قرار بشأن الصراع المستمر في سوريا وتركيا
الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان –FIDH– في مؤتمرها الـ40 الذي عقد في تايبيه، تايوان:
بالنظر إلى التطورات الأخيرة في شمال سوريا، وخاصة الهجوم العسكري للحكومة التركية على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا؛
بالنظر إلى قرار رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا والتي اعتبرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمثابة ضوء أخضر لشن عمليات عسكرية في سوريا؛
وحيث أنه منذ بدأ العملية – التي أطلق عليها اسم “ربيع السلام” – في 9 أكتوبر، فر عشرات الآلاف من المدنيين من منازلهم ، وتم الإبلاغ عن أكثر من 60 حالة وفاة مدنيين من قبل مركز توثيق الانتهاكات (VDC) في سوريا .
في حين استهدفت تركيا والمليشيات التي تدعمها تركيا أكثر من 65 منشأة ومنطقة مدنية ؛
في حين أن الهدف من الهجوم العسكري التركي هو تحييد التهديدات “الإرهابية” ضد تركيا عن طريق منع إنشاء “ممر إرهابي” عبر الحدود الجنوبية لتركيا وإنشاء “منطقة آمنة”، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين الذين يعيشون حالياً في تركيا .
حيث بدأت تركيا تسيطر على المنطقة عندما شنت عملية عسكرية في مناطق جرابلس وعزاز والباب السورية في أغسطس 2016؛
في حين أن التوغل العسكري الذي قامت به تركيا في منطقة عفرين في سوريا، والذي بدأ في يناير 2018، قد أدى بالفعل إلى تشريد الآلاف من الناس ومجموعة واسعة من الانتهاكات الموثقة، بما في ذلك عمليات القتل وإعدام السكان المحليين، والاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، ومصادرة الممتلكات والنهب؛
في حين تحتفظ تركيا بوجود عسكري في منطقة إدلب السورية في إطار اتفاقها مع روسيا وإيران.
بينما تدعي تركيا أن وجودها في شمال سوريا إلى الغرب من نهر الفرات هو أمر مؤقت، فقد تم الإبلاغ عن تعيين مسؤولين لحوكمة المنطقة، وفتح مكاتب محلية للمؤسسات الحكومية، والإعلان الأخير بأن جامعة غازي عنتاب في تركيا ستفتح 3 كليات في المنطقة، تشير إلى خطة استراتيجية طويلة الأجل من جانب الحكومة التركية في المنطقة؛
في حين أن تركيا تخطط لإعادة توطين ما يصل إلى مليوني لاجئ سوري يقيمون حاليًا في تركيا، معظمهم من السكان العرب، في “منطقة آمنة” تمتد على بعد حوالي 20 ميلًا (32 كم) داخل سوريا وتسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، في محاولة واضحة لإعادة تشكيلها الديموغرافيا المحلية.
بينما احتجزت قوات سوريا الديمقراطية 12000 مقاتل من داعش في سجون مؤقتة، وهناك حوالي 70،000 امرأة وطفل يشتبه في صلتهم مع داعش محتجزون في المخيمات.
بينما فر مئات الأشخاص الذين يشتبه في صلتهم بالجماعة الإرهابية من مخيم عين عيسى، الواقع في شمال شرق سوريا، بينما فر بعض مقاتلو داعش من مرافق الاحتجاز الكردية وفقًا لمسؤولين أكراد.
بينما هناك خطر من أن الهجوم التركي قد يمهد الطريق لعودة ظهور داعش في سوريا ويؤدي في نفس الوقت إلى النزوح الجماعي وعدد لا يحصى من الضحايا المدنيين ؛
بينما هناك خوف متزايد من قيام قوات النظام السوري بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان واعتقال المعارضين المقيمين في المنطقة بينما يواصلون تقدمهم بالاستيلاء على عدد من البلدات دون قتال، بما فيها تل تامر، الطبقة، وعين عيسى؛
في حين ارتكبت القوات المسلحة التركية ووكلائها في شمال سوريا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني منذ شن الهجوم، بما في ذلك الهجمات العشوائية والإعدام التعسفي، والتي قد ترقى إلى جرائم الحرب؛
في حين أن تركيا يمكن أن تتحمل المسؤولية كدولة عن الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات المسلحة التابعة لها، ما دامت تركيا تمارس سيطرة فعلية على تلك الجماعات، أو على العمليات التي وقعت خلالها تلك الانتهاكات، على النحو الذي أشار إليه مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؛
في حين يخشى بعض المراقبين، نظرًا للعداء التاريخي والصراع الطويل الأمد بين تركيا والأكراد، أن تتصاعد هذه الانتهاكات إلى التطهير العرقي للسكان الأكراد في شمال سوريا؛
بينما، بالتوازي، في تركيا تم تكثيف حملة ضد المعارضين الذين يعبرون عن عدم موافقتهم على التدخل العسكري في سوريا؛
حيث أعلن وزير العدل التركي، عبد الحميد جول، في 11 أكتوبر 2019 أنه سيتم اتخاذ إجراء قانوني ضد 500 فرد “أهانوا” التدخل العسكري ووصفوا تركيا بالغازية على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تم بالفعل نقل 121 منهم إلى عهدة الشرطة؛ وتتزايد حالات الاستهداف هذه يوميًا؛
بينما تم إجراء تحقيق جنائي بحق ثلاثة من نواب حزب الشعب الديمقراطي، واثنان من رؤساء حزب الشعب الديمقراطي ونائب لحزب الشعب الجمهوري بتهمة “الدعاية الإرهابية” و”إهانة الحكومة التركية” وذلك بسبب تعبيرهم عن انتقاداتهم للتدخل العسكري؛
في جميع أنحاء تركيا، تم حظر المظاهرات والتجمعات العامة، وتتم مقابلة المتظاهرين باستخدام مفرط للقوة من قبل الشرطة ويخضعون لإجراءات جنائية؛
في حين أن الوضع في تركيا قد تدهور بشدة منذ الانقلاب الفاشل لعام 2016؛ حيث أن سيادة القانون وحقوق الإنسان – لا سيما الحق في المشاركة السياسية، والحق في حرية التعبير، والحق بالتجمع وتكوين الجمعيات والتحرر من التعذيب – تعرضت بدورها لتحديات خطيرة، فيما تقلصت بشكل كبير مساحة المجتمع المدني، بما في ذلك الأصوات الناقدة، في حين تم استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان بشكل خاص. ويأتي ذلك في سياق حالة الطوارئ المعلنة التي امتدت بين يوليو 2016 ويوليو 2018 ، والتي تم تحويل مضمونها الأساسي لاحقًا إلى قانون عادي، مما سهل بدوره سن إصلاحات قانونية وسياسية جوهرية بعيدة المدى تقيد بشدة حقوق الإنسان والفضاء المدني. وتشمل هذه الإصلاحات الدستورية التي عززت من السلطة التنفيذية للرئيس، لتقوض بشكل أساسي الضوابط والتوازنات وتضع البلاد على طريق الاستبداد.
بينما فشلت الحكومة التركية في إيجاد حل سلمي طويل الأجل للقضية الكردية؛ وبدلاً من ذلك، كانت تستهدف السكان الأكراد التي تزعم أنهم يهددون سياساتها الأمنية، وذلك أدى بدوره إلى تقويض حقوق الإنسان؛
في حين أن الوضع في جنوب شرق تركيا، الذي تقطنه أغلبية كردية، كان قاسيًا بشكل خاص، وورد أن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان قد ارتكبت في تلك المنطقة خلال هذه السنوات الثلاث الماضية، مما تسبب في خسائر كبيرة في الأرواح البشرية بما في ذلك بين السكان المدنيين، مما دفع بعض المراقبين إلى استنتاج أن الوضع يمكن أن يكون بمثابة نزاع داخلي مسلح؛
بينما أبرم الاتحاد الأوروبي في مارس 2016 صفقة مع تركيا بشأن الهجرة، جعلت المهاجرين وطالبي اللجوء، بما في ذلك اللاجئين الفارين من النزاع في سوريا، من مسؤولية الحكومة التركية وذلك لمنعهم من دخول أراضي الاتحاد الأوروبي، دون إيلاء الاعتبار لسجل تركيا السيئ في مجال حقوق الإنسان وعدم وجود نظام لجوء يعمل بشكل جيد في تركيا للتعامل مع طلبات اللجوء وفقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان واللاجئين؛
في حين أن الاتحاد الأوروبي كان حريصًا جدًا منذ إبرام ذلك الاتفاق عن التعبير عن أي انتقاد علني للحكومة التركية، خوفًا من أن تلغي تركيا الاتفاقية.
فإن الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان في مؤتمرها الأربعين والذي عقد في تايبيه، تايوان:
يعتبر أن تدخل تركيا العسكري في سوريا يشكل استخدامًا غير قانوني للقوة ضد السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي لدولة ذات سيادة، في انتهاك للمادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة؛
يعتبر أن التشريد القسري للمدنيين قد يصل إلى حد الجرائم الدولية، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
يحذر تركيا وجميع أطراف النزاع ، بما في ذلك النظام السوري، من القيام بأي أعمال يحتمل أن تلحق الضرر بالمدنيين، وضد ارتكاب المزيد من الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان؛
يعرب عن قلقه من أن التدخل العسكري التركي في شمال سوريا قد يمهد الطريق لعودة ظهور داعش، وفي الوقت نفسه يؤدي إلى سقوط عدد لا يحصى من الضحايا المدنيين، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى النزوح الجماعي المحتمل الذي قد يؤدي إلى تطهير عرقي و/أو إعادة التركيبة السكانية؛
تأسف لأن التدخل العسكري التركي يبدو أنه قد تم استخدامه من قبل الحكومة التركية كذريعة لشن مزيد من القمع ضد خصومها السياسيين والأصوات الناقدة الأخرى، لا سيما بين السكان الأكراد، وربما للقضاء على المعارضة الكردية في تركيا؛
تأسف وتعرب عن قلقها إزاء التصعيد الخطير للعنف الناجم عن العملية العسكرية التركية في شمال سوريا، وزيادة عدم الاستقرار التي من المحتمل أن يثيرها التدخل العسكري في المنطقة، والتي من المرجح أن يتحمل المدنيون ثمنها.
يحث تركيا على:
– وقف التوغل العسكري والهجمات على سوريا دون تأخير بإعلان وقف فوري لإطلاق النار؛
– ضمان احترام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني أثناء النزاع، بما في ذلك الالتزامات الناشئة عن اتفاقيات جنيف لعام 1949. الامتناع عن أي عمل من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من العنف أو انتهاكات حقوق الإنسان، والامتناع عن أي هجوم عشوائي على السكان المدنيين والإعدامات التعسفية والامتناع عن خرق أي قانون إنساني آخر أو انتهاكات لحقوق الإنسان يمكن اعتبارها بمثابة جرائم حرب؛
– وضع حد للإفلات من العقاب عن طريق التحقيق الفعال في مزاعم انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك حالات الاختفاء القسري والإعدام التعسفي والتعذيب، سواء ارتكبها موظفو الدولة أو وكلائهم؛
– اتخاذ الإجراءات اللازمة لعدم التدخل في الحرب الأهلية القائمة في سوريا وضمان احترام حق الشعب السوري في تقرير المصير، وحق الشعب الكردي في إقامة إدارة ذاتية محلية في منطقة روجافا مع المجتمعات الأخرى؛
– وضع حد لحملة مضايقة المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان في تركيا، بما في ذلك المعارضة الكردية؛ الإفراج وإسقاط التهم عن أي فرد محتجز بسبب تعبيره عن آرائه، بما في ذلك آراء أولئك الذي تتعارض أرائهم مع ما تروج له الحكومة، أو بسبب عملهم للدفاع عن حقوق الإنسان. استعادة احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية في تركيا واتخاذ جميع الخطوات اللازمة لإنشاء حوار سياسي بناء مع المعارضة الكردية وبناء عملية سلام حقيقية.
يحث النظام السوري وأطراف النزاع الأخرى في سوريا على:
– احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وخاصة الامتناع عن القصف العشوائي للمناطق السكنية وغيرها من الأعمال التي تؤدي بشكل مؤكد إلى وقوع ضحايا وجرحى في صفوف المدنيين، وتشريد قسري.
يدعو المجتمع الدولي إلى:
– بذل كل ما في وسعه للعمل من أجل التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الصراع في سوريا ومعاناة السكان المدنيين؛
– العمل بحزم لإنهاء الإفلات من العقاب فيما يتعلق بالانتهاكات التي تستهدف المدنيين في شمال سوريا؛
يدعو الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه:
– إلى عدم الخضوع لتهديد الحكومة التركية بإلغاء الاتفاقية المبرمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بشأن الهجرة، واعتماد اجراءات استجابة فعالة قائمة على مبادئ الاتحاد الأساسية المتمثلة في احترام الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان بما يتوافق مع المادة 21.