نحو رؤية الصحفيين والصحفيات لواقع آليات الدعم والحماية المقدمة في ظل مستقبل الإعلام السوري
في إطار دعم وتنمية الإعلام المهني السوري تأتي هذه الدراسة البحثية لتقييم مستوى رضا الصحفيين والصحفيات عن آليات الدعم والحماية التي يقدمها المركز ، إضافة إلى تحليل أبرز الاحتياجات الراهنة للعاملين/ات في الحقل الإعلامي في ظل التحولات السياسية والاجتماعية بعد ديسمبر 2024 ، بغرض استكشاف التوقعات المستقبلية للصحفيين/ات بشأن أولويات الدعم والتطوير المطلوب خلال المرحلة الانتقالية.
ولتحقيق هذه الأهداف ، اعتمدت الدراسة الحالية على المنهج الوصفي بشقيه الكمي والكيفي عبر استبيانات رقمية على الإنترنت لعينة من الصحفيين\ات الذين قدموا طلبات للحصول على خدمات الدعم والحماية خلال الفترة من 2021 وحتى 2024 ، إضافة إلى تنظيم مجموعات نقاش مركزة لاستكشاف الدلالات والتفسيرات الخاصة بالرؤى والتصورات المقدمة، وتقديم المزيد من التفاصيل لفهم النتائج على نحو أعمق. وبغرض تقديم صورة أكثر شمولاً قامت الدراسة بعمل مقابلات فردية متعمقة مع عدد من الشركاء الدوليين من المنظمات غير الحكومية الداعمة لحماية الصحفيين والصحفيات ، الأمر الذى أتاح تقديم فهم متوازن بين قياس المؤشرات الرقمية وتفسير السياقات النوعية.
وجاءت أهم نتائج الدراسة لتشير إلى ارتفاع مستوى الرضا عن خدمات الدعم والحماية لدى الغالبية المشاركة ، خاصة في مجالات الدعم المالي والقانوني ، بينما برزت الفجوة الأبرز في سرعة الاستجابة للطلبات وتغطية الاحتياجات المعيشية واللوجستية ، إذ اعتبرها العديد غير كافية للواقع الفعلي. أما عن أبرز الاحتياجات الملحة فقد تمثلت في الدعم المعيشي وتأمين السكن ، الخروج الآمن والحماية من التهديدات ، إلى جانب التدريب المهني المتخصص لا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي، الأمن الرقمي، صحافة البيانات والاستقصاء. كذلك لم تظهر فروق معنوية ذات دلالة إحصائية في مستوى الرضا بين فئات الصحفيين\ات المختلفة (من حيث الخبرة، النوع الاجتماعي، أو الخلفيات التعليمية) ، وجاءت توقعات معظم المشاركين\ات بأن مستقبل حرية الإعلام في سوريا سيبقى في إطار الحرية النسبية المشروطة ، مع حذر واسع تجاه تبني السيناريوهات المتفائلة.
وقد انتهت توصيات الدراسة بصياغة عدد من المقترحات الموجهة لكل من المركز السوري للإعلام ودعم حرية التعبير (تطوير منظومة التواصل مع الصحفيين والصحفيات ، تعزيز التدريب المتخصص ، فتح قنوات آمنة متنوعة ، توسيع استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي) ، إلى جانب دوائر صنع القرارات في سوريا (إقرار قوانين ضامنة لحرية الإعلام ، تعزيز البيئة القانونية لحماية الصحفيين والصحفيات ، إشراك المعنيين في صياغة القوانين بما في ذلك جماعة الصحفيين\ات ومنظمات المجتمع المدنى ) . أما توصيات المنظمات الدولية والإقليمية الداعمة فجاءت لتركيز على أهمية زيادة المخصصات المالية وتقديم منح وخدمات دعم مالي ميسرة للمشاريع الصحفية إلى جانب دعم برامج الأمن الرقمي ومراعاة النوع الاجتماعي.
الخلاصة أن استمرار الاستثمار في البنية الإعلامية السورية يمثل شرطاً أساسياً لترسيخ مناخ أكثر شفافية ومساءلة خلال المرحلة الانتقالية. وعليه، فإن توفير دعم متعدد الأبعاد للصحفيين والصحفيات السوريين\ات ضرورة ملحّة لا تحتمل التأجيل. كما تبرز أهمية تعزيز حملات المناصرة الدولية والإقليمية لضمان تدفق الموارد المالية وتوسيع نطاق التمويل المخصص لحماية الإعلام المستقل وصون حرية التعبير.
إن التزام الأطراف المعنية، ولا سيما الشركاء الدوليين وصنّاع القرار، بتنفيذ هذه التوصيات من شأنه أن يسهم في بناء بيئة إعلامية قادرة على أداء دورها الرقابي والتنموي بكفاءة، بما يعزز مسار الانتقال الديمقراطي ويؤسس لمرحلة أكثر استقراراً وعدالة في سوريا.





