محاكمة بشار الأسد في فرنسا ممكنة، لكن المحكمة فوّتت فرصة لصناعة التاريخ

محاكمة بشار الأسد في فرنسا ممكنة، لكن المحكمة فوّتت فرصة لصناعة التاريخ

باريس، 25 تموز/يوليو 2025 –  ترحّب المنظمات الموقعة أدناه بالاعتراف المنتظر منذ زمن بأن الحصانات الوظيفية لا تُشكّل عائقًا أمام الملاحقة في حال ارتكاب جرائم دولية، إلا أنها تأسف لإبطال محكمة النقض الفرنسية (Cour de cassation) لمذكرة التوقيف الصادرة بحق بشار الأسد، بينما كان لا يزال يشغل منصب رئيس الجمهورية العربية السورية، وذلك في القضية المتعلقة بدوره في هجمات الغوطة الشرقية ودوما بالأسلحة الكيميائية في أغسطس/آب 2013. وقد رأت محكمة النقض أن مذكرة التوقيف الصادرة بحقه تنتهك مبدأ حصانة رئيس الدولة.

ومع ذلك، فإن هذا العائق مؤقت فقط، إذ أوضحت محكمة النقض أن قضاة التحقيق يمكنهم الآن إصدار مذكرة توقيف جديدة بحق الأسد، بما أنه لم يعُد رئيسًا للدولة.

هذا القرار لا يتعلق بمسؤولية بشار الأسد المباشرة عن الهجمات الكيميائية، وهي مسؤولية أقرّ بها كلّ من قضاة التحقيق والنيابة العامة، بل يدور حول ما إذا كان يمكن للمحاكم الفرنسية إصدار مذكرة توقيف بحقه بينما كان لا يزال يشغل منصب رئيس الدولة.

وعن ذلك، قال المحامي مازن درويش، مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير: “يمثل هذا القرار انتكاسة خطيرة للجهود الدولية الرامية لمكافحة الإفلات من العقاب على أشد الجرائم خطورة. لقد أهدرت المحكمة فرصة لترسيخ مبدأ عدم سريان حصانة رئيس الدولة عند تورطه المباشر في ارتكاب هذه الجرائم. وبدلاً من ذلك، يبعث الحكم برسالة مقلقة للناجين مفادها أن الحصانات لا تزال قادرة على حماية الجناة من العدالة”.

منظماتنا، بصفتها طرفاً مدنياً في التحقيق انخرطت مع الضحايا السوريين في توثيق الفظائع ومناهضة الحصانة، تشعر بخيبة أمل لأن المحكمة تجاهلت الدعوات المتكررة من المجتمع الدولي لمحاسبة المسؤولين عن هجمات الأسلحة الكيميائية المميتة. وترى أن هذا القرار يتعارض بشكل صارخ مع الرفض الذي أعقب الحرب العالمية الثانية لمبدأ الحصانة لرؤساء الدول، كما يقوّض عقودًا من التقدم في محاسبة القادة على ارتكابهم الفظائع الجماعية.

وقالت ماريانا بينا، المستشارة القانونية الأولى في مبادرة العدالة المفتوحة (Open Society Justice Initiative):
“رغم القرار الحالي، فإن العالم بات يسير على طريق تعزيز المساءلة بحق القادة الذين يرتكبون الجرائم الأشد خطورة. ما صدر اليوم هو انتكاسة مؤقتة فقط، وستتاح للمحاكم فرص أخرى لتأكيد أن ارتكاب الجرائم الدولية يُستثنى من الحصانة الشخصية.”

مع ذلك، فإن التحقيق سيستمر في الدور المركزي لبشار الأسد في الهجمات، إلى جانب ثلاثة متهمين آخرين لم تُطعن في مذكرات التوقيف الصادرة بحقهم، ومن بينهم شقيقه ماهر الأسد واثنان من كبار المسؤولين السوريين. وبما أن بشار الأسد لم يعُد يشغل منصب رئيس الدولة، فإننا ندعو قضاة التحقيق إلى إصدار مذكرة توقيف جديدة بحقه دون تأخير.

وعلّق الدكتور حسام النحاس، الباحث في مجال الصحة وحقوق الإنسان في منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان:

“لا يزال الناجون من هجمات 2013 الكيميائية في الغوطة ودوما يعانون من آثار صحية خطيرة وطويلة الأمد. وقد فاقمت نتائج هذه الهجمات خسارة الوصول إلى الرعاية الصحية المناسبة، بسبب استهداف النظام السوري وحلفائه – وأطراف أخرى – للمنشآت الصحية، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية الصحية في البلاد. وعلى الرغم من أن إسقاط مذكرة التوقيف بحق الأسد يشكل تراجعًا، فإن هذه القضية تظل فرصة محورية لتحقيق العدالة. ويجب متابعة المساءلة عبر ملاحقة المتهمين الآخرين وإعادة إصدار مذكرة التوقيف بحق الأسد.”

يذكر أن الهجمات – التي نُفّذت باستخدام أسلحة كيميائية محظورة – أسفرت عن مقتل 1400 شخص، بينهم عدد كبير من الأطفال، وتسببت بإصابات دائمة لا تُحصى لدى عدد لا يُقدّر من الضحايا. وقد تم تصنيف هذه الأفعال كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وقد كانت مذكرة التوقيف الأصلية التي صدرت عام 2023 قد واجهت اعتراضًا من النيابة العامة استنادًا إلى مبدأ الحصانة المطلقة لرؤساء الدول. وفي عام 2024، رفضت محكمة الاستئناف في باريس هذا الاعتراض، استنادًا إلى طبيعة الجرائم وعدم توفر سبل بديلة لتحقيق العدالة. ثم أحالت النيابة العامة القضية إلى محكمة النقض، ما أدى إلى صدور القرار الحالي.

المنظمات الموقعة:

  • المدافعون عن الحقوق المدنية (Civil Rights Defenders)
  • مبادرة العدالة المفتوحة (Open Society Justice Initiative)
  • أطباء من أجل حقوق الإنسان (Physicians for Human Rights)
  • الأرشيف السوري، ومنيمونيك (Syrian Archive, Mnemonic)
  • المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (Syrian Center for Media and Freedom of Expression)