القاصرات: وقود الحرب الديمقراطية – عن تجنيد الفتيات القاصرات في شمال شرق سوريا

وضعت التغيرات المتسارعة التي فرضها النزاع، وردود الفعل السورية والإقليمية والكردية الرافضة لمشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، المشروع برمته تحت وطأة التراجع وعودة الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه قبل 2011. في ظل خلو القانون الدولي من تعريفٍ واضحٍ للكيانات أو السلطات التي تتشكل نتيجة حروب أهلية أو ثورات، يبقى مبدأ الاعتراف الذي يضفي الشرعية على الكيانات الجديدة في القانون الدولي، السبيل الوحيد لاستمرار مشروع الإدارة أو أقله لكسب هامشٍ أكبر من المناورة على طاولة المفاوضات في أي تسوية مقبلة، وللحفاظ على المكتسبات أو بعضها أياً كانت مآلات النزاع. وعلى الرغم من تعامل الدول مع مبدأ الاعتراف بما يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية، فإن مفاهيم حقوق الإنسان ومقدار الالتزام بها وإدراجها في البنى والهيئات الناشئة، باعتبارها إطاراً معيارياً للعملية التشريعية في أي كيان جديد، باتت تشكل عاملاً حاسماً من عوامل القبول والاعتراف من المجتمع الدولي والمنظومة الغربية تحديداً. هذا ما تنبه له حزب الاتحاد الديمقراطي الذي كان له الدور الأبرز في تأسيس الإدارة الذاتية وقوات سورية الديمقراطية “قسد”، بالترويج لتجربة الإدارة كنموذج حضاري نهضوي للحوكمة في ظل نظام علماني يستند إلى قيم التسامح والتعددية، ويلتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تتصدره قيمة المساواة بين الجنسين، والحقوق الكاملة للمرأة. وهو ما يركز عليه الحزب مستفيداً من تراجع واقع المرأة في المنطقة عموماً، ومن تحرر بعض الأوساط الاجتماعية الكردية لتصوير المناطق الخاضعة لسيطرته بأنها واحة المساواة والمناصفة، ومشاركة المرأة في الحياة المدنية والعسكرية. 

وعلى مدار سنوات الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، وفي مقابل النموذج الأفغاني الطالباني للمرأة المغطاة بالكامل والمخفاة عن الأنظار الذي طبقته الجماعات الإسلامية المتطرفة، ومشاهد أسر النساء الإيزيديّات وبيعهنّ كسبايا التي صدّرها التنظيم الإرهابي، وصور اضطهاد المرأة السوريّة وحرمانها من المشاركة السياسية والمجتمعية في عددٍ من المناطق الخاضعة أو التي خضعت لسيطرة المعارضة المسلحة، كانت صور المقاتلات الكرديّات كأيقونات للتحرر في مواجهة الظلامية، استثماراً ثميناً للحزب لصرفه في الاعتراف الدولي بمشروع الإدارة. فيما شكلت للإعلام الغربي قصةً إعلاميّة واجتماعيّة تتماشى مع سوق الاستهلاك الإعلاميّ اليومي، وتُحاكي العقل الغربيّ المعاصر المسكون بالمخاوف من “الإرهاب”، والذي باتت الصورة المورد الأبرز لمعارفه وتكوين قناعاته، لتتصدر صور النساء الكرديّات المقاتلات مواقع التواصل الاجتماعيّ، والمواقع الإلكترونيّة الإخباريّة الغربية، عند الحديث عن المنطقة.

الاهتمام الغربي بصور النساء الكرديات المقاتلات قابله تجاهلٌ لانتهاك تجنيد القاصرات المستمر في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الديمقراطية، والذي تقوم به جهات متعددة تعمل جميعها على جذب القاصرات والزج ببعضهن في الأعمال القتالية. كذلك تقوم في سبيل ذلك بتجاوز سياسات الترغيب والترهيب نحو اختطاف العشرات من الأطفال وعلى وجه الخصوص الإناث، بهدف نقلهن لمعسكرات تابعة لـ “وحدات حماية الشعب”، أو “وحدات حماية المرأة”وهو ما استمر خلال عامي 2020-2021 رغم الرفض الشعبي والإدانة الدولية، وبقي يستهدف حق الفتيات القاصرات في الحياة والسلامة الجسدية، والحق في حرية التنقل والحق في التعليم، وحق ذويهن بمعرفة الحقيقة في حال كان التجنيد مرتبطاً بعملياتٍ خطفٍ للضحايا. وهو ما يسعى التقرير للبحث في مسببات حدوثه واستمراره، وفي جهود الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بهيئاتها المختلفة للتصدي للانتهاك والتي منها التزام قوات سوريا الديمقراطية بخطة العمل الموقعة مع الأمم المتحدة و التي تم بموجبها إنشاء مكتب حماية الطفل، والذي كان له دور بارز في التصدي لانتهاك تجنيد الأطفال دون منعه ووقفه نهائياً.

 

 

 

خلال عام 2021 تلقى المكتب 333 شكوى في شمال شرق سوريا، وعاد 622 طفل مسرح أو مستبعد إلى ذويه.
المسرّح: كان متطوع ذاتياً بمواليد مزورة، وبعد إعداد لجنة مشتركة بين مكتب حماية الطفل و”قسد”، تبين أن مواليده مزورة وتم إعادته إلى أهله.
المستبعد: هو من لديه مشكلة في المنزل ولجأ إلى التجنيد، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال مضمون الشكوى التي يقدمها ذويه. تم تنفيذ خطة العمل مع الأمم المتحدة بشكل سليم، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي يقدّم ضجّة إعلامية لشخص واحد مختطف، ولا يتحدثون عن إحصائيات الأطفال العائدين إلى منازلهم.

خالد جبر (رئيس مكتب حماية الطفل من النزاعات المسلحة في الحسكة) في شهادته لمركز توثيق الانتهاكات

 

 

 

 

لقراءة الملف الكامل: