم الزمالة – نعتبر ان ذلك قد تم نتيجة فهم خاطئ والأهم من ذلك أن الإذاعة غيّبت عن ذهن القارئ في هذا السياق أن الجولة الأولى أو “المرحلة الأولى للمشروع”، كما أسمتها، كانت هي الجولة التجريبية للتأكد من جاهزية الراصدين فقط وفعالية الاستمارة الإلكترونية وإشكالاتها، ولم تدخل نتائجها ضمن الدراسة، حيث تم بعدها التأكد من جاهزية الراصدين وإطلاق الجولة الثانية أو المرحلة الثانية، والتي اعتُمدت نتائجها. وأغفلت مادة الزملاء تلك الحقيقة عن قارئها على الرغم من أن الدراسة ذكرت ذلك بكل وضوح في النقطة الثانية عشرة من منهجيتها المتعلقة بعملية الرصد، نقتبس ما يلي: ” انقسم المشروع إلى جولتي رصد، الأولى تجريبية وجرى فيها تدريب (24) راصداً على آليات الرصد واستخدام القاموس الخاص بمفردات الكراهية، وملء الاستمارة الخاصة بكل نمط إعلامي، وبعد التأكد من جاهزية الراصدين تم إطلاق الجولة الثانية من الرصد، والتي امتدت لسبعة أيام من 24 أيار/مايو 2018 إلى 30 أيار/مايو 2018.”
  • وفيما يخص الراصدين فنود أن نؤكد على ما ذكرته الدراسة في متنها، وهو أن الراصدين جرى اختيارهم بدقة (من الصحفيين ممارسي العمل الإعلامي) وفقاً للمعايير التي وضعها الخبراء المشرفون على عملية الرصد، ونستغرب كيف ادعت مادة الزملاء في الإذاعة أن صحفي ممارس للعمل الإعلامي غير قادر على التمييز بين ضيف الوسيلة الإعلامية والعاملين في الوسيلة الإعلامية؟  كما جرى تدريبهم على آلية رصد كل وسيلة على حدة وكيفية تفريغ نتائج الرصد في الاستمارات المخصصة، ثم تم إجراء عملية رصد تجريبية جرى على أساسها التأكد من جاهزية الراصدين قبل عملية الرصد النهائية.
  • وبالنسبة لراصدي وسائل الإعلام الكردية؛ فجميعهم اللغة الكردية هي لغتهم الأم وجميعهم لديه باع طويل في الصحافة الكردية، وذلك حرصاً على قدرتهم على فهم السياق الحقيقي، سواء بالعربي أو الكردي، للكلمات التي تعتبر ضمن مفردات الكراهية. كما جرى تبديل الراصدين بين الوسائل الإعلامية في منتصف جولة الرصد، ومن ثم مقارنة نتائج رصد كل وسيلة قبل وبعد عملية التبديل، حرصاً على الموضوعية وعدم تحيز الراصد.

النقطة الخامسة: “ازدواجية المعايير”

  1. تعود المادة الصحفية التي أعدها الزملاء في إذاعة آرتا (أف أم) إلى استخدام تعبيرات نعتقد انها تشوش على ذهن القارئ في عناوين نقاطها التي انتقدت بها الدراسة من قبيل “ازدواجية المعايير”، حيث لم تقدم في هذه النقطة نقداً علمياً، وإنما تحاول إلزامنا بوجهة نظرها وتقييمها الخاص لكلمات الكراهية، مفترضة أن الدراسة لم تكن دقيقة في اختيار المفردات.
  2. اعتمدت الدراسة في تحديد المفردات التي تمثل خطاب الكراهية على المعايير العالمية لاختيار تلك المفردات في الحالة السورية، وعلى ورشات ضمت خبراء دوليين في مجال خطاب الكراهية، وورشات عمل جماعية، إضافة إلى مساهمات الراصدين، وهم أربعة وعشرون راصداً من العاملين في المجال الصحفي السوري، ولم يتم تحديد تلك المفردات بشكل فردي من قبل شخص أو وفق أي اتجاه سياسي أو إيديولوجي. والأهم أن عملية الرصد لم تتعاطى مع المفردات كمعاني مجردة، وإنما بالاعتماد على ستة معايير للحكم على تعبير الأشخاص أو الهيئات ما إذا كان يحمل خطاب الكراهية أو الحض على العنف، وهي كما أوضحتها الدراسة في متنها، أولًا: سياق التعبير. ثانياً: الشخص قائل التعبير أو المتحكم في وسيلة نقله للجمهور. ثالثاً: نية قائل التعبير، فالإهمال والتهور ليسا كافيين لوقوع جرائم الكراهية والحض على العنف أو التمييز. رابعاً: حجم التعبير وطبيعته العامة بمعنى المحتوى أو الشكل الذي ظهر به الخطاب وهل الحجج المستخدمة فيه وردت-مثلًا-في سياق الوصف أو السرد التاريخي أو عرض حقائق علمية. خامساً: إمكانية انتشاره. سادساً: رجحان حدوث النتائج المترتبة على الحض على العنف. والمعيار الأخير يراعي خصوصاً تفاوت حجم تأثير خطاب الكراهية والحض على العنف. وبناءً عليه فالدراسة كجهد بحثي غير معنيّة علمياً بمحاولات تبرير استخدام بعض مفردات الكراهية أو تسويغها بدوافع سياسية أو عاطفية أو أيديولوجية.
  3. وعن بعض مفردات الكراهية الإشكالية التي احتجت عليها مادة الزملاء في إذاعة (آرتا أف أم)، نورد ما يلي:
  • فيما يخص بعض المفردات التي أوردتها مادة الإذاعة، فقد افترضت المادة أن الدراسة لم تميز بين فصائل المعارضة المعتدلة والمتشددة، ولا نعلم كيف بنت الإذاعة هذا الافتراض، فالدراسة لم تذكر أسماء الفصائل التي تم وصمها من قبل وسائل الإعلام الكردية بعبارات: (دواعش، إرهابيون، إلخ)، ولكننا نعلم يقيناً أننا قد طبقنا المعايير الستة لتحديد هل الخطاب خطاب كراهية أم لا: وعلى رأسها مقاصد القائل والسياق.
  • أما فيما يخص كلمات (مستوطنون، توطين العوائل العربية، إلخ)، والتي استخدمت في وصم مهجري الغوطة من المدنيين، فقد أُدرجت ضمن مفردات الكراهية لأنها استخدمت ضد سكان مدنيين وليس ضد فصائل عسكرية، وهؤلاء المدنيون لم يختاروا أن يهجروا من بيوتهم، مثَلُهُم كمثلِ مدنيي عفرين ممن هجروا، ولم يختر أولئك المدنيون أن يسكنوا عفرين، وإنما جرى ذلك بإرادة قوى أكبر منهم ولا تمت لهم بصلة ولا يحملون ذنبها، خاصة أن أهالي الغوطة سوريون ضمن الأراضي السورية وليسوا أتراكاً وطنّهم الجيش التركي في سوريا، ناهيك أن مصطلح (المستوطنون والاستيطان) هو استعارة من الحالة الفلسطينية وتحمل معاني وإشارات تدعو إلى الكراهية وتبرير العنف ضدهم، لما تحمله من دلالة على اغتصاب الأرض واحتلالها.  
  • أما فيما يخص كلمة (احتلال تركي) أو (عدوان تركي)، فقد فسرت الدراسة الكلمة في موضعها بأنها استخدمت في وصم فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، أي أطراف سورية ولم تستخدم لوصم الجيش التركي، والذي لم تعتبر الدراسة وصفه بالاحتلال كلمة كراهية في حال ورودها في وصفه كما جاء في أماكن كثيرة.
  • أما في ما يخص مصطلحي (كردستان سوريا، روجافا) وموجبات إدراجهما المشروحة في الدراسة، فتستغرب مادة الزملاء في الإذاعة من أنهما اعتُبرتا في الدراسة مفردات كراهية تحت خانة (التمييز)، رغم أنها  مصطلحات “جغرافية-سياسية” بحسب وصفها، وهنا تناقض كبير تقع فيه مادة الإذاعة من جديد، من حيث اعتبارها أن إطلاق تسميات كردية على جغرافية شمال شرق سوريا هو “أمر طبيعي، خصوصاً إذا استخدمته وسائل الإعلام العالمية”، في حين تؤكد مادة الإذاعة في نقطتها الأولى التي تتهم الدراسة بالتمييز على أساس عرقي، أن: شمال شرق سوريا متعدد اللغات، وبالتالي الأعراق والمكونات. كالكرد والعرب والسريان والأرمن. وعليه كان إدراج الدراسة للمصطلحين ليس ككلمات مجردة بذاتها، وإنما كخطاب استخدم في سياق الاستئثار بتلك المنطقة الجغرافية المتعددة ونسبها لمكون دون غيره. لذلك أدرج تحت خانة (التمييز) فقط، وليس غيرها من الخانات.
  • وعن شرح موجبات تصنيف كلمة “ميليشيات شيعية”، وورودها في الجدول الخاص بوسائل إعلام المعارضة، فهذا لا يعني الانحياز لها أبداً، وإنما هو شرح يشمل المفردة بذاتها وموجبات إدراجها أينما وردت بغض النظر أين ورد هذا الشرح.
  • تستشهد مادة الزملاء في إذاعة (آرتا أف أم) بتقارير لـ”هيومان رايتس ووتش”، متناسية أن تلك المنظمات الدولية تستخدم في بعض تقاريرها كلمة “كردي” لوصف انتهاكات حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو ما عابته المادة على الدراسة في استخدامه كوصف لوسائل إعلام ضمن إطار بحثي علمي، وهنا نحيل الزملاء معدّي المادة الصحفية إلى تقرير عن “هيومن رايتس ووتش” الصادر في عام 2014 تحت عنوان ” تحت الحكم الكردي..الانتهاكات بالمناطق الخاضعة لإدارة حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا”، مع العلم أن مثل هذا العنوان اعتبرته الدراسة، وفقاً للمعايير التي تحتج عليها الإذاعة، خطاب كراهية باعتباره وصف عام ومطرد يتجاوز انتهاكات حزب بعينه ويعممها على مكون كامل. رابط تقرير “هيومن رايتس ووتش”: https://bit.ly/2CKykJG .

النقطة السادسة: “تفسيرات غير صحيحة”

  • شككت مادة الزملاء في إذاعة (آرتا أف أم) بدقة وصحة نتائج الدراسة الإحصائية دون أي تفسير أو تقديم دليل!، وسنتجاوز عن هذا. كما اعتبرت التفسيرات التي قدمتها الدراسة لتلك النتائج أيضاً غير صحيحة مستندة في ذلك إلى أن الدراسة أسمت الجهة الرقابية على الإعلام والمخوّلة بمنح التراخيص من عدمها لدى الإدارة الذاتية باسم “هيئة الثقافة والفن” في حين هي “المجلس الأعلى للإعلام”. وهنا وقعت الإذاعة في تناقض جديد، فهي لم تنكر وجود هيئة للرقابة بغض النظر عن اسمها، وهذا هو جوهر ما ذكرته الدراسة. أما عن اختلاف التسميات؛ فنرفق رابطين من جريدة “عنب بلدي”، وفي الرابطين خبر حول قرار هيئة الثقافة في الإدارة الذاتية بمنع توزيع “جريدة عنب بلدي” و”تمدن” و”كلنا سوريون” و “عين المدينة” لأنها هاجمت الإدارة الذاتية قبل سنوات، إضافة لصورة قرار المنع المروّسة باسم “هيئة الثقافة”، وعموماً، سيتأكد المركز من تسمية الجهة الرقابية والمخولة رسمياً بالاضطلاع بتلك الأدوار في الإدارة الذاتية ويصحح أي خطأ في التسمية، مادام الجوهر متفقين عليه وأقرت به مادة الزملاء. فيما يلي الروابط: https://enabbaladi.net/archives/35427، صورة قرار المنع مروّس باسم هيئة الثقافة: https://www.enabbaladi.net/archives/53252
  • عاد نقد الزملاء معدّي المادة الصحفية لاتهام الدراسة من قناة “الانحياز” لعينة وسائل إعلام المعارضة؛ عندما قدمت الدراسة التفسير التالي المقتبس: بأن “وسائل الإعلام المعارضة تتمتع بهامش حرية واسع وغير متوفر لنظيراتها في الاتجاهين السابقين، ويأتي هامش الحرية لديها كنتيجة لعدم خضوعها لأي سلطة مركزية تحدد اتجاهها العام أو سياستها التحريرية.”  حيث اعتبرت المادة الصحفية أن هذا الكلام غير دقيق وغير صحيح بالنسبة لوسائل الإعلام العاملة في تركيا والممولة خليجياً. وهنا تعود المادة الصحفية من جديد لتقع في تناقض آخر، فمن جهة تقول بأن صحيفة عنب بلدي (العاملة في تركيا) مهنية مستقلة ومن جهة أخرى تعتبر أن وسائل الإعلام السورية العاملة في تركيا خاضعة للرقابة التركية، وهذا بحد ذاته خطأ، حيث أن وسائل الإعلام السورية في تركيا تعمل تحت مسمى منظمات مجتمع مدني أو شركات خدمات إنتاجية وليس وسائل إعلام مُرخّصة، وذلك لاعتبارات عدة، وبهذا فهي لا تخضع لأي شكل من أشكال الرقابة من قبل وزارة الإعلام التركية أو أي جهة إعلامية رسميّة، ولا تخضع لجهة ترسم خطابها العام وتنظمه وتوجهه كما قصدت الدراسة من وجود سلطة مركزية على وسائل الإعلام لدى نظيراتها. أما فيما يخص الوسائل الممولة خليجياً، فقد أغفلت مادة الزملاء عن القارئ التفسيرات التي وصلت إليها الدراسة في خانة وسائل الإعلام المعارضة، وهنا نقتبس من بعض تلك التفسيرات من الدراسة:
  • “إضافة لذلك يُلاحظ لدى وسائل الإعلام المعارضة خطاب كراهية وتحريض على العنف متأثر إلى حدٍ ما بمواقف الدول الداعمة للمعارضة السورية مثل تركيا وقطر. حيث يُلاحظ استهداف خطاب الكراهية لدى إعلام المعارضة لقوات حزب الاتحاد الديمقراطي المعادي لتركيا باستخدام مفردات مثل “الميليشيات الكردية”، “المليشيات الانفصالية”، كما يتجاوز هذا الخطاب المتأثر بمواقف الداعمين المستوى المحلي السوري إلى استهداف أطراف إقليمية عبر استخدام مفردات مثل “أداة إماراتية”، “رجل السعودية”.”
  • “لوحظ أن وسائل الإعلام المعارضة المدعومة من منظمات دولية هي الأقل استخداماً لخطاب الكراهية، مقابل وسائل إعلام معارضة مدعومة من رجال أعمال، والتي كانت نسبة الاستخدام فيها مرتفعة أكثر نسبياً بحكم التحرر من الداعم والمعايير التي يفرضها، أو وسائل الإعلام المعارضة التي تتلقى دعم من حكومات منخرطة في الصراع السوري، حيث كانت نسبة الاستخدام فيها تقارب تلك المدعومة من رجال أعمال.”   

فهل بعد ذلك؛ الدراسة انحازت أم أن المادة الصحفية اجتزأت وأغفلت! فقد أظهرت نتائج الدراسة عدم انحياز لأي اتجاه سياسي تمثله الوسائل الإعلامية محل البحث؛ فقد جرى حساب نسبة استخدام خطاب الكراهية لدى كل اتجاه وفقاً للبيانات الكمية الناتجة من عملية الرصد، وعرض مفردات الكراهية التي يستخدمها كل اتجاه على حدة، دون تبرئة أي من الاتجاهات أو الانحياز له في تحليل خطابه. وفيما يخص التفسيرات التي قدمتها الدراسة للنتائج التي توصلت إليها، فلا يعنينا علمياً أن تكون مرضية ومتوافقة مع مزاجيّة ووجهة نظر أي طرف، بقدر ما يعنينا أن تكون مبنية على أسس علمية سليمة، ومقدمات منهجية صحيحة.

النقطة السابعة: الاختصاص

  • اتهم الزملاء معدو المادة الصحفية المركز السوري للإعلام وحرية التعبير بعدم التخصص كونه ليس وسيلة إعلامية على حد تعبيرهم، وهنا تناقض جديد في كلام الزملاء في مقدمة نقدهم، فإذا كانت الإذاعة لا تعتبر المركز وسيلة إعلامية، فكيف تقول إن دراسته تمثل خطاباً إعلامياً يحرض على التمييز العنصري؟ وبالتجاوز عن نقطة أن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير “ليس لديه خبرة إعلامية” كما اتهمته المادة الصحفية، وهنا نحيل معدّي المادة الصحفية إلى تاريخ تأسيس المركز وتجربته ونتاجه المتوافر على موقعه الإلكتروني، متجاوزين عن الخوض في هذه النقطة.  ولكن في سياق حديث مادة الزملاء عن التخصص؛ أغفلت عن قارئها ما ذكرته الدراسة صراحةً في أكثر من موضع ضمن متنها أن القائم على الدراسة، وهو: (مرصد خطاب الكراهية والتحريض على العنف)، والذي يعتبر قسماً من أقسام المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وقد جرى تأسيسه وتجهيزه ضمن المركز بشراكات دولية وخبرات علمية وباحثين كمقدمة لإنجاز تلك الدراسة، وبالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
  • ومن مفارقات النقد الذي قدمته مادة الزملاء في إذاعة (آرتا أف أم)، مطالبتها بإشراك وسائل الإعلام السورية المكوّنة لعينة الدراسة في إعداد الدراسة نفسها!، وهو أمر مستهجن علمياً، فكيف لعينة أن تشارك بدراسة نفسها؟،وأي موضوعية ترتجى من هكذا دراسة. والمركز أعلن صراحة أنه سيستخدم نتائج الدراسة لبناء شراكات مع وسائل الإعلام السورية لتطوير أدائها وتطوير قاموس لمفردات الكراهية في محاولة ليتم إدراجه في مواثيق الشرف الصحفي السوري.
  • ونود أن نضع بين يدي القارئ بعض من الحقائق التي أوردتها الدراسة، وغيبها نقد الزملاء: “استغرق إعداد الدراسة بشكلها النهائي كما جرى التوضيح في متنها ما يقارب العام ونصف، وقد شارك في إنجازها ما يقارب الثلاثين شخصاً عملوا تحت إشراف إدارة المركز السوري للإعلام وحرية التعبير/مرصد خطاب الكراهية والتحريض على العنف، وبالشراكة مع منظمة اليونيسكو، وقد كان القائمون على الدراسة من انتماءات مختلفة تمثل المكونات السورية وليسوا من لون واحد حتى يكون هناك أي شكل من أشكال التعصب أو التحيز أو عدم الموضوعية، وقد مرّ المشروع بعدة مراحل من الإعداد والتدريب والتجريب قبل البدء بجولة الرصد النهائية (يمكن الاطلاع على مراحل المشروع في الدراسة).

ختاماً:

نود أن نشدد على ما أكدته الدراسة في توصياتها، ومنه نقتبس: “تندرج هذه الدراسة تحت خانة الدراسات التأسيسية والاستطلاعية، والتي تمهد وتؤسس لحقل بحثي جديد في مجال الدراسات الإعلامية السورية، لذلك لا بد من البناء على هذا البحث ودعم الدراسات والبحوث الأكاديمية في هذا المجال”. وعليه فدراسة المركز السوري للإعلام وحرية التعبير لم تكن دوغمائية في نتائجها، ولم تدعي قدسيّة طرحها وكمالهُ، وإنما هي جهد بحثيّ يصب في إطار تطوير العمل الإعلامي السوري وفتح باب النقاش في مجال لا يزال غائباً عن اهتمام الإعلام السوري. ولذلك نرحب بأي نقاش محترم منفتح موضوعي. ونشير إلى أن المركز سيُنظّم في أيار/مايو القادم ندوة سيدعو إليها ممثلين عن وسائل الإعلام السورية، بغية تطوير نتائج الدراسة والبناء عليها  كجزء من المرحلة الثانية وذلك في إطار حرص المركز على التخفيف من استخدام هذا الخطاب ورفع الوعي بمخاطره على مستقبل المجتمع السوري.