للمرة الرابعة.. تأجيل محاكمة معتقلي المركز السوري للإعلام وحرية التعبير

قرّر رئيس محكمة جنايات الإرهاب في دمشق يوم الأربعاء 2 تشرين الأول 2013 تأجيل جلسة محاكمة معتقلي المركز السوري للإعلام وحرية التعبير إلى تاريخ 18 تشرين الثاني 2013, وكانت الجلسة مرفوعة لمُطالبة النيابة, ولا تزال.

إنّها المرّة الرابعة التي يتم فيها تأجيل محاكمة كل من الإعلامي والحقوقي مازن درويش/ رئيس المركز, والمدون حسين غرير والناشط السلمي هاني الزيتاني وهما من العاملين في المركز, بعد أن وجّهت لهم النيابة العامّة في محكمة الإرهاب بتاريخ 27 شباط تهمة “الدعاية لأعمال إرهابية” بموجب المادة 8 من قانون مكافحة الإرهاب الذي أقره الرئيس بشار الأسد في 2012, ومعهم كل من منصور العمري وعبد الرحمن حمّادة اللذين تتم محاكمتهما حالياً وهم طلقاء.

إنّنا في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير نجدد مُطالبنا الحكومة السورية بإطلاق سراح زملائنا العاملين في المركز, كما نُجدّد مطالبتها إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي في سوريا, من نشطاء حقوق إنسان, وإعلاميين, وحقوقيين, وكل من تمّ اعتقاله على خلفية ممارسة حقه الدستوري في حريّة الرأي والتعبير.

علماً أنّ مازن درويش, هاني الزيتاني وحسين غرير يمضون حالياً في السجن المركزي في دمشق- سجن عدرا في الشهر العشرين لاعتقالهم, حيث قامت المخابرات الجوية بتاريخ 16 شباط 2012 بمداهمة مقر المركز الكائن في دمشق واعتقال جميع العاملين فيه وزائرين. لاحقاً أُطلق سراح الزائرين ومحاكمة قسم من العاملين في المركز أمام القضاء العسكري بتهمة (حيازة وثائق غير مشروعة بهدف قلب نظام الحكم), وتمّ الاكتفاء بالمدة التي قضوها في السجن, وأطلق سراحهم منتصف أيار 2012.

من معتقله, وبمناسبة حصوله على جائزة “برونو كرايسكي” للمدافعين عن حقوق الإنسان 2013, أرسل مازن درويش هذه الرسالة, التي نعيد اليوم نشرها:

السادة القائمون على مؤسسة “برونو كرايسكي” المحترمون:

السيدات والسادة الحضور:

بداية أود أن أشكر لكم حضوركم اليوم, وعلى تشريفي بهذه الجائزة التي تحمل اسم الرجل الأمثولة “برونو كرايسكي”, والتي سبقني إليها أشخاص من أمثال “نيلسون مانديلا” و”بينازير بوتو” و”لولادي سلفيا”.

وعلى الرغم من أنه لا توجد فرحة لسجين أكبر من إحساسه من أنّ العالم الخارجي ما يزال يذكره, إلاّ أنه أمام الخراب ونزيف الدم الذي يجتاح بلدي يصبح الإحساس بالفرح رفاهية أخجل أن أشعر بها.

أيها السادة: أود أن أعترف أمامكم أنه لطالما كنت أنظر باستغراب تجاه السيد “كرايسي”, فكيف لمناضل صلب ورجل دولة مثله أن يدفع بأمته نحو الحياد الدائم والتنازل طوعاً عن نشوة الانتصار ومتعة الفوز…. إلى أن أدركت أنه في الحروب لا يوجد منتصر, فالكل خاسرون. وأنّ الفضيلة الوحيدة الموجودة في الحرب هي إمكانية انتهاؤها … فمن بغداد إلى بوداست, ومن لبنان إلى براغ, ومن فيتنام إلى الكوريتين تعلمت أنّ أفضل ما في الحرب هو انتهاؤها. ومن ضحايا الحروب إلى ضحايا التمييز العنصري في جنوب إفريقيا, إلى رووندا إلى البوسنة,  إلى ضحايا الاستبداد في عالمنا العربي وفرانكو وبينوشيه والعقداء اليونانيين, تعلمت أنّ الطريق إلى الديمقراطية بعيد كل البعد عن درب التطرّف والإرهاب بمقدار بعده عن طريق الديكتاتوريات والاستبداد.

أيها السادة: ربما يكون ما آلت إليه الأمور في سوريا اليوم أسوء من أسوء كوابيسنا, لكن هل لنا أن نتخلى عن الحق في تغيير واقعنا، وعن طموحاتنا المشروعة في الحرية والكرامة والمواطنة, وعن واجبنا في تقليص اللا مساواة, وإدخال المزيد من العدالة إلى مجتمعاتنا لأنّ هذه الشعارات استخدمت كأيديولوجيا, وكمطيّة, من قبل أنظمة استبدادية مُتسلّطة ولحركات عُنفية وتكفيرية؟!

وهل علينا اجترار تجاربنا في العالم العربي مرة بعد مرة، ففي كل مرة تزوّج فيها الاستبداد والفساد لم ينجبوا سوى التطرّف والعنف والإرهاب…..

نعم نريد الحرية والكرامة والعدالة, ونستحقها. لكنها حتماً ليست هي حرية الموت تحت التعذيب أو ذبحاً، ليست هي حرية الموت بقذيفة طائرة أو بسيارة مفخخة …أنها حرية الحياة القائمة على أساس المشاركة والائتلاف بين عالمية قيم حقوق الإنسان وخصوصيّة الأوضاع والعلاقات الاجتماعية المحلية من أجل إعادة  تشكيل مجال إنساني عالمي يجعل من الحياة تجربة إنسانية أخلاقية ليست ملكاً لهؤلاء بأكثر مما هي ملكاً لأولئك.

أيها السادة: أشخاص كثر أتمنى لو أنه يتسع الوقت والمجال لأخاطبهم اليوم من خلال منبركم هذا, وبأسمائهم. إلا أنه لكونهم أكثر بكثير من مساحة الوقت, وأكبر من قدرة الكلمات أو أن أخص زملائي الذين رافقوني في الطريق إلى المعتقل, وإلى هؤلاء الذين حالفني الحظ أنهم لم يعتقلوا.. أشعر بالفخر لأني تشرفت بالعمل معكم وبملامسة أحلامكم وأوجاعكم.

أصدقائي الذين في كل مرة يذهلوني بوفائهم وبتمسكهم بكل ما أمنا به: لا تفقدوا إيمانكم حتى لو أنّ هؤلاء الذين لا يملكون حجارة للبناء رموكم بالخطيئة.

عائلتي الرائعة: شكراً على صبركم ومحبتكم ومساندتكم لي طوال تلك السنوات الشاقة, لا شيء له معنى من دونكم.

العناصر الذين تولوا مسؤولية “تأديبي” طوال عشرة أشهر, خصوصاً أولئك في أول أيام العيد الكبير …. أشعر بالأسى لأجلنا, وأتمنّى لأولادكم حياة سعيدة خالية من الخوف والتعذيب, وأعياداً ملؤها الفرح والمحبة يتشاطرونها مع أولادي إنانا وأداد .

أيها السادة : فقدت في دوامة العنف المجنونة الكثير والكثير من الأحبة بين قتيل ومعتقل ومصاب ومخطوف ومشرد منهم زميلي الطبيب “أيهم غزول ” والصديق “حسن أحمد أزهري”, وابن عمي الملازم أول “علي درويش”, وأخي “سامي عاقل”, وصديقي “خليل معتوق”….لهم ولعائلاتهم جميعاً انحني… خنقت دموعي طوال هذه الفترة لأنها أصغر من أحزانكم, وأطلقت صوتي لنخرج جميعاً إلى الشمس يداً بيد نصرخ معاً من جديد:

واحد  واحد  واحد        

الشعب السوري واحد

الدم السوري واحد

   المستقبل السوري واحد

 

مازن درويش

سجن دمشق المركزي

10/6/2013