كلمة المركز السوري للإعلام وحرية التعبير في الجلسة الجانبية في مجلس حقوق الإنسان جنيف-الصحفيون في سوريا والعراق

جنيف ـ 25 حزيران 2015 ـ في سوريا، ومنذ انطلق حراك التغيّر الجذري فيها خلال آذار 2011، واجه عشرات الشبّان والشابات السلطة العسكرية والقبضة الأمنيّة الحاكمة أثناء مقاومتهم سلطة الدولة المُطلقة/ الشموليّة التي تتحكم بالمعرفة/ المعلومة، فعملوا على كسر الستار الحديدي العازل لدخول وخروج المعلومات، وتقديم معلومة بديلة عبر التصوير، الحديث إلى وسائل الإعلام، النشاط على شبكات التواصل الاجتماعي، التوثيق والكتابة، فدفع العشرات حيواتهم ثمناً، إلاّ أنّ هذه الممارسة العمليّة لحرية الرأي والتعبير شكّلت السبيل للحرية المنشودة ولمواطنة فاعلة.

بعد عقود من قمع الحريّات، انعكست الفوضى في الكم الكبير الذي ظهر من تظاهرات إبداعية وإعلامية يعبّر بها الجيل الجديد عن نفسه، وكانت “فوضى المعلومات” أولا نتائج العمل في ظل القمع مُتعدد الأطراف، ومؤشر هام لما يمكن أن ينتج عن ضعف المهنيّة الإعلاميّة، الأمران اللّذان يعودان بالنفع على المؤسسات السلطوية (دينية- عسكرية أو سياسيّة). للتفرقة ما بين الصحافة والبربوغاندا نحتاج إلى مازن درويش، لتأسيس مهنيّة إعلامية نحتاج إليه، لتذكيرنا بجوهر عملنا كسلطة رابعة مستقلة نحتاج إليه. فإيماناً منه بأنّ (الكلمة حق، والدفاع عنها واجب) أسّس درويش “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” في دمشق عام 2004 لمراقبة وضع الحريّات في سوريا، والانتهاكات بحق كل من يناضل لأجل الحق في “الرأي والتعبير”،. وحيث أنّه لا مُجتمع حُر في ظل إكراه المؤسسات السلطويّة، فقد كان نضال الحقوقي والصحفي مازن درويش من أجل “الحق بالحصول على المعلومات”، من أجل “حريّة الرأي والتعبير” ومن أجل الحق بتبادل المعلومات” نضالاً من أجل مجتمعٍ حر، سلاحه الوحيد هو المهنيّة المُعترف بها بنيل المركز الصفة الاستشارية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة.

تشكّل قضيّة “مازن درويش ومعتقلي المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” أنموذجاً للانتهاكات الواقعة على الصحفيين في سوريا والمدافعين عن حقوق الإنسان بالنظر إلى طبيعة عمل المركز ونشاط درويش في سوريا منذ 2004. في دراسة “المركز” حول “الانتهاكات بحق الصحفيين في سوريا من منظور القانون الدولي الإنساني” يذكر من قائمة الانتهاكات المُتمثلة في القضية:

  • الاعتقال التعسّفي:

في 16 شباط 2012 داهمت قوى المخابرات الجويّة مقر عمل “المركز السوري للإعلام وحريّة التعبير” واعتقلت جميع العاملين فيه، وزائرين، ومؤسس المركز الحقوقي والصحفي السوري مازن درويش. طوال تسعة أشهر بقيّ درويش وأربع من الزملاء معه قيد الاختفاء القسري تعرّضوا خلالها للتعذيب الشديد وسوء المعاملة، في هذه الأثناء حاكمت السلطات السورية بقيّة أعضاء المركز أمام القضاء العسكري في العاصمة دمشق وأطلقت سراحهم مكتفيّة بمدّة التوقيف التي قاربت الثلاثة أشهر.

بتاريخ 30 تشرين الثاني 2012 حوّلت الجهات الأمنيّة المعنية مازن درويش والزملاء معه إلى سجن دمشق المركزي- عدرا، ثمّ أخلت هيئة محكمة الإرهاب في دمشق سبيل اثنين من العاملين في المركز في شباط 2013، على أن يتابعوا المحاكمة وهم طلقاء في الدعوى العامة التي تمّ تحريها بحق درويش والزملاء معه بتاريخ 14 تشرين الثاني 2012 من قبل نيابة محكمة الإرهابية بتهمة “الترويج للأعمال الإرهابيّة” وفق المادة (8) من قانون الإرهاب.

من جهتها توصلت هيئة خبراء الأمم المتحدة المعنية بقضية الاحتجاز التعسفي في كانون الثاني 2014 إلى أنّ احتجاز مازن درويش وهاني الزيتاني وحسين غرير قد تمّ تعسفاً ودعت إلى الإفراج عنهم، ونصّ القرار الصادر: (يرى الفريق العامل – أخذاً في الاعتبار جميع ظروف القضية – أن الجبر الملائم يتمثل في الإفراج عن مازن درويش ومحمد هاني الزيتاني وحسين حماد غرير ومنحهم الحق النافذ في التعويض.. ).

الاعتقال التعسّفي خرق للمادة التاسعة من “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” التي نصّت: “لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً”، وحظّرت القاعدة (99) من قواعد القانون الدولي الإنساني: “يُحظّر الحرمان التعسّفي من الحرية”.

  • الإخفاء القسري:

وسّع النظام الأساسيّ لمحكمة الجنايات الدوليّة قائمة الجرائم التي تُصنّف بكونها “جرائم ضدّ الإنسانيّة” لتشمل التعذيب والاختفاء القسري للأشخاص والإبادة. وفي التعريف: ”يعني “الاختفاء القسري للأشخاص” إلقاء القبض على أي أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه، ثمّ رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حرّيتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم، بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة”.

في قضية “مازن درويش ومعتقلي المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” عمدَت السلطات المعنية إلى انتهاج سياسة “الإخفاء القسري” مرتين حتى الآن، الأولى منذ 16 شباط 2012 وحتى 30 تشرين الثاني 2012، والثانية منذ 6 أيار 2015 وحتى 18 حزيران 2015.

  • التعذيب:

تقول اتفاقية سنة (1984) لمنع التعذيب والمعاملة غير الإنسانيّة أو المُحِطّة بالكرامة: ”لا يُمكن لأي ظرف استثنائي كهذا كان، سواء كان حالة حرب أو تهديداً بالحرب، اضطراباً سياسياً داخلياً أو أيّة طوارئ عامّة أخرى، أن يُبرّر التعذيب”.

اعتبر القانون الإنساني الدولي التعذيب واحداً من الجرائم ضدّ الإنسانيّة، ويقع ضمن اختصاص عمل المحكمة الجنائيّة الدوليّة، بكونه: ”تعمّد الحاق ألم شديد أو مُعاناة شديدة، سواء بدنيّاً أو عقلياً، بشخص موجود تحت إشراف المُتَهِم أو سيطرته”.

كما حظرته المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف: ”الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصّة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمُعاملة القاسية، والتعذيب”. وتضيف في الفقرة التالية: (الاعتداء على الكرامة الشخصيّة، وعلى الأخص المُعاملة المُهينة والحاطة بالكرامة)، في أي زمان ومكان.

  • المحاكمات غير العادلة:

أصدر الرئيس السوري بشار الأسد القانون الخاص بمكافحة الإرهاب في 2 تموز من العام 2012، ثمّ صدّق على القانون رقم (22) القاضي بتأسيس محكمة مكافحة الإرهاب، ومقرّها العاصمة دمشق، ويُحاكم أمامها أغلب الناشطين السلميين، والحقوقيين، والإعلاميين، وسواهم. ذكرت “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها الصادر بعنوان ” سوريا-استخدام محكمة مكافحة الإرهاب لخنق المعارضة” حزيران-2013 أنّ: “المحكمة المتخصصة تستغل الأحكام الفضفاضة لقانون مكافحة الإرهاب، لإدانة نشطاء سلميين بتهمة مساعدة الإرهابيين في محاكمات تنتهك الحقوق الأساسية في الإجراءات القضائية السليمة. يتم توجيه الاتهامات تحت ستار مكافحة التشدد العنيف، لكن المزاعم المأخوذة على النشطاء لا تزيد في الواقع عن أفعال من قبيل توزيع المساعدة الإنسانية والمشاركة في مظاهرات وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان”.

محكمة الإرهاب محكمة غير عادلة بالنظر إلى الظروف التي تأسّست بها، وتصف هذه المحكمة بكونها استثنائية. خاصة إذا ما عُدنا إلى المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه”.

من خلال استقراء نصوص القانون الدولي المتعلق بالموضوع، فإنّ المادتين العاشرة من 1948، والمادة الرابعة عشرة (الفقرة الأولى) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966 تحدّد الشروط المطلوب توفرها في المحاكمة العادلة، وهي: الأنصاف- الحيادية- الاستقلالية- القانونية.

في محاكمة معتقلي “المركز السوري للإعلام وحريّة التعبير” نجد أنّ للمحكمة صلاحية رجعيّة-غير قانونيّة دولياً- إذ تنظر في القضية التي قامت قبل تأسيها، بما يُخالف المادة (101) من القانون الدولي الإنساني الُعرفي: “لا يجوز اتهام أي شخص أو إدانته بجريمة على أساس أي فعل أو تقصير لم يكن يُشكّل جريمة بمُقتضى القانون الوطني أو الدولي وقت ارتكابه، ولا تفرض عليه عقوبة أشد من العقوبة التي كانت سارية وقت ارتكاب الجريمة”.

في حين نصّت القاعدة رقم (100) من القانون السابق الذكر: (لا يُدان أي شخص أو يصدر عليه حكم إلاّ بمحاكمة عادلة تتوفّر فيها جميع الضمانات القضائية الأساسيّة) فقد شهدت محاكمة “درويش” ومن معه 23 مرّة حتى اليوم، 12 منها تمّ تأجيل مُطالبة النيابة لطلبها الجهة التي قامت بالاعتقال بتقديم أوراق تثبت ادعائها ولم تقدّم هذه الأوراق.

علماً أنّ السؤال الأبرز هنا يتعلق باختصاص المحكمة ذاته، حيث ورد في نصّ الاتهام الخاص بمعتقلي المركز: “ينص قرار الاتهام على توجيه التهمة بناءً على نشاط المتهمين كأعضاء عاملين في المنظمة. ويشمل النشاط المتابعة والرصد للأنباء التي تبثها المعارضة السورية على الإنترنت، ونشر تقارير حول حقوق الإنسان وحالة وسائل الإعلام في سوريا، وحفظ سجل بأسماء المعتقلين، المفقودين، وضحايا قتلوا في مسار الصراع السوري”، واعتبر هذه الأعمال جزءاً من محاولة “زعزعة الوضع الداخلي في سوريا واستفزاز المنظمات الدولية كي تدين سوريا في المحافل الدولية”.

ختاماً:

أختم بكلمات درويش نفسه التي تعود إلى العام 2007: (اليوم لا يمكننا الحديث عن مفاهيم مثل الديمقراطية والشفافية والتعدديّة دون الحديث عن حرية الإعلام، ورغم محاولات البعض الفصل القسري بينهما، إلاّ أنه يوجد بينهما ترابط عضوي يجعلهما متحدين ومتكاملين وكل واحد منهما يشكل مؤشراً ومعياراً لوجود الآخر، ومن غير الممكن تصوّر وجود إصلاح ديمقراطي شامل وحقيقي في المجتمع دون وجود حريّة للرأي والتعبير يكون عمادها الإعلام المستقل المُتحرّر من سيطرة الدولة).

من أجل عمله على نقل حقيقة ما جرى في سوريا اعتقل مازن درويش وعُذّب بشدّة وإلى اليوم ترفض السلطات السورية المعنية اطلاق سراحه على الرغم من المناشدات الدولية متمثلة بقرار مجلس الأمن (رقم 2139) الصادر في شباط 2014، ومطالبة الجمعية العامة (بتاريخ 15 أيار 2013)، والعديد من المنظمات الدولية الحقوقية، وبيان الاتحاد الأوروبي الصادر مؤخراً برقم (2015/2732).

في “الأنموذج السوري” اتفقت جميع أطراف النزاع على استهداف الصحفيين ومنعهم من حريّة العمل، التنقل، والحصول على المعلومات، فضمّ هذا الأنموذج عبر سنيّه منذ 2011 وحتى اللحظة القائمة الأوسع من الانتهاكات بحق الصحفيين، المواطنين الصحفيين، والناشطين في المجال الإعلامي والمراسلين الحربيين. نتحدث هنا عن سلسلة انتهاكات ليست مجرّد متوافقة كخبرات متبادلة، بل عن مستوى أكثر خطورة وتعقيداً من أشكال الانتهاكات المُتكرّرة الحدوث التي يذهب الإعلاميون في مناطق النزاع ضحيتها عادة، كما عن الإفلات من العقاب لمرتكبي هذه الجرائم، عن استخدام القوانين المحليّة لمحاربة نشطاء حقوق الإنسان والإعلاميين.

في سوريا كان الإعلاميون في المناطق التي تسيطر عليها القوّات السورية ضحيّة لـ(الاعتقال التعسّفي – المحاكمات غير العادلة والقصف العشوائي) كذلك كانوا ضحيّة لـ(الاستهداف المباشر/ القنص – التعذيب – الخطف – الاختفاء القسري – القتل العمد) من قبل هذه السلطات ومن قبل الجماعات المُسلّحة، وكل من هذه الجرائم هي خروقات للقانون الإنساني الدولي.