مرزاق علواش: السينما لا تصنع الثورات والرقابة صارت شيئا مضحكا

مرزاق علواش: السينما لا تصنع الثورات والرقابة صارت شيئا مضحكا

صحيفة “الحياة”- الدوحة: فيكي حبيب
رغم استقراره في باريس وانصرافه إلى العمل لمصلحة التلفزيون الفرنسي، لا تغيب الجزائر عن سينما مرزاق علواش، هو الذي لا يكاد يبتعد عنها قليلاً حتى يعود إليها مجدداً في فيلم لا يُمكن أن يمرّ مرور الكرام. ويقيناً أن علواش الذي يعدّ «أول سينمائي تجرأ على الحديث عن الواقع اليومي في الجزائر في فيلمه «عمر قتلته الرجولة»، استطاع لأكثر من 30 عاماً أن يعرّي المجتمع في بلاده من خلال أفلام تنبع من الهمّ الإنساني وتعبّر عن الواقع بكل ما يحمله من قسوة.
اليوم، وبعد سنتين على فيلمه المؤلم «حراقة» الذي صوّر فيه معاناة الشباب الجزائري لبلوغ «أرض الأحلام» الأوروبية، اختار علواش أن يعبّر عن الراهن، بلسان الشباب أنفسهم، فكان فيلم «نورمال» (طبيعي) الذي عرض أخيراً في مهرجان «الدوحة – تريبكا»، وفاز بجائزة أفضل فيلم عربي (مئة ألف دولار) لـ «مناقشته بشجاعة ما تشهده المنطقة من أحداث، وقمع الناس ومنعهم من حرية التعبير، وتصويره حالة الارتباك العامة، بأسلوب يتميز بالحرية والشجاعة والدفء»، كما قال رئيس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في المهرجان، المخرج السوري محمد ملص.
«الحياة» التقت المخرج الجزائري في مهرجان الدوحة، وحاورته حول الفيلم وسبب اتجاهه ناحية الحراك السياسي في العالم العربي رغم أن تاريخ البدء في تصويره يعود إلى عام 2009.

*- من يشاهد فيلم «نورمال» يُلاحظ أن «حديث الثورة» طارئ عليه، وكأنك نسفت فكرة فيلمك الأساسية رغبة بأن يسير الشريط في ركب الحراك الشعبي في العالم العربي. فهل هذا الانطباع مبالغ فيه؟
**- مرّ الفيلم بأكثر من مرحلة. وواضح أن الثورات لم تكن في بالي عند البدء في تنفيذه، خصوصاً أن انطلاقته تعود لعام 2009، إبان انعقاد مهرجان السينما الأفريقية في الجزائر. يومها فكّرت في أن أصنع فيلماً وثائقياً. ثم قلت لا. وسرعان ما بدأت الأسئلة حول مغزى الفيلم تتراءى أمامي، تماماً مثلما حاصرت الأسئلة شخصية المخرج الذي تجدينه في «نورمال». ولا أنكر أن هذه الشخصية هي انعكاس لشخصيتي، ولكن من طريق مخرج شاب. فجأة، حملت الكاميرا الصغيرة، وجمّعت عدداً من الممثلين الشباب، وقررت تصوير الفيلم. لم يكن لدي سيناريو، لكننا كنا نتقدم يوماً بعد يوم، وكنت مستمتعاً كثيراً بالتجربة، خصوصاً أنها تعبير عن السينما الحرة بكل تجلياتها. صوّرت لـ15 يوماً، ثم عدت أدراجي إلى فرنسا حيث أعيش، وعرضت اللقطات على المولّف الذي اشتغل على مونتاج فيلمي «حراقة»، ووجدنا أن لدي فيلماً كاملاً من ساعة ونصف الساعة. لكنّ نتيجة الفيلم لم تعجبني ولم أكن راضياً عنه إطلاقاً، فالسينمائي يشعر ما إذا كان فيلمه ناقصاً أو كاملاً، قبل أن يشعر به أي أحد آخر. كان هذا في نهاية عام 2009، وكانت لديّ مشاريع أخرى أهتم بها. من هنا وضعت الفيلم جانباً وانهمكت في العمل للتلفزيون الفرنسي.

الربيع قبل الربيع
*- هل نفهم من هذا أن الربيع العربي كان بمثابة «الباعث» الذي أعاد فيلمك إلى الحياة؟
**- قبل الربيع العربي، دُعيت العام الماضي إلى الدورة الثانية من مهرجان الدوحة – تريبكا، وكان مبرمج الأفلام العربية في المهرجان شادي زين الدين سمع بالفيلم، فطلب مني أن أقدّم نسخة منه إلى صندوق دعم الأفلام. وبالفعل جئت مع فيلمي، وكان الجوّ غريباً في مكتب المنح، إذ لم أعرف مع من أتكلم أو من هو المسؤول، ومع هذا تركت نسخة من الفيلم، وقلت للموجودين: «سأترك هذه النسخة من أجل المنحة، ولكن لا تضيّعوها، فإن كنتم لا تريدون الفيلم أعيدوا النسخة إليّ». ثم ذهبت من دون ان أُعلّق آمالاً كبيرة، ونسيت الموضوع كلياً. وفي هذه الأثناء، انصرفت إلى أعمالي الأخرى، وصوّرت فيلمين للتلفزيون الفرنسي. الأول كوميدي خفيف، والثاني عن الحرب في الجزائر سيعرض العام المقبل. وفجأة، في أحد أيام تموز (يوليو) 2010، وردني اتصال من المهرجان، يُفيدني بأن «مؤسسة قطر للأفلام» ستمنحني مساعدة لإنهاء الفيلم. وهذا ما كنت طلبته بالضبط. بعد هذا الاتصال، أخذت «دي في دي» الفيلم، وشاهدته من جديد، وعلى الفور انتابني شعور بأنني أريد أن أرفض هذه المنحة، فعندما تكون القصة غير محبوكة جيداً، لا يسعك المضيّ قدماً في مشروعك. لكنّ منتجة الفيلم، كان لديها رأي آخر، وراحت تشجعني على ضرورة تنفيذه، معتبرة أن إجهاض الفيلم وعدم قبول مساعدة المهرجان، قد يقطعان الطريق أمام أي مساعدة أخرى لأفلامي في المستقبل. وبعد طول تفكير، طلبت منها التمهل، وعدم قبول المنحة على الفور، وقررت أن أتوجه إلى الجزائر، وأعرض الفيلم على الممثلين، لأتبين آراءهم فيه. وهكذا كان. عرضت الفيلم على الأبطال الذي لم يخفوا عدم رضاهم عنه. وعندها قررت أن أُعيد التصوير والانطلاق من الصفر. لكنّ أي إعادة لأحداث جرت في 2009، كانت ستُكبدنا مزيداً من الإنفاق، بما لا يمكن تحمّله. من هنا قررنا الانطلاق من الراهن، والنتيجة التي ترينها على الشاشة، ارتجلناها بفضل ذكاء الممثلين بعدما أعدت خلط الأوراق، إذ قررت أن أصوّر الصعوبات التي يواجهها السينمائي بعد إنجاز أفلامه من خلال شخصية رئيسة تلعب دوري كمخرج يجمع الممثلين معه ليعرف آراءهم في فيلم غير مكتمل. وهكذا وزّعت الأدوار. فهذا مخرج غير راضٍ عن فيلمه. وتلك كاتبة سيناريو تشاركه الحياة الزوجية من دون أن تتفق معه في آرائه العامة… إلخ.
كنا حينها في مطلع عام 2011، وكانت التظاهرات بدأت في الجزائر تزامناً مع ما كان يحدث في تونس ومصر. صوّرت المناقشات في جلسة واحدة من دون أن أدرك إلى أين سيأخذني الفيلم. وكان صعباً جداً على المصوّر أن يلاحق ذاك الذي يتكلم ويرصد في الوقت ذاته انطباعات الموجودين في الحلقة. وفي مكان ما، وجدت أن الممثلين لا يريدون أن يتكلموا عن الفيلم بمقدار ما يريدون التكلم عن الراهن وما يحدث من حولهم: الرقابة والانتماء الوطني ولماذا نخرج في تظاهرات ولماذا لا نخرج؟ وهكذا راح كل واحد من الممثلين يُدلي برأيه، وحتى الآن لا أدري ما إذا كان كل واحد منهم قال ما الذي يفكر فيه حقيقة أو أنه كان يمثل أمام الكاميرا؟ أنا تركتهم يتكلمون كما يريدون. وكانت النتيجة هذا الفيلم.

حوارات مرتجلة
*- إذاً، يمكن القول إن الحوارات في الجزء الذي يصوّر النقاشات بين الممثلين كانت مرتجلة، ولم توجهها إلى حيث تريد بالتركيز على خطاب سياسي وإهمال آخر؟
**- كان الخط الرئيسي للفيلم يتمحور حول ممثلين يلتقون في حلقة نقاش للحديث عن فيلمهم: مساوئه وإيجابياته. عندما رحت أصوّر النقاش، وجدت أن الممثلين لا يريدون أن يتكلموا عن الفيلم. ومع هذا لم أقطع التصوير، حتى إنه يمكنك ملاحظة أن اثنين منهم لم يتكلما طوال دقائق الفيلم، وهذا دليل على أنني لم أوزع الأدوار بينهم لقول هذا الخطاب أو ذاك. تركتهم على سجيتهم، ولم أتدخل أو أوجه أسئلة محددة لأسمع الإجابات التي أريدها. فمثلاً، المرأة التي تلعب دور الرقيب في الفيلم الأساس، فاجأتني بحماستها السياسية. أما نبيل الذي يجسد دور بطل الفيلم، فكانت لديه مواقف أخرى، وعبّر عنها صراحة. منذ البداية كان هاجسي أن أترك لهم حرية التعبير. وهذا، لا يعني أن الفيلم لا يلزمني بشيء، بل على العكس، هو يلزمني، طالما أنني صوّرته، لكنّ المهم في الأمر كله، هو كونه ينفتح على تناقضات الناس، مؤكداً واقع أن الجميع لا يتفقون على رؤية واحدة. ومن دون أي تدخل مني، تحوّل الحديث ناحية التظاهرات، فالناس في الشارع، والعالم العربي يغلي. كان هناك جو يُنبئ بأن الأمور لن تعود إلى نصابها. وحاولت أن أصور كيف يفكر الناس بما يحدث من حولهم من حراك.

كيف تفسّر ميل الفيلم ناحية خطاب يرى أن التظاهرات في الجزائر لن تُفيد البلاد بشيء استناداً إلى تجارب قديمة، وتحديداً تظاهرات عام 1988؟
**- … ولكن هناك في الفيلم آراء أخرى، ويُمكن أن تلاحظي أن «ليلى»، مثلاً، تدافع بقوة عن حق النزول إلى الشارع. مرة أخرى أقول، لم أطلب من الممثلين أن يأخذوا هذا الموقف ويبتعدوا عن ذاك. الفكرة الأولى التي قادتني إلى هذا المشروع كانت الرقابة، فأنا كسينمائي ضقت ذرعاً بالرقابة بمختلف أشكالها. كل ما كان يجول في خاطري هو كيف أتكلم عن هذه الرقابة، وهذا أعترف به. أما الكلام في السياسة، فكنت أريد من خلاله أن أنقل تفكير عينة من المجتمع الجزائري. فمثلاً مشهد الشرفة حيث يلتقي الزوجان السينمائيان بشاب آتٍ من إحدى الحارات الشعبية، أردت منه أن يكشف ما الذي يدفع الشبان إلى التظاهر. كنت أعرف هذا الشاب جيداً، وهو ليس ممثلاً، من هنا سألته، هل أنت مستعد للوقوف أمام الكاميرا والإدلاء بما حدثتني عنه. وبالفعل استجاب، وهنا اخترعت هذا المشهد حيث يطرح عليه الثنائي الأسئلة وهو يخبرهما بمشاهداته وكيف كان الشبان يتجمعون ويخرجون للتظاهر. طلبت منهما أن يسألاه عن شارع القصبة الفقير، وهو بالمنـــاسبة شــارع تـــركي جميل جـــداً فـــي العاصمة، وعن رؤيته للاحتجاجات والديموقراطية ودور المرأة. كل ما قاله لم يكن مكتوباً، أو متفقاً عليه سلفاً. كما أن لا علاقة لي به. فما همّني في كلامه قوله إن التظاهرات السلمية التقليدية لم تعد تجذب الشارع الجزائري، وإن الاحتجاجات باتت تترجم في العنف. وهذا هو برأيي الخطر الأكبر في الجزائر. فنحن في مرحلة من العنف المباشر. كما أن الشبان وصلوا إلى طريق مسدود، وهناك شعور بأنهم فقدوا الأمل، خصوصاً أنهم ليسوا مسيّسين بل يتجهون أكثر فأكثر نحو الأصولية، ثم إن المشاكل تحاصرهم من كل حدب وصوب: مشاكل مخدرات، وعصابات يزداد عددها على طريقة الأفلام الأميركية. هناك حراك سلبي. لذا، أرى أن لكل بلد عربي خصوصيته، فما يحدث اليوم في سورية يختلف عما حدث في تونس أو مصر.

الخطوط الحمر
*- هل هذا ما أردت أن تقوله بالذات في فيلمك، أي أن الوضع في الجزائر لا يشبه ما يحدث في أي بلد عربي آخر؟
**- كلا، هذا ما توصلت إليه، وأنا أصوّر الفيلم، علماً أنه لم يكن هدفي على الإطلاق. فمثلاً، لو أعطى أحد الممثلين في الفيلم البلدان العربية كمثال، لما كنت اقتطعت كلامه. فنحن، في الجزائر، ومنذ عام 1988 لدينا صحافة تتكلم في كل شيء. ويمكن القول إنها صحافة حرّة بين مزدوجين لأن هناك حتماً خطوطاً حمراً لا يجوز الدنو منها. ولكن في المقابل، بإمكان الصحافة أن تتناول التظاهرات أو أن تقف في صف القذافي أو ضده، وهذا يأتي في سياق الجدال الذي يحدث في العالم العربي. وهذا ما أردت أن أصوّره في الفيلم، خصوصاً أنني كنت في منتصف هذا النـــقاش عند التصوير، فلو لم تندلع الثورات والتظاهرات في العالم العربي أثناء تصــوير فيلمي، لكان النقاش اتجه إلى مكان آخر، خصوصاً إلى الرقابة ودورها في مجتمعنا.
*- إذاً، عندما أخذت المساعدة من مهرجان الدوحة، لم تكن الثورات المحرّك الذي قادك لنسف فيلمك الأول وتصوير فيلم داخل فيلم؟
**- عندما أخذت المساعدة، قررت أنني سأصوّر شيئاً آخرَ، لأن الفيلم الأساس لم يعجبني. وبما أنه كذلك، فهذا يعني أنني سأقطع منه أجزاء كثيرة. وبما أنني لا أملك الإمكانات لإعادة تصوير أحداث جرت عام 2009، زمن الفيلم، قررت أن أتجه صوب فكرة تعبّر عن الراهن. ولو كنا في زمن مباريات كرة القدم، مثلاً، لكنت انجرفت إلى فكرة من وحي الأجواء. ولا أخفي أنني حين صعدت في الطائرة متوجهاً إلى الجزائر، لم أكن أدرك إلى أين سيذهب الفيلم. من هنا كان عملي استثنائياً. وقد أحببته كثيراً لأنه قادني إلى سنوات شبابي ومدرسة السينما والأسئلة حول كيفية صنع الأفلام. تعرفين، أنا عاصرت حقبة سينما الكاميرا المحمولة والسينمائيين التسجيليين الكنديين ومرحلة الأفلام الوثائقية وسينما الواقع وسينما القلم cinema stylo، لذا قلت في نفسي سأصنع فيلماً حراً من كل القيود.
*- ألا يخدم فيلمك في مكان ما الحكومة الجزائرية، خصوصاً في ما يتعلق بهامش الحرية الكبير الذي يكشف وجوده الفيلم؟
**- لست في عقل الحكومة لأعرف كيف تفكر.
*- ولكن عندما يسمحون لكم بمعالجة هكذا مواضيع…
**- لم يسمح لي أحد بمعالجة هذا الموضوع، فأنا صنعت الفيلم من دون أخذ موافقة أحد. هم كانوا يعرفون أنني سأقدمه في قطر، ولم يعترض أحد على ذلك. لذا أتمنى، وبفضل هذه الجائزة التي نلتها في المهرجان، أن نتمكن من عرض الفيلم في الجزائر. فما أتكلم عنه في الفيلم هو أننا وصلنا اليوم إلى مرحلة باتت فيها الرقابة مضحكة، إذ تجاوزها الزمن. فمثلاً، فيلم «حراقة» حاولنا جاهدين أن نعرضه ولو في صالتين في الجزائر، لكنه اليوم موجود في كل مكان من طريق الـ «دي في دي». حتى إن افلامي التي صوّرتها في فرنسا، ولم تعرض في الجزائر، تابعها الناس من طريق الفضائيات الفرنسية التي تصل إلى كل البيوت الجزائرية. في الواقع، لا يستطيع أحد بعد اليوم أن يوقف الصورة. لكنّ الخطر الأكبر هو مصادرة هذه الصورة من خلال الرقابة الذاتية.
في فيلمي لا أتكلم عن السياسة فحسب. هناك أيضاً المشاكل التي تواجه السينمائيين، ومنها مشكلة القبلة التي أضحت مثار جدل في السينما العربية. ولم يكن اختياري هذا الموضوع من قبيل الصدفة. فعندما كنت أصوّر فيلم «حراقة» رفض أحد الممثلين أن ينفذ مشهداً فيه قبلة. ثم خرج على شاشات التلفزيون وقال إنه ممثل ملتزم ولا يرضى بالتقبيل على الشاشة، ما أثار احتجاجات من حولي. هناك أيضاً هذه المشكلة في نمط التفكير، ويتجلى هذا في مشهد حلقة النقاش حين تنتفض زوجة الممثل على زوجها لأنه قبّل إحدى الممثلات في الفيلم الذي يناقشونه. كان هذا المشهد ارتجالياً، حتى إن المصور لم يستطع أن يتابع الممثلة ليصوّر رد فعلها كما يجب. وفي الحقيقة، جميع الممثلين كانوا جيدين. وقد استمتعنا في تصوير هذا الفيلم الصغير الذي يمكن أن يُنظر إليه كيفما كان، فالسينما لا تصنع الثورات.
*- السينما لا تصنع الثورات؟
– لا، قد تسير بموازاة الثورات لكنها لا تصنعها. وفي الواقع، كانت لي نقاشات كثيرة هنا في المهرجان، واكتشفت أن شباناً كثراً يحققون أفلاماً عن الواقع الراهن في المجتمعات العربية. ويبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد موجة أفلام حول الثورة. وهذا أمر جيد. فإن خرجنا من مرحلة أفلام ترتكز على البروباغندا إلى مرحلة أفلام بروباغندا معاكسة، سيكون هذا جيداً، إن أدى إلى نقاشات وأفكار مهمة.
*- ماذا يعني لك أن يكون فيلمك أول فيلم روائي طويل يُعرض في المهرجانات عن الحراك في العالم العربي؟
**- لا أظن ذلك، أعتقد أن هناك أفلاماً أخرى سبقته.
*- على صعيد الأفلام الوثائقية، هناك أفلام كثيرة سبقت «نورمال»، أما في السينما الروائية الطويلة، (وإذا استثنينا فيلم «18 يوم»، بما أنه عبارة عن 10 أفلام روائية قصيرة، جمعت في فيلم واحد)، فإن فيلمك يصبح أول فيلم روائي طويل عُرض  عن الثورة؟
**- (يقول ضاحكاً) كان عليهم أن يسرعوا أكثر.
*- أين تصنف فيلمك بين السينما الروائية أو السينما الروائية – الوثائقية؟
**-  يبدو الفيلم أنه ينتمي إلى السينما الروائية – الوثائقية، لكنه ليس كذلك، لأن جميع المشتركين فيه يعرفون أنهم يمثلون أمام الكاميرا. هم ليسوا مارّة، تصادفينهم في الشارع، وتسألينهم آراءهم، حتى الشاب الذي جاء من خارج الفيلم، أعاد لقطته ثلاث مرات.
*- كيف تفسّر ميل أفلامك الروائية نحو الجانب الوثائقي؟
**- أحب هذا النمط من الأفلام، كما أحب أن أصوّر من دون سيناريو أو إضاءة أو فريق عمل كبيراً. «نورمال» فيلم حر بكل ما للكلمة من معنى. حتى موازنته بسيطة جداً. ولا أبالغ إن قلت إننا أثناء تصويره كنا كمن يلعب في السينما.