الإعلام المغاربي والإصلاح: «الربيع» سيتأخر قليلاً

هناك شيء يحدث في المشهد الإعلامي المغاربي. بعد نصف قرن من إحكام القبضة على القطاع المرئي والمسموع، الجزائر تفتح فضاءها للقنوات الخاصة. وفي تونس، انطلقت خمس محطات… مع ذلك، فالكلّ أجمع على أنّ ذلك ليس سوى محاولة لامتصاص غضب الشارع
سهير اللحياني
جريدة الأخبار

«الشعب يريد إصلاح الإعلام»، «الشعب يريد حرية الإعلام»… شعارات رافقت «الربيع العربي» الذي أسهم في توسيع هامش الحريات الإعلامية في عدد من بلدان المغرب العربي، وأولها تونس. في بلاد الطاهر الحداد، فسح أخيراً المجال للاستثمار الخاص في قطاع الصحافة المكتوبة، ووصل الأمر منذ أسابيع إلى الترخيص لعدد من القنوات التلفزيونية والإذاعات. بعد الثورة وتحديداً في 25 شباط (فبراير) الماضي، أنشأ مجلس الوزراء في تونس ـــــ بمقتضى مرسوم خاص ـــــ «الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال» التي تتولى صياغة تصورات كفيلة بالارتقاء بالمؤسسات الإعلامية إلى مستوى أهداف ثورة الحرية والكرامة، فضلاً عن تطوير هذا القطاع بما يكرس حرية الرأي والتعبير، ويحفظ حق الشعب التونسي في إعلام حرّ تعدّدي ونزيه.

ومن بين مهمات هذه الهيئة إبداء الرأي في شأن المطالب المقدمة لإنشاء قنوات تلفزيونية، وهي مهمة مؤقتة في انتظار صدور قانون ينص على الشروط المعتمدة لمنح تراخيص لقنوات تلفزيونية.
وكدفعة أولى، منحت الهيئة تراخيص لخمسة تلفزيونات خاصة هي «قناة الحوار التونسي» «قولدن تي في»، «خامسة تي في»، و«أوليس تي في» و«تي دوبلفي تي». كما أبدت دعمها لمشروع إطلاق قناة رسمية رياضية أرضية تابعة لمؤسسة التلفزة التونسية. وعن هذه المشاريع الجديدة، صرّح رئيس الهيئة كمال العبيدي لـ«الأخبار» بأنّه يأمل أن تسهم هذه القنوات الجديدة في تطوير المنافسة وتحسين أداء المشهد الإعلامي وتعزيز التجربة الديموقراطية في تونس. ومن ضمن المطالب الأساسية اليوم في الساحة الإعلامية الإسراع في سدّ الفراغ القانوني في المشهد الإعلامي باعتباره عاملاً أساسياً لضمان نجاح الانتقال الديموقراطي في تونس. وفي هذا الإطار، يشير كمال العبيدي إلى هشاشة المشهد الإعلامي في ظلّ غياب قوانين تنظم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، في وقت كان ينتظر فيه العاملون في قطاع الإعلام التعجيل في تطهير المؤسسات الإعلامية من رموز النظام السابق وسنّ قوانين جديدة تعزّز حرية التعبير. من جانبه، صرّح الخبير الإعلامي رضا النجار بأن القطاع المرئي والمسموع في المغرب العربي يشكو من مشاكل عدة، أهمها الخضوع للسلطة التنفيذية، ونقص العاملين في المؤسسات الإعلامية، وتقلص الموارد المالية وعدم القدرة على منافسة القطاع الخاص.
ولا يختلف وضع الإعلام في الجزائر (راجع المقال ص 14) عما هو في تونس. الانفتاح التدريجي الذي شهده قطاع الإعلام في بداية الثمانينيات في بعض البلدان العربية منح حرية نسبية للصحافة المكتوبة، لكن مع مواصلة التشدد على الممارسة الإذاعية والتلفزيونية. هكذا، ظلّ المشهد المرئي والمسموع يشكو من نواقص، وخصوصاًَ أنّ السلطات الجزائرية لم ترفع احتكارها له إلا هذا الشهر! وجاء هذا الإجراء في خضم عملية الإصلاح التي باشرها النظام الجزائري لامتصاص الغضب الشعبي الذي يخشى تفجّره في الجزائر، مثلما حصل في الدول العربية الأخرى.
بعد حوالى نصف قرن على احتكار السلطة للقنوات الإذاعية والتلفزيونية، قرر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تحرير المجال المرئي والمسموع بعدما ظل يرفض هذا الأمر، بحجّة أن أي تحرير لهذا القطاع قد يؤدي الى تأزيم الوضع في البلاد.
وفي الجهة الأخرى، أضحى المجتمع المغربي يؤمن بضرورة الانخراط في سياق التحولات الرامية إلى النهوض بقطاع الإعلام. هناك أكثر من 60 طلباً لإنشاء محطات حرة. التحولات التي شهدها هذا القطاع في المغرب تتمثّل خصوصاً في مشروع القانون المتعلق بالقطاع المرئي والمسموع الذي يحدّد شروط إنشاء مؤسسات إعلامية خاصة وعمومية.
ومن المغرب إلى ليبيا، حيث يغلب التخبّط على المشهد الإعلامي. لكن المؤكد أنه لن يكون أسوأ مما كان عليه في عهد العقيد القذافي، حيث تميز إعلامه بالخطاب الواحد الفاقد كل قواعد الإعلام ومبادئه.
وإجمالاً، فإن المغرب العربي، على الرغم من أنه شهد نقلة نوعية في مجال تطور المشهد الإعلامي نحو الأفضل، لا يزال يشكو من نواقص عدة، أبرزها تحكم السلطة به سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. لكن يبقى سعي الحكومات إلى إصلاح الإعلام مجرد مساع لامتصاص غضب شعوبها والالتفاف على الحرية المطالب بها.