ورقة موقف حول سحب الجنسية فى قطر

مقدمة
شكلت الأزمة الخليجية والتحريض المتبادل بين الدول الأربعة ( مصر – السعودية – الامارات – البحرين ) من جهة وقطر من جهة أخرى فرصة متجددة للحكومات المتصارعة من أجل قمع حرية التعبير والإجراءات التعسفية الأخرى التى وصلت للسجن والقبض على الكثيرين بتهمة الولاء والعمالة للطرف الأخر فى الأزمة. وبينما استمرت وسائل الإعلام فى البلدان فى الابتعاد عن خط المهنية دفع الكثيرون ثمنا لخطاب الكراهية والتحريض.
منذ اندلاع الأزمة الخليجية شنت قطر حملة واسعة على المعارضين لها فى الداخل أو من تشك – بحسب تعبير وزير خارجيتها – فى ولائهم للسعودية ولدول الحصار، الأمر الذي أفضى إلى حالات متكررة لسحب وإسقاط الجنسية بناءا على موقف المواطنين من الأزمة الخليجية وثمة ما يمكن تتبعه من خلال الحالات التي رصدتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان فى الورقة من المنهجية الواضحة للاستهداف بناء على اﻵراء فيما يتعلق بالأزمة الخليجية. تبدو إجراءات الحكومة القطرية الأخيرة تعسفية إلى حد كبير وخاصة فى منطقة كانت حتى التاريخ الحديث متشابكة جغرافية وتتمتع القبائل فيها بإنتشار عابر لحدود الدول .
تسعى الورقة لتقديم رصد وتحليل الظاهرة المتكررة خاصة فيما يتعلق بدولة قطر والانتهاكات التي تقوم بها السلطات القطرية تجاه أصحاب الرأي المختلف فيما يتعلق بالأزمة الخليجية، لا ينفي هذا الحصر على قطر عدم وجود انتهاكات لحرية التعبير على الجانب الأخر لكن الورقة تهتم حصرا بالحالات القطرية المرصودة لأنها هي التي تضمن حالات لاسقاط الجنسية أو سحبها .
وتجدر الإشارة أن إجراءات سحب أو إسقاط الجنسية ترتبط عادة بإجراءات قمعية أخرى تنتهك الحريات الشخصية المنصوص عليها فى المواثيق الدولية ومنها تقديم الأشخاص للمحاكمة بتهمة التخابر، أو تجميد الأصول المالية ومصادرة الأموال والطرد من البلاد أو فى أقل الحالات التضييق الأمني على المواطنين التى تسحب أو تسقط عنهم الجنسية.

إسقاط الجنسية عن الشاعر محمد بن فطيس المري

فى الأول من أكتوبر الجاري نشرت عدة صحف عربية خبرا عن إسقاط الجنسية عن الشاعر القطري محمد بن فطيس المري وكان المري قد اشتهر بسبب مسابقة أمير الشعراء فى 2011 ولقب بشاعر المليون ، كان المري قد أعلن عن رفضه لسياسات قطر فى الأزمة الخليجية وعبر فى تسجيل صوتي منسوب له أذاعته قناة العربية “إنه يرفض تسييس الحج والتطاول على رموز الخليج، واصفاً المتطاولين بـ”الرعاع”. وقال: “إذا كان التطاول على الأوطان خطاً أحمر، فإن التطاول على المقدسات وخادم الحرمين الشريفين والعلماء خط من نار، لا نسمح بتجاوزه، أو التعدي عليه”. كان الشاعر قد هاجم سابقا “تمويل قطر للإرهاب” على حد تعبيره لكنه أكد على أنه مواطن قطري وفخور بجنسيته حيث أضاف فى التسجيل الصوتي الذي أذاعته العربية ” ما دفعني للحديث هو وطني الغالي، والحرص على أمنه وسلامته، واستقراره، فضلًا عن الخوف من المستقبل المجهول، وهدفي الأول أن يصل صوتي للشيخ تميم”.

وأضاف “نحن الشعب القطري نتمنى أن تحل الأزمة بأسرع وقت، وأنا مواطن قطري خليجي وولائي لأرضي قطر ثابت، لكني في الوقت نفسه مع وحدة الصف الخليجي، واحرص على أمن وتلاحم دول الخليج، ولدي يقين بأن مصيرنا واحد، وأن قوة الخليج في وحدته “.وأشار إلى أن ” الأمور تطورت للأسوأ، ووصلت إلى سب رموزنا في الخليج، وهذا لا يرضينا، ولا يرضي المسلمين، بل إن هناك مزايدة في الشتم والسب وصلت الأعراض والطعن في الأنساب “. وتابع محمد بن فطيس “إذا كان التطاول على الأوطان خطًّا أحمر، فإن التطاول على المقدسات وخادم الحرمين الشريفين والعلماء خط من نار، لا نسمح بتجاوزه، أو التعدي عليه “.  والجدير بالذكر أن إسقاط الجنسية عن الشاعر محمد بن فطيس لم يتم عبر أية إجراءات قانونية أو محاكمة أمام المحكمة بحسب ما تقتضيه حالات سحب الجنسية فى المواثيق الدولية حيث  نصت المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على (( أن  لكل فرد حق التمتع بجنسية ما ، وأنه لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها))

سحب الجنسية من شيخ  قبيلة آل مرة و50 من أبناء القبيلة  
منذ استقلال قطر فى 1971 وبسبب الطبيعة الجغرافية المتداخلة للقبائل فى شبه الجزيرة العربية حيث تنتشر القبائل وتتوزع على أراضي أكثر من دولة ، كانت ال مرة، أحد تلك القبائل حيث يتوزع أفراد القبيلة بين المملكة العربية السعودية وقطر ، وبعد الأزمة الخليجية وقع الكثير من أبناء تلك القبيلة ضحية التحريض المتبادل ، واتخذت السلطات القطرية إجراء بدون أي سند قانوني حيث أقدمت على سحب الجنسية من عدد كبير من أفراد القبيلة بزعم أنهم يحملون جنسية دولة أخري ( السعودية ) ،والجدير بالذكر أن الكثير من أفراد تلك القبائل الحدودية هم مزدوجي الجنسية ، ولم تتخذ السلطات القطرية إجراءات مماثلة بالنسبة لهم مما يدلل على أن استهداف أفراد قبيلة أل مرة هو بسبب ما وصفه شيخ القبيلة طالب بن لاهوم البري حيث صرح لوسائل الإعلام قائلا “جنسيتي ليست من حمد بن خليفة (أمير قطر السابق)، جنسيتي منحني إياها الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني أمير قطر السابق.. (رابع حاكم قطر في فترة ما قبل الاستقلال).. بطاقتي ليس بها (شريحة) كمبيوتر.. وحمد بن خليفة (أمير قطر السابق) ليس له الحق ولا منّة ولم يمنحني. الجنسية التي لدي من علي بن عبدالله آل ثاني رحمه الله، أمير قطر السابق.”
وأضاف: “سبب سحب جنسيتنا من قطر.. عدم سب المملكة (العربية السعودية) وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أطال الله في عمره، وسمو ولي عهده الأمين، الأمير محمد بن سلمان، وملك البحرين وحكومته، وقد رفضنا ذلك (السب). ولا يصح إلا الصحيح. وقد رفضنا بعدما طلبت منا حكومته ذلك الطلب.” وتابع: “السبب الآخر (هو) اجتماعنا مع صاحب السمو ولي العهد (السعودي) الأمير محمد بن سلمان، أنا وشيوخ المرة وما تعهدنا به له.”
وقال: “جنسيتي ستعود غصباً أنا وأسرتي.. غصباً عن أمير قطر الذي سحب جنسيتي.. نحن ملتزمون بضبط النفس، أنا وقبيلة آل مرة.. لن نتصرف في حقنا فقط بسبب خادم الحرمين وولي عهده الأمين. ولو يسمحوا لنا لأخذنا حقنا الشرعي من حمد بن خليفة لإهانة آل مرة وشعب قطر.”
سحب الجنسية من شيخ قبيلة ” شمل الهواجر ” وبعض أقاربه .

بالمثل أقدمت السلطات القطرية على سحب الجنسية من شيخ قبيلة الهواجر ناصر حمود الهاجري وأفراد من القبيلة بعد تصريحات الأخير المؤيدة الداعمة للسعودية فى الأزمة الخليجية ، يذكر أن القبيلة التي تنتشر فى دول الخليج كلها وحتى العراق والأردن كانت تعيش فى تلك المنطقة منذ قديم الأزل وقد تجنس أفرادها بجنسيات الدول الحديثة التي نشأت فى المنطقة . وكان شيخ قبيلة شمل الهواجر قد استنكر تصرفات الحكومة القطرية تجاه جيرانها في الخليج، مؤكداً رفضه لما تقوم به الدوحة من أعمال تهدد الأمن الداخلي لدول الخليج.
وقبيلة بني هاجر تقطن في مختلف أنحاء الجزيرة العربية، ولها تواجد في كل من السعودية والإمارات وقطر والعراق وعمان والبحرين والكويت.

بمراجعة القوانين القطرية المتعلقة بسحب الجنسية أو إسقاط الجنسية والتى جاءت فى المادتين 11 ، 12  فى قانون الجنسية القطري رقم 38 الصادر عام 2005 والذي تنص مادته الحادية عشر على أنه
يجوز بقرار أميري إسقاط الجنسية القطرية عن القطري في الحالة التالية:
1 -إذا التحق بالقوات المسلحة لدولة أخرى وبقي فيها على الرغم من صدور أمر إليه بتركها.
2 -إذا عمل لمصلحة أي دولة في حالة حرب مع قطر.
3 -إذا عمل لمصلحة أي هيئة أو منظمة أو جمعية أو تنظيم يكون من أغراضه تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لقطر.
4 -إذا أدين بحكم نهائي في جريمة تمس ولاءه لقطر.
5 -إذا تجنس بجنسية دولة أخرى.
ويجوز بقرار أميري إعادة الجنسية القطرية لمن فقدها طبقاً لأحكام الفقرة السابقة، إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك.

والمادة الثانية عشر والمنظمة للاجراءات سحب الجنسية حيث نصت على :

يجوز بقرار أميري سحب الجنسية القطرية من القطري المتجنس إذا توفرت بشأنه حالة من الحالات المنصوص عليها في المادة السابقة أو إحدى الحالات التالية :
1- إذا كان قد منح الجنسية القطرية بطريقة الغش ، أو بناء على أقوال كاذبة ، أو إخفاء معلومات جوهرية ، أو ساعد غيره على اكتساب الجنسية القطرية بطريقة الغش .
2- إذا أدين بحكم نهائي في جناية أو في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة .
3- إذا فصل من وظيفته العامة بحكم أو بقرار تأديبي نهائي لأسباب تتصل بالشرف أو بالأمانة .
4- إذا انقطع عن الإقامة في البلاد مدة تزيد على سنة بدون مبررات مشروعة .
و في جميع الأحوال يجوز بناء على اقتراح وزير الداخلية سحب الجنسية القطرية من المتجنس بها ، لدواعي المصلحة العامة ، إذا وجدت مبررات قوية تقتضي ذلك .

يمكن لأي ملاحظ مدقق فى المادتين السابقتين أن يري أنه فى الحالتين المذكورة سواء حالة الشاعر محمد بن فطيس والتى أسقطت الجنسية عنه لم يكن ارتكب أي جرم من التى نصت عليها مادة إسقاط الجنسية، وفى الحالة الثانية المتعلقة بقبيلتي ( آل مرة ، شمل الهواجر ) والتى سبق أن تم منحهم الجنسية القطرية بعد استقلال قطر لم يثبت أي جرم من المنصوص عليه فى مادة سحب الجنسية . يعطي القانون القطري صلاحيات واسعة للسلطات التنفيذية ممثلة فى وزير الداخلية والأمير فى سحب أو إسقاط الجنسية ولا يضمن أي إليه للتقاضي أمام المحاكم للتظلم على تلك القرارات والإجراءات .

وتعبر الحالات السابقة والتى رصدتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عن انتهاكات واضحة لحرية التعبير،وعقاب مجحف للمواطنين  لم يثبت ارتكابهم لجرائم تستحق مثل هذه العقاب، والجدير بالذكر أن القانون القطري لا يوفر أي آلية للتقاضي يمكن لضحايا ” سحب أو إسقاط الجنسية ” التظلم على تلك القرارات ، والذي يبدو مخالفة واضحة للمواثيق الدولية حيث  نصت المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على (( أن  لكل فرد حق التمتع بجنسية ما ، وأنه لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها)) . تعبر الإجراءات الأخيرة عن خرق واضح الواضحة للقوانين الدولية التي تنظم عمليات منح الجنسية وسحبها، وفق آليات وضوابط معينة، وخصوصاً أن قرارات الحكومة القطرية جاءت بشكل مفاجئ ودون أية مبررات أو مسوغات قانونية، ولم يكن مبني على أية أحكام قضائية أو محاكمات عادلة .
لم يرتكب المذكورين سلفا أي جرم يستدعي تلك الإجراءات القمعية من قبل الحكومة القطرية حيث عبروا عن رأيهم كمواطنين أفراد فى مقابل سياسة دولتهم فى الأزمة الخليجية ، ولم يثبت على أي منهم تقديم خطاب للكراهية والتحريض ضد قطر أو التخابر مع مؤسسات أجنبية كما ينص القانون القطري . لذلك سحب الجنسية من المواطنين بناءا على آرائهم السياسية يعبر عن انتهاك اخر لحرية التعبير حيث نص الإعلان العالمي فى مادته ال19  ” لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود.”  كما أنه وحتى لوكانت الحكومة القطرية تتهم هؤلاء بالولاء لدول معادية  فلابد من وجود إجراءات تقاضي حيث لا يجوز بموجب المواثيق الدولية سحب الجنسية سوي بحكم قضائي وإجراءات تقاضي يمكن للمواطنين من خلالها  أن يتمتعوا بمحاكمة عادلة  .

خاتمة
تري الشبكة العربية أن الإجراءات الأخيرة من الحكومة القطرية تعبر عن انتهاك واضح لحرية التعبير والتنقل فيما يتعلق بالقبائل التي تسكن على الحدود بين قطر والسعودية وأن مثل تلك الإجراءات تعبر عن انتهاك صريح للشخصية القانونية للمواطنين والتي تمنعهم من ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية أيضا ، وأنه لا يجوز للحكومات معاقبة الأشخاص ومنعهم من ممارسة حقوقهم السياسية والمدنية بسبب آرائهم الشخصية ، ومن ثم فعلى الحكومة القطرية التوقف عن تلك الإجراءات التعسفية الخاصة بسحب الجنسية لأصحاب الرأي المختلف فيما يخص الأزمة الخليجية ، وإعادة الجنسية لمن سبق أن سحبت منهم ، وكذلك إعادة الأموال المصادرة كما تؤكد الشبكة العربية على أنه ليس لأي حكومة الحق فى سحب الجنسية من مواطنيها استنادا على المادة الخامسة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الانسان وانه حتى لو اقتضت القوانين المحلية بسحب الجنسية فعلى الدول مراجعة قوانينها بما يسمح والالتزام بالعهود والمواثيق الدولية ، كما تؤكد أن الحق فى سحب الجنسية أو إسقاطها ليس حقا مطلقاً حيث يجب خضوع مثل تلك الإجراءات للاعتبارات القانونية، وينبغي على الحكومات كافة الامتثال بالتزاماتها فى مجال حقوق الإنسان ومنع إجراءات الحرمان التعسفي من الجنسية .