اللجنة الدولية المستقلة: للسوريين الحق في العدالة بكامل أشكالها

 

مقال لأعضاء اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق بشأن الجمهورية العربية السورية، موقعاً بأسماء أعضاء اللجنة، باولو سيرجيو بينهيرو وكارين كونينغ أبو زيد وهاني المجالي. وفي ما يلي نص المقال:

 

إن مشاهدة الوفود السورية خلال الأسابيع الأخيرة، وهي تسافر جواً من وإلى جنيف وفيينا وأستانة والآن سوتشي للتفاوض بشأن السلام، أمر قد عزز الاعتقاد بأن تسوية سياسية للنزاع السوري أضحت على مرمى حجر. فالتساؤل الحقيقي لا يرتبط بوقف القتال، بل بتحقيق العدالة. عانى الشعب السوري لسبع سنوات تقريبا من الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان، التي لا تقتصر على القتل والتدمير المترتب عن نزاع تُفلِت كل أطرافه تماما من العقاب.

لقد عانى الشعب من مأساة جهل الحقيقة بشأن الأقارب المفقودين، ومن الاحتجاز السري أو “الاختفاء”، ومن التعذيب خلال الاحتجاز، ومن التشريد القسري أكثر من مرة واحدة على الأرجح. لا يمكن أن نأمل بتحقيق سلام مستدام ما لم تتصدَّ الأطراف الباحثة عن تسوية بجدية للظلم الذي لحق بالشعب السوري.
بدأت الحرب السورية في مارس/آذار 2011 بعد مظاهرات سلمية، قبل أن تتطور سريعاً، وبمرارة، إلى نزاع مسلح غير دولي. ومع تكاثر الأطراف الداخلية في هذا النزاع، أدى الدعم العسكري وانضمام عدد من الأطراف والجهات الداعمة الإقليمية والدولية إلى استدامة وتصاعد حدة النزاع، عوض المساهمة في إخماده.

 

تم قتل مئات الآلاف من المدنيين، وتشريد أكثر من 6 ملايين مواطن داخلياً، في حين أن 13 مليون مواطن يظلون بحاجة إلى مساعدة إنسانية. ولقد غادر البلاد أكثر من 5.5 ملايين سوري. ولم تسقط ضحايا هذه الحرب عن طريق الخطأ، بل نتيجة سياسات وإجراءات متعمدة تستهدف المدنيين بالأساس. إن هذه الأساليب لا تضع على المحك القانون الدولي وحده، بل كذلك المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والمعايير الإنسانية، وعرَّضت بذلك ضمير العالم للصدمة.
وإذ نسعى، منذ ست سنوات من الآن، إلى تنفيذ ولاية لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن الجمهورية العربية السورية، توصلنا إلى استنتاجات تصف بدقة ما تحمَّله الشعب السوري من مآسٍ جراء جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. إن كل فرد من بين 6000 فرد ائتمننا على قصته، أقدم على هذه الخطوة آملا أن تسمح بوضع حد للاقتتال وبتحقيق العدالة لفائدة الضحايا، وبمعاقبة مرتكبي هذه الانتهاكات.

أيَّدنا بشدة قيام مجلس الأمن بإحالة الوضع في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية. وعلى الرغم من وصول المجلس إلى الطريق المسدود في ديسمبر/كانون الأول 2016، رحبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بفكرة إحداث آلية جديدة ومُبتكرة ـ وهي الآلية الدولية المحايدة والمستقلة- بهدف حفظ الأدلة الخاصة بالجرائم المرتكبة في سورية وإعداد ملفات لدعم الجهود المستقبلية الرامية إلى محاكمة مرتكبي الانتهاكات حيثما أمكن العثور عليهم. وتحتاج هذه الآلية إلى دعم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمحاكم المختصة بمثل هذه الملفات الجنائية، لتتمكن من تحقيق أهدافها.

باولو سيرجيو بينهيرو، كارين كونينغ أبو زيد، هاني المجالي

20 فبراير/شباط 2018

 

المصدر:

العربي الجديد

العدد 1268 السنة الرابعة 2018 م