في مهب رياح التغيير: المرأة السورية ودورها في صناعة السلام

19/12/2025

بقلم : آلاء الربيعي وربى خدام الجامع ونور عويس

تواجه المرأة السورية اليوم تحديات جسيمة على مستويات عديدة، يأتي على رأسها العقبات التي تعترض سبيل مشاركتها في صنع السلام بعد النزاع، وتحقيق تغييرات جوهرية لصالحها في أول دستور دائم للبلد بعد رحيل الأسد.

وكما يحدث في ظل الحالة الضبابية التي تكتنف أي تغيير هائل، برزت في سوريا أصوات نسائية تبنت نهجاً واضحاً يسعى لبناء الجسور بين مختلف الأطراف، سعياً لتحقيق سلام مستدام.

“التصحيح من القاعدة”

كان صوت الناشطة هنادي زحلوط من بين تلك الأصوات، فقد اعتقلت لنشاطها السياسي أيام النظام السابق بعد تاريخ حافل في الدفاع عن حقوق المرأة والإنسان، وبعد الإفراج عنها انتقلت للعيش في فرنسا، وقد شاركت في عدد من الفعاليات السياسية والثقافية، وحصدت جائزة المدافع عن حقوق الإنسان من الخارجية الأمريكية في عام 2019.

أشقاؤها، أحمد وعبد المحسن وعلي قضوا في أحداث الساحل التي وقعت في آذار الماضي بين قوات الحكومة الجديدة وعناصر موالية لنظام الأسد السابق، والتي أسفرت عن مقتل مئات الأبرياء واتهامات بارتكاب “جرائم حرب” من كلا الجانبين.

رغم المأساة التي حلت بها وبأهلها، تبنت هنادي خطاباً وطنياً وصفته بـ “صوت ضمير خارج من موقع جحيمي”، مستجمعة كل ما لديها من قوة لتظهر عبر القنوات الإخبارية وتعزي أهلها وأهالي كل الضحايا في تلك الأحداث، ولتعلن بأن ما حدث “لا يمثلها”. ونظراً لتركيزها على حقوق المرأة، تقف هنادي اليوم ضد كل من يقصي الآخر عموماً ويسعى لتهميش المرأة خصوصاً، وترى بأن تجاوز هذه التهميش يتجسد “بتصحيح” الوضع “من القاعدة” وذلك عبر إبراز دور النساء في العمل والاقتصاد والتعليم، ويمكن تحقيق كل ذلك عبر أدوات النضال السلمي برأيها.

أما عن دورها في صناعة السلام، فتراه يتجسد في “كبح وفرملة خطاب الكراهية بين المكونات السورية”، من خلال: “تعزيز مسار العدالة الانتقالية والعمل على المطالبة بها، لأن ذلك يخفف من الأحقاد”. 

“لم الشتات”

تتفق الإعلامية دانة سقباني مع زحلوط حول أهمية دور المرأة في بناء السلام، سواء خلال النزاعات أو بعد انتهائها، أما على المستوى الشخصي، فقد عادت سقباني إلى سوريا لتعمل مذيعة في قناة الإخبارية السورية، ومن خلال عملها أصبحت تركز على قضايا تتصل بالوحدة الوطنية، وفض النزاعات، والحد من الانقسام عبر مناقشة وجهات نظر مختلفة، مع طرح مواضيع تتصل بمعاناة الشعب السوري، فضلاً عن سعيها لتنقل إلى بلدها جميع خبراتها الإعلامية التي راكمتها في الخارج.

 غير أنها ترى بأن هنالك تحديات كبيرة تعترض سبيل المرأة السورية عموماً، بما أن سوريا ماتزال في مرحلة “لم الشتات” بعد “الحرب والنزوح والاغتراب” على حد وصفها.

تحدي الواقع

بفضل تشجيع الأسرة والمقربين، تحدت سقباني كل العقبات الراهنة المتمثلة بضعف تجربة المجتمع في المجال الانتخابي والديمقراطي عبر ترشحها للجنة الناخبة لأعضاء مجلس الشعب، واعتبرت ذلك “واجباً وطنياً”، غير أنها استُبعدت من القائمة الأولى للمرشحين بحجة العمل على خلق توازن في التوزع الجغرافي، وبالتالي لم تتمكن من استكمال إجراءات الترشح، وبعد تلك التجربة أصبحت ترى بأن السوريات بحاجة “لتجربة سياسية عميقة”، نظراً لمعاناتهن من تهميش مستمر بسبب  “العقلية الذكورية المتجذّرة في الثقافة المجتمعية”.

 ترى سقباني بأن دورها في بناء السلام يتحقق من خلال عملها الإعلامي عبر تناول “مستقبل سوريا والسوريين” في البرنامج الاجتماعي الذي تقدمه، والذي له تأثير كبير -من وجهة نظرها- على تغيير المجتمع في قادم الأيام، وخاصة إن ترافق ذلك مع سعي الإعلام لمطالبة الجهات المعنية بتغيير السلبيات في واقع الشعب السوري. 

منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، بدأت ستير قاسم مسيرتها في العمل المدني، مركّزةً على دعم دور النساء في بناء السلام. تقول ستير إن فكرة تأسيس “شبكة قائدات السلام” التي تعنى بتفعيل دور المرأة في هذا المجال كانت تراودها منذ سنوات، لكنها لم تتحقق إلا مع التحولات الكبرى التي شهدتها البلاد بعد الثورة.

نشأت ستير في أسرة تؤمن بحقوق النساء وتشجعهن على النضال، وكانت قصص النساء الكرديات اللواتي تصدرن جهود المصالحة بين العشائر المتنازعة خلال عقود مضت، حاضرة في وجدانها منذ الصغر. وبعد الثورة السورية، تأسست شبكة قائدات السلام على مبدأ التنوع ضمن فضاء المجتمع المدني، لتضم نساءً من مختلف المكوّنات السورية الكردية والعربية والسريانية وغيرها، وتعمل في مناطق شمال وشرق سوريا بالتعاون مع المنظمات المحلية. واليوم باتت الشبكة تشمل نساءً من مختلف أنحاء سوريا.

وتوضح ستير أن الشبكة لا تتعامل مع النساء بمنطق الإرشاد المباشر: “بل نسعى لأن يكون عملنا نفسه رسالة تشجيع”. 

وتختتم ستير بفخر واضح: “أنا فخورة بكل النساء السوريات اللواتي واصلن نضالهن رغم الألم والدمار، الظروف لم تكسرهن، بل زادت إصرارهن على المضي نحو سوريا التي يحلمن بها: سوريا السلام والكرامة والعدالة والمساواة.”

هل من إطار قانوني يغير واقع المرأة السورية؟

أكد قرار مجلس الأمن 1325 على أهمية مشاركة النساء في عمليات السلام، بما أن مشاركتهن تزيد من فرص نجاح الاتفاقيات وتضمن استمراريتها. 

وترى المحامية مريم العلي أن هذا القرار يمكن أن يشكّل إطاراً عملياً لدعم مشاركة النساء في مسارات الحقيقة والمصالحة وجبر الضرر، مع ضرورة مراجعة القوانين الوطنية، خاصة قانون الأحوال الشخصية.

 لكنها تنتقد استمرار إقصاء النساء  على الرغم من تضحياتهن، بما أن القوانين تمييزية والإرادة السياسية غائبة. 

وتوضح أن جهود منظمات المجتمع المدني لتفعيل القرار 1325 بقيت محدودة بسبب الانقسامات السياسية وضعف الرغبة المحلية والدولية. كما أن فكرة مشاركة النساء في عمليات السلام ما تزال غريبة على المجتمع السوري المحافظ، رغم أن التجربة أثبتت كفاءة النساء خصوصاً في العمل الإنساني.

وتعدّد العلي أهم القوانين التمييزية التي تعيق دور النساء، ومنها:

·         منع الأم من منح جنسيتها لأطفالها.

·         وجود مواد تمييزية في قانون الأحوال الشخصية.

·         تقييد حرية التنقل.

·         استمرار وجود مواد تتعلق بجرائم الشرف.

·         عدم تجريم الاغتصاب الزوجي.

·         القيود على عمل النساء ليلاً.

·         ضعف الكوتا النسائية.

وتؤكد العلي ضرورة على مواءمة القوانين السورية مع اتفاقية سيداو، واعتماد خطة وطنية لتنفيذ القرار 1325، معتبرة أن السلام الحقيقي لا يتحقق دون عدالة جندرية. وترى أن مستقبل القرار في سوريا يعتمد على الاعتراف الرسمي بدور النساء، وإنشاء هيئات داعمة، مع الاستفادة من تجارب الدول الأخرى.

تجارب نسائية ناجحة في صناعة السلام

شاركت المرأة عبر التاريخ ببناء السلام، فخلال الحرب الأهلية الليبيرية، نظمت النساء حركة عابرة للطوائف عملت على إنهاء النزاع في عام 2003. وللنساء دور بنيوي في إعادة الإعمار عبر مبادرات المصالحة المجتمعية، كما حدث في نيجيريا حيث شاركت المنظمات النسائية بالمفاوضات لإعادة الأطفال الذين اختطفتهم جماعة بوكو حرام، إلى جانب مشاركة النساء في مجموعات الحراسة المحلية، وتجسد ذلك أيضاً في رواندا بعد الإبادة، عندما أسهمت المنظمات النسائية بإعادة بناء المجتمع، ولذلك تعتبر الكاتبة سلوى زكزك هذه التجربة أفضل تجربة نسائية في العدالة الانتقالية على مستوى العالم، وتضيف بأن أهم دور للسوريات خلال المرحلة الانتقالية يتمثل بالمشاركة في رسم السياسات العامة.

بناء السلام “لبنة.. لبنة”

ولكن حتى يتعزز دور المرأة في بناء السلام بعد النزاعات، يمكن الخروج بسياسات تشجع على المساواة بين الجنسين مع ضمان مشاركة المرأة في صناعة القرار، كما أن تأمين التدريب والموارد للرائدات من النساء بإمكانه أن يعزز مقدراتهن في مجال المشاركة الفاعلة ضمن تلك السياقات.

تتفق كل من هنادي ودانة وستير على أنه لابد من دعم النساء لبعضهن بعضاً، لأن النجاح كما تقول قاسم: “لا يتحقق بامرأة واحدة، بل بمنظومة متعاونة تؤمن بالرسالة نفسها”، وتضيف: “نحن نصنع السلام في كل خطوة..في كل فعالية نقيمها، وفي كل جهدٍ نبذله. نحن نبني لبنة تلو أخرى في جدار السلام، لذلك نحن لا نتلقاه جاهزاً، بل نصنعه بأيدينا، ولهذا نحافظ عليه بكل ما أوتينا من قوة”.

هذا التقرير أعدّه الصحفي/ة ضمن مشروع ينفّذه المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، بدعم من منظمة اليونيسكو وبإشراف الأستاذة ميس قات، وهو يعبّر عن رأي كاتبه/كاتبته فقط. ونشر في موقع سوريا على طول بتاريخ 04/12/2025

إن التسميات المستخدمة وطريقة عرض المواد الواردة في هذا المادة لا تعني إبداء أي رأي من جانب اليونسكو بشأن الوضع القانوني لأي بلد أو إقليم أو مدينة أو منطقة أو سلطاتها، أو بشأن ترسيم حدودها أو تخومها. ويُعدّ المؤلف/المؤلفون مسؤولون عن اختيار وعرض الحقائق الواردة في هذا المستند وعن الآراء المعرب عنها فيه، والتي لا تعكس بالضرورة آراء اليونسكو ولا تُلزم المنظمة.

The designations employed and the presentation of material throughout this [publication/book/report/article/video] do not imply the expression of any opinion whatsoever on the part of UNESCO concerning the legal status of any country, territory, city or area or of its authorities, or concerning the delimitation of its frontiers or boundaries. The author(s) are responsible for the choice and presentation of the facts contained in this document and for the opinions expressed therein, which are not necessarily those of UNESCO and do not commit the Organization.

19/12/2025
المركز السوري للإعلام وحرية التعبير Syrian Center for Media and Freedom of Expression
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.