ملاحقة مجرمي الحرب في سوريا: هناك ما يمكن فعله

منقول عن موقع الجمهورية نت:

 

أثار خبر إصدار مذكرة اعتقال بحق جميل الحسن، رئيس إدارة المخابرات الجوية التابعة للنظام السوري، من قبل المدعي العام الألماني وإرسالها لمكتب الإنتربول صدى واسع بين السوريين، ففي ظل التفوق الذي يحرزه النظام وحلفائه عسكرياً على الأرض، ومع المجازر الفظيعة التي يرتكبها في سبيل تحقيق الحسم العسكري، أصبحت المناداة بتحقيق العدالة تبدو أكثر بعداً عن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم.

وقد تكون هذه المذكرة تذكيراً بأن هناك ما يمكن فعله للسعي لتحقيق العدالة في سوريا ومحاكمة مجرمي الحرب، خاصة وأن المذكرة هي نتاج لعمل على قضية مرفوعة أمام المحاكم الألمانية منذ أكثر من عام، شارك فيها المركز السوري للإعلام وحرية التعبيرومديره مازن درويش كطرف ادعاء شخصي، وكانت النتيجة الأولى لقبول القضاء الألماني الاختصاص في هذه الدعوة هي مذكرة الاعتقال بحق الحسن، والتي قد تُلحق بمذكرات أخرى بحق شخصيات في النظام السوري ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال قمعها للحراك الثوري السوري.

يستعرض هذا التقرير تفاصيل القضية المرفوعة في ألمانيا، والقضية التي أعلن عنها مؤخراً في النمسا، ومدى قدرة هذه الاستراتيجية على تحقيق العدالة للسوريين مع السيد يوسف وهبة، مدير وحدة العدالة ودولة القانون فيالمركز السوري للإعلام وحرية التعبير.

وقد تم تقديم الدعوى القضائية الأولى في ألمانيا ربيع العام الماضي، واعتمدت على نصوص في القانون الألماني تمنح القضاء هناك القدرة على ملاحقة مجرمي الحرب في بلدان أخرى ضمن شروط غير متشددة، فهي تسمح بمتابعة القضية مجرد وجود أحد الضحايا على الأراضي الألمانية، وفي بعض الأحيان تستطيع التغاضي عن ذلك. يقول يوسف وهبة، مدير وحدة العدالة ودولة القانون في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير: «في الدعوى المرفوعة في ألمانيا كان المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، بشخص مديره مازن درويش، أحد المدعين الشخصيين، وبعد فترة قبِل المدعي العام للملف الاختصاص بالشكوى المقدمة، والتي تحولت إلى دعوى قضائية بعد قبولها. إثر ذلك بدأ المدعي العام دراسة الدعوى وإجراء تحقيقاته الخاصة. وبعد هذه الفترة تم اتخاذ قرار من المدعي العام بإصدار توقيف دولية تم تعميمها على الانتربول باسم جميل الحسن. طبعا هذا لا يعني أن دور المدعي العام انتهى في هذه الدعوى، إذ أن الملف مازال قيد التحقيق، وقد تصدر عنه مذكرات أو تطورات جديدة».

وعن القضية المرفوعة في النمسا النمسا، حيث أن القانون النمساوي مشابه بشكل كبير للقانون الألماني من زاوية الاختصاص العالمي، يقول يوسف وهبة لـ الجمهورية: «قررنا نحن وشركاؤنا أن نأخذ زمام المبادرة (…) صار هناك ستة عشر مشتكي، جميعهم سوريون مقيمون على الأراضي النمساوية، بينهم أحد الأشخاص يحمل الجنسية النمساوية، تم رفع الشكوى بحق أربع وعشرين ضابطاً موجودين ضمن ثلاث أفرع أمنية، هي الأمن العسكري والمخابرات الجوية وإدارة المخابرات العامة. وحالياً نحن في مرحلة رفع الشكوى، ونحاول المتابعة على جبهات أخرى لنبقي الشكوى حية بانتظار أن يتم اتخاذ قرار بقبول الاختصاص في هذه الشكوى ومتابعتها كدعوى قضائية رسمية، وما يلي ذلك من تحقيقات».

وتشكل النصوص القانونية التي تسمح للقضاء باختصاص عالمي هامشاً يسمح بملاحقة مجرمي الحرب والمتهمين بجرائم ضد الإنسانية في دول مثل ألمانيا والنمسا. وتبدو هذه الاستراتيجية، رغم الوقت والجهد الذي تحتاجه، مبشرة بمحاصرة مجرمي الحرب بقضايا دولية لا تسمح لهم بأي هامش للحركة خارج الأراضي السورية أو أراضي حلفائها المقربين مثل روسيا وإيران، كما أنها ستشكل السند القانوني لملاحقة هؤلاء في المستقبل القريب. وعلى الرغم من ضمان هؤلاء المجرمين لحصانتهم من الملاحقة ضمن سوريا خلال الوقت الحالي، فإن هذا العمل قد يكون تأسيساً هاماً لجهود تحقيق العدالة في سوريا، والتي من دونها «لا يمكن تحقيق السلام المستدام في سوريا»، كما قال السيد وهبة خلال حديثه معنا.