سوريا – 11 عاماً نحو العدالة

 

باريس، آذار 2022

لم يكن حراك السوريين ومظاهراتهم التي انطلقت في آذار 2011 وليدة الصدفة، وإن أتت في سياق مسار انتفاض عدد من الشعوب العربية الأخرى، بقدر ما شكلت انفجاراً في وجه نظام استبدادي قمعي جثم على صدورهم لعقود قبلها؛ وتثميراً لجهود عدد كبير منهم، على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والحقوقية، فرديةً كانت أم جماعية، ناهضت الاستبداد وقاومته، ودفع هؤلاء بسببها سنين طويلة من حياتهم اعقتالاً أو نفياً، فيما غُيّب الكثيرون منهم قسراً، أو قضوا تعذيباً.

لم يكن السوريون ليجهلوا الطبيعة الإجرامية، للنظام الأمني العسكري الذي تحكم بمفاصل حياتهم اليومية حتى أصغر تفاصيلها، وحرمهم من حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكنهم آمنوا بأن التغيير ممكن، وأن إعلاء الصوت بمطالب محقة تدعو إلى الحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة قد يثمر التغيير الذي ينشدونه؛ فأطلقوا حناجرهم هتافاً، وجابهوا القمع بأكثر من أسلوب تعبير سلمي، شهدها العالم أجمع. لكن مثل هذه المطالب للأسف لم تكن لتقع موقعاً حسناً لدى نظام الاستبداد وأجهزته القمعية، فأمعنت قتلاً وتعذيباً وإخفاءً ولم تترك انتهاكاً جسيماً حرمّه القانون الدولي إلا ومارسته بحق المطالبين بالتغيير السياسي والديمقراطية. كذلك لاحقا فإن قوى الاستبداد الديني، والقومي، لم تتوانى عن الانضمام لقائمة المنتهكين، ومارست بحق المواطنين انتهاكات جسيمة مستمدة القوة من غياب العدالة وأسس المحاسبة، وعدم تحرك المجتمع الدولي لوقف المقتلة السورية.

تمرّ الذكرى الحادية عشر للحراك الشعبي في سوريا في وقت تشن فيه روسيا، الدولة التي لم تقصّر آلتها السياسية العسكرية بالوقوف ضدّ رغبة الشعب السوري في التغيير. منذ بداية الثورة استعملت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد القرارات التي من شأنها وقف اعتداءات النظام على الشعب الأعزل، وعطلت أي جهد دولي لتحقيق العدالة للسوريين ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات بحقهم،  ومن ثمّ وجهت عسكرها وطائراتها لاستهداف المدنيين والمستشفيات، وارتكاب جرائم الحرب. لقد أعادت الصور القادمة من أوكرانيا إلى الأذهان ما جرى في مختلف المدن السورية من بشاعات وتعديات بحق السوريين. إن المطالبات المختلفة بألا تلحق أوكرانيا بسوريا وألا يلحق مستقبل الأوكرانيين بالسوريين يفتح الجرح السوري العميق. حيث أنه فيما لو تمت محاسبة من قام بالفظاعات في سوريا لما كنّا لنرى نفس الفظاعات تتكرر اليوم في أوكرانيا وعلى يد نفس الطرف. 

يجدد المركز السوري للإعلام وحرية التعبير التزامه بمطالب المتظاهرين الأولى، في الحرية والديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان، ويؤكد تطلعه لانتقال سياسي يؤسس لمرحلة جديدة، تصان فيها كرامة المواطنين وتتساوى حقوقهم وواجباتهم دون أي تمييز على أي أساس كان، عرقي أو ديني أو جندري، ويؤكد بأن مثل هذا الانتقال لا يمكن أن يتم دون مسار عدالة انتقالية وطني، غير انتقامي ولا انتقائي، يؤسس لمصالحة وطنية شاملة قائمة على معرفة الحقيقة، ومحاسبة المنتهكين، والتعويض وجبر الضرر للضحايا، إلى أي طرف انتموا. وحتى تحقيق العدالة الانتقالية، فإن المركز لن يألو جهداً، ولن يدخر فرصةً الا وسيدفع فيها إلى إحالة ملف سوريا إلى محكمة الجنائية الدولية؛ مستمراً بعمله في توثيق الانتهاكات بحق السوريين أياً كان المرتكب، وعلى جمع الأدلة والوثائق والمعلومات لتكون في خدمة مسار مقاضاة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، الذين يحاكم بعضهم في عدد الدول وفق الولاية القضائية العالمية،او الولاية القضائية العابرة للاقليم  وإن كانت هذه المحاكمات الفردية ليست هي اعدالة المنشودة إلا أنها تمثل خطوة أساسية تدعم جهود الضحايا في الوصول إلى العدالة المنشودة من قبل السوريين.