كلمة الافتتاح للزميلة يارا بدر في اليوم الأول من محكمة الشعب الخاصة بجرائم قتل الصحفيين في لاهاي

 

صباح الخير.

أعضاء المحكمة الموقرون ،

الخبراء والشهود وجميع الزملاء الصحفيين ،

 

ما يقودنا هنا اليوم إلى جلسة الاستماع هذه في قضية سوريا هو الجهد المتواصل لرفض الاستمرار في سياسة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين في سوريا، وفي جميع أنحاء العالم. قبل أيام احتفل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، ولم تطو صفحات بيانات المؤسسات الحقوقية التي نوّهت أرقامها للتراجع في حرية الصحافة عالمياً إلاّ وكان العالم أجمع يُشاهد صور اغتيال الصحفية شيرين أبوعاقلة في مُخيم جنين. 

استهدفت شرين بينما كانت ترتدي السترة الزرقاء الواقية الخاصّة بالصحفيين ( PRESS)  ) والقبعة، ورغم فشل الأمم المتحدة في الاعتراف بهما كشعار دولي رسمي. ومع ذلك ، فإنّ هذا التمييز يجعل من المستحيل التشكيك في أن شيرين كانت صحفية  وطرف غير مُنخرط في الأعمال القتاليّة، كما تقتضي اتفاقيات جنيف لعام 1949، حين تمّ استهدافها في الرأس بشكلٍ مباشر.

وبينما كان العالم يتابع اغتيال زميلتنا شيرين ، فإن السجل مستمر للجرائم ضد الصحفيين في سوريا والمكسيك وسريلانكا وأفغانستان والعديد من البلدان الأخرى.. 

في تقريره الصادر بعنوان الثقب الأسود وثّق المركز السوري للإعلام وحريّة التعبير، 1609 انتهاكاً وقعوا بحق عاملين وعاملات في المجال الإعلامي، منهم سبعون انتهاكاً بحق إعلاميّات سوريات وأجانب، و702 جريمة قتل وذلك خلال السنوات العشر من آذار 2011 وحتى نهاية 2020، لم تجر أيّ اجراءات قانونية لأيّ من قتلة هؤلاء الصحفيين والصحفيات باستثناء ثلاث جرائم، هي:

–  جريمة مقتل الصحفي الفرنسي جيل جاكييه مراسل FRANCE 2

الذي قُتل في مدينة حمص السورية في شهر كانون الثاني من العام 2012 وفَتح القضاء الفرنسي تحقيقاً رسميّاً في وفاته بتهمة القتل العمد، وكان أوّل صحفي أجنبي يُقتل في سوريا، إلاّ أنّ التحقيق لم يُفضِ إلى أيّ نتائج حتى تاريخه، أيّ بعد عشر سنوات على الجريمة التي اتهمت الحكومة السوري بها.

–  كما جريمة مقتل المصوّر الصحفي ريمي أوشليك الذي قُتل أيضاً في حمص، في استهداف القوات الحكوميّة السورية لمركز بابا عمرو الإعلامي، ولا يزال التحقيق مستمراً أمام القضاء الفرنسي كلك. هذا الاستهداف الذي اصيب فيه كذلك كل من الصحفية الفرنسية اديث بوفييه والصحفي لابريطاني بول كونري وهما ناجيان. 

– وقضية زميلته الصحفية ماري كولفن التي حكمت المحكمة الأمريكية بمسؤولية الحكومة السورية عن استهدافها وقتلها عمداً في قصف مركز باب عمرو الإعلامي في شباط ٢٠١٢ وذلك في العام ٢٠١٩ أي بعد ثلاث سنوات من بدء قضية الحق المدني التي رفعتها عائلتها.

إنّ تغاضيّ المجتمع الدولي عن الجرائم التي ترتكب كل يوم بحق الصحفيين/ات، وتقاعس الهيئات الأمميّة الدوليّة عن توفير آليات الحماية النافذة، والإجراءات الخاصّة الفعّالة التي تتجاوز مستوى التنديد والإدانة النظرية إلى المستوى الفعلي، هو السبب في أنّ واحدة من كل عشر جرائم قتل بحق العاملين في المجال الإعلامي هي التي تصل إلى هيئات المحاكم، وحتى هذه الهيئات تنظر في هذه الجرائم كونها جرائم ارتكبت بحق مدنيين وليس بحق إعلاميين اختاروا أن يُعرّضوا حياتهم للخطر في سبيل إيصال الحقيقة إلى العالم. 

تأتي اليوم، هذه الجلسات، لتقدّم نماذج عمليّة على إمكانيّة تطبيق شكل من أشكال العدالة المرتبط بكشف الحقيقة، يوقف هذا التدفق المتواصل في ارتكاب الجرائم بحق الصحفيين. 

نبيل الشربجي، وهو أول صحفي سوري لا يحمل جنسية أجنبية تجري من أجل العدالة له ولجميع الزملاء والزميلات السوريين/ات هذه المحكمة، سوف تتعرفون إليه عن قرب خلال هذين اليومين. شاب سوري، آمن بالعمل المدني، والعمل الصحفي. ودفع حياته ثمناً لهذه المبادئ. سوف تتعرفون إلى سلسلة من الانتهاكات الممنهجة التي كان ضحيتها نبيل، بدءاً بالاعتقال التعسّفي، الاخفاء القسري، التعذيب، المحاكمات غير العادلة، وعدم تقديم العناية الطبية اللازمة واودى سوء المعاملة هذا مع التعذيب إلى الوفاة.  مع العلم أنّ الجثمان لم يُسلم إلى ذويه. 

إنّ المساءلة عن الجرائم المرتكبة ضد الإعلاميين هي الطريقة الوحيدة لضمان سيادة السلطة الرابعة وقدرتها على العمل بحرية.

اليوم ، يجب أن نؤكد أكثر من أي وقت مضى على ضرورة عدم التنازل عن مطلب:

– التمييز الإيجابي للصحفي ،

اليوم ، لا ينبغي أن نقبل الروايات التي تقول إنه لا توجد قصة تستحق الموت من أجلها.

يختار الصحفيون بشكل يومي القيام بعملهم في إيصال الحقيقة ، ومواجهة مخاطر الموت والإصابة والاعتقال والتعذيب ، في فلسطين وسوريا  وأفغانستان والمكسيك وفي كل مكان لا يحكم فيه القانون.

نرفض هذه السرديات،كي لا تتحوّل مقولة نيتشه إلى واقع يومي، بأنّ الحقيقة يقولها من يرغبون في الرحيل. إننا نقول الحقيقة لأننها الحقيقية ، ولأننا نرغب في أن نعيش.

واسمحوا لي أخيراً أن استعير من Abby Mann  على لسان شخصية القاضي الأمريكي المتقاعد دان هايوود: دعنا نلاحظ الآن أنه هنا ، في قرارنا ، هذا هو ما ندافع عنه: العدالة ، والحقيقة ، وقيمة إنسان واحد./ محاكمات نورمبرغ.