صامدات تحت خيم النزوح: نساء وفتيات في مواجهة أنماط مستمرة ومتداخلة من العنف في شمال غرب سوريا

مجموعةٌ من العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية تراكمت لعقود، وولّدت تراتبية وضعت المرأة في مرتبةٍ أدنى من الرجل في المجتمعات الذكورية وخلقت ما يمكن تسميته حقوقاً مكتسبة للرجال على حسابها. وانتجت سلسلةً من المصاعب والمعيقات التي تواجه المرأة في مختلف الميادين، باختلاف الفئات الاجتماعية والاقتصادية التي تنتمي لها. تزداد هذه المصاعب حدة وشدة في سياقات الأزمات الإنسانية والنزاعات، حيث تتمدد وتتشعب وتستهدف حقوق النساء الأساسية كنتيجة لضعف الهياكل الاجتماعية وانهيار النظم السياسية والقانونية أو عجزها. ويتعرضن بالتالي إلى تهديدات أعمق وأكبر مع انعدام الأمن، ولانتهاكات قد تمتد لأسمى حق من حقوق الإنسان ألا وهو الحق في الحياة، ولأشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي التي تزداد حدتها في حالات اللجوء والنزوح القسري وتترك آثارها على النساء وعلى أجيال أخرى قادمة.

ومع طول أمد النزاع، واضطرار السوريين إلى التماس اللجوء خارج البلاد أو النزوح داخلها، واجهت النساء والفتيات في سوريا زيادة مطردة في مخاطر وأشكال العنف، التي تزداد حدتها في مخيمات النزوح بشكلٍ خاص، بسبب تردي مستوى الخدمات الأساسية في مجالات الأمن والصحة والعدالة والخدمات الاجتماعية، وتعميق انعدام المساواة والتمييز ضدهن. ورغم أن النزوح القسري يوفر مستوى من الأمان بعيداً عن المعارك، إلا أنه يجلب معه أيضاً تحديات هائلة تتمثل في غياب المأوى الأساسي؛ والوصول المحدود إلى الخدمات العامة والحماية الاجتماعية؛ وفقدان سبل الدخل. يمكن أن تؤدي هذه المخاطر للجوء إلى آليات ضارة من أجل التكيف، تندرج في إطار العنف المبني على النوع الاجتماعي كالزواج المبكر أو القسري، في حين توفر المخيمات بحد ذاتها بيئةً معززة للعنف، وانتقاصاً أو انتهاكاً للحق في الخصوصية، الحق الأساسي من حقوق الإنسان الذي تنص عليه المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والذي يرسم حدود ومقومات الحياة الخاصة للفرد، ومنها خصوصية الحيز المكاني، الذي يشغله الإنسان كمنزله أو مكان عمله.

وتستمر ممارسات العنف المبني على النوع الاجتماعي على الرغم من القواعد القانونية الخاصة بحماية المرأة في السلم وفي النزاع المسلح، وقواعد حماية المدنيين العامة التي تشملها بالمساواة مع الرجل، ونصوص القانون الدولي التي تنص على تجريم العنف، ووجوب تمتع الأشخاص المهجرين داخلياً بكامل حقوقهم، إلى جانب المساعدة الإنسانية والحماية كالتزام على عاتق الحكومة أو سلطة الأمر الواقع المسيطرة أولاً، والتزام بالحماية الدولية عندما تكون السلطات الوطنية غير قادرة أو غير راغبة بالوفاء بالتزاماتها، أسوة بحماية حقوق اللاجئين والتزامات الدول المنصوص عليها ضمن أحكام المعاهدة الدولية الخاصة باللاجئين لعام 1951، والتي تشمل في حالة النازحين المساعدة في توفير الطعام والمأوى الملائم والرعاية الصحية والتعليم، وتسهيل تطبيق الحلول الدائمة الطوعية المتمثلة في العودة إلى الديار الأصلية.

وهي الالتزامات التي عجزت سلطات الأمر الواقع عن الوفاء بها، ولم تتوافر الرغبة الدولية أو الإجماع على سد هذا العجز الذي بات يهدد حياة السوريين البالغ عددهم 6.7 مليون نازح عام 2021 منهم نحو مليون و44 ألف موزعون على مخيمات الشمال الغربي والتي بلغ عددها 1293، وانتهى العمر الافتراضي ل90% منها بحسب بيان فريق “منسقو استجابة سوريا” الصادر في 24 كانون الثاني 2022، دون أن تتوقف عن التوسع في الحجم وأعداد السكان. بلغ عدد النساء فيها 377,292 امرأة، واحدة تقريباً من أصل كل 3 منهن أو ما نسبته 30٪ تتعرضن لعنف بدني و/أو جنسي على يد الشريك أو العنف الجنسي على يد غير الشريك، أو لكليهما معاً، وذلك بحسب تقريرٍ صادرٍ عن منظمة الصحة العالمية عام 2018. أي أن ما يقارب 125 ألف امرأة في مخيمات النزوح شمال سوريا يعشن تحت وطأة العنف، وغياب الأمن محكومٌ عليهن بالصمت، وتغييب أصواتهن التي نحاول في هذا التقرير أن نسمع وننقل عشراتٍ منها. 

 

لقراءة الملف الكامل: