تحذر مراسلون بلا حدود والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير من هول التهديدات التي تواجه الصحفيين السوريين من الدول المجاورة، بينما لا تزال سوريا ثاني أخطر بلد في العالم على سلامة أهل المهنة

في ظل دفء العلاقات الدبلوماسية بين نظام بشار الأسد وزعماء الدول المجاورة، بات الصحفيون السوريون المنفيون في لبنان والأردن والعراق وتركيا معرضين لخطر الترحيل إلى سوريا، حيث يواجهون خطر السجن، بل وقد تصل العقوبات حتى القتل في بعض الحالات. وفي هذا الصدد، تحذِّر مراسلون بلا حدود وشريكها المحلي، المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM)، من الوضع الكارثي في سوريا، التي تقبع في المرتبة 179 (من أصل 180 بلداً) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، حيث لا يزال الفاعلون الإعلاميون مهددين بشكل خطير في هذا البلد كما كانوا من قبل، كما تدعو المنظمتان إلى حماية الصحفيين السوريين الذين يعيشون في المنفى.

يجد الصحفيون السوريون المقيمون في لبنان أنفسهم مجبرين على التواري عن الأنظار للنجاة بأنفسهم، وهو وضع يلخصه صحفي مستقل من دمشق (31 عاماً) ويقيم في بيروت، حيث صرَّح لنا طالباً عدم الكشف عن هويته: “في سوريا، كنا نختبئ لتجنب السجن والموت. أما في المنفى، فإننا نختبئ لتفادي الترحيل إلى سوريا، وهو إجراء من شأنه أن يؤدي بنا إلى السجن والموت”. فرغم أنه يمتلك كل الوثائق اللازمة للإقامة في لبنان منذ وصوله إليه عام 2020، إلا أن ضابطاً في مكتب الأمن العام هدَّده بالترحيل في أبريل/نيسان الماضي بعد اكتشاف طبيعة مهنته، حيث قال له بالحرف: “إنك محظوظ بإقامتك [هنا]، لكننا سنقوم بترحيلك في المرة القادمة”.

ويُعد هذا الصحفي الدمشقي واحداً من المراسلين السوريين الكثر المقيمين في لبنان والأردن والعراق وتركيا، والذين يعيشون ويعملون تحت طائلة التهجير ووطأة الخوف من إعادتهم إلى سوريا حيث يواجهون خطر السجن والموت.

ورغم اختلاف سياقاتها السياسية، إلا أن تلك الدول الأربع تتَّبع عدة تدابير لتبرير ترحيل اللاجئين السوريين، علماً أن ذلك غالباً ما يكون تحت ذريعة “العودة الطوعية”، إذ لم تتخذ سلطات هذه البلدان أي إجراءات لحماية الصحفيين السوريين الذين صدرت بحقهم مذكرات اعتقال في سوريا، كما لم تعتمد أي تدابير لوقايتهم من الوقوع في فخ الاعتقالات والترحيل.

وفي هذا السياق، قال جوناثان داغر، مدير مكتب الشرق الأوسط في مراسلون بلا حدود: “يعيش الصحفيون السوريون المقيمون في لبنان والأردن والعراق وتركيا في خوف دائم من الاعتقال والترحيل. فإذا تم إجلاؤهم إلى سوريا، التي تُعد من أخطر البلدان في العالم على سلامة الصحفيين وحياتهم، فإنهم سيواجهون خطر الاعتقال الفوري، بل وقد يصل الأمر حد الموت في بعض الحالات. وفي هذا الصدد، نطالب حكومات البلدان التي تستقبلهم، والمجتمع الدولي قاطبة، بتوفير الحماية لهم وتمكينهم من الضمانات اللازمة، إذ يجب ألا يُسلَّموا تحت أي ظرف إلى النظام المستمر في اضطهادهم.”

وقالت إباء منذر، منسقة برنامج الإعلام والحريات في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير: “لا تزال سوريا بلداً غير آمن، حيث يواجه الصحفيون خطر الاعتقال والاختطاف والقتل. ولذا، ندعو الدول المجاورة – لبنان وتركيا والأردن والعراق – إلى تحمل مسؤولياتها تجاه الصحفيين السوريين الذين لجأوا إليها، مع توفير الحماية لهم وعدم إعادتهم قسراً إلى سوريا، حيث ستكون حياتهم عُرضة للخطر.”

ضغوط على دول الجوار 

بالإضافة إلى الصحفي المستقل الذي أدلى لمنظمة مراسلون بلا حدود بالتصريح أعلاه، تلقينا خلال شهر مايو/أيار 2024 طلبات للحصول على الدعم العاجل لمغادرة البلاد مما لا يقل عن ثلاثة من المراسلين السوريين المقيمين في لبنان، وكلهم أشاروا إلى مخاوف من الترحيل في خضم تنامي الموجة العدائية تجاه اللاجئين السوريين، علماً أن أحدهم – وهو صحفي مستقل مطلوب لدى نظام بشار الأسد بسبب نشاطه الإعلامي في دمشق – كان قد اعتُقل بعد زيارة للسفارة الفرنسية في بيروت عقب مقابلة متعلقة بطلب اللجوء الذي كان قد تقدم به في وقت سابق، حيث أفرجت عنه قوات الأمن بعد أربعة أيام من الاحتجاز، وأمهلته شهراً واحداً فقط لتسوية وضعيته والحصول على الوثائق اللازمة أو مغادرة البلاد.

وفي الأردن، اعتقلت قوات الأمن عطية محمد أبو سالم، وهو طالب وصحفي مستقل، بينما كان يغطي مظاهرة تضامنية مع غزة في العاصمة عمان، علماً أن اعتقاله بتاريخ 9 أبريل/نيسان جاء في سياق حملة واسعة النطاق شهدت احتجاز مجموعة من الصحفيين، وقد ظل خلف القضبان لأكثر من شهر، وسط تهديدات بالترحيل إلى سوريا، قبل أن يُطلق سراحه في 29 مايو/أيار. وفي العراق، أعرب صحفي آخر عن خشيته من الترحيل وما قد يترتب عن ذلك من اعتقال في بلده الأصلي، حيث طلب بدوره عدم الكشف عن هويته، وهو الذي يواجه منذ عام 2019 أمراً يقضي بالقبض عليه وعلى كافة أفراد أسرته.

اضطهاد في غلاف سياسي

في 1 مايو/أيار 2023، أصدر وزير الخارجية بكل من الأردن والعراق بياناً مشتركاً مع وزراء خارجية من حكومات عربية أخرى، مؤكدين أن “العودة الطوعية والآمنة للاجئين إلى بلدهم أولوية قصوى ويجب اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فوراً، اضافة الى تعزيز التعاون بين الحكومة السورية والدول المستضيفة للاجئين”. وفي 12 مايو/أيار، أعلن وزير الداخلية العراقي في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السوري، “توقيع مذكرة للتعاون الأمني” بين البلدين، مؤكداً أنها تتضمن عدة محاور، من بينها “تسليم المطلوبين” إلى سوريا، بينما كشف رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي خلال مؤتمر عُقد بتاريخ في 27 مايو/أيار في بروكسل أن لدى لبنان “خطة عمل واضحة ومحددة” لتنظيم عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا، علماً أن حكومته شكلت في اليوم التالي لجنة للتفاوض مع الحكومة السورية بشأن هذه المسألة.

سوريا تقبع في المرتبة 179 (من أصل 180 بلداً) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة

 تقهقرت سوريا إلى المرتبة 179 (من أصل 180 بلداً) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي نشرته مراسلون بلا حدود في وقت سابق هذا العام، حيث لا تزال سجون نظام بشار الأسد تعج بأكثر من 25 فاعلاً إعلامياً، بينما لا يزال 6 في عداد المختفين قسراً، و3 في عداد المفقودين، مقابل 38 رهينة، علماً أن البلد شهد مقتل ما لا يقل عن 283 صحفياً منذ بداية الثورة السورية، ومن بينهم 3 لقوا حتفهم عام 2022، مقابل قتيل واحد العام الماضي. هذا ويواجه الصحفيون الذين يطالهم الترحيل إلى سوريا خطر الاختفاء والاختطاف والموت.