مؤتمر صحافي حاشد في بيروت يطالب بإلغاء الرقابة على الأعمال الفنية

تزامن مع منع كلي لعرض فيلم “بيروت بالليل” لدانيال عربيد:
مؤتمر صحافي حاشد في بيروت يطالب بإلغاء الرقابة على الأعمال الفنية

بيروت “القدس العربي” – من زهرة مرعي:
يبدو أن الكيل الثقافي في لبنان قد طفح بالرقابة المسبقة على الأعمال الفنية من سينمائية ومسرحية وموسيقية وسواها، فقرر المعنيون بهذا الحظر رفع الصوت والاعتراض جماعياً. ففي السنوات القليلة الماضية شوهت العديد من الأفلام السينمائية قبل السماح لها بأن تعرض في لبنان، أو منع بعضها كلياً.
الصرخة التي دعت إليها مؤسسة مهارات ومجموعة مرصد الرقابة جاءت في مؤتمر صحفي حاشد عقد في صالة سينما متروبوليس في الأشرفية ظهر الخميس الماضي، وهي تزامنت مع منع كلي لعرض فيلم “بيروت بالليل” للمخرجة المثيرة للجدل دانيال عربيد، أو أن تقتطع منه ما يشوهه، وهذا ما رفضته، وقررت اللجوء للقضاء اللبناني. فيلم “بيروت بالليل” سبق ونال موافقة على السيناريو كإجراء معمول به في لبنان، وعندما عرض على الرقابة كشريط سنيمائي جاهز، قررت الرقابة بأنه مثير “للنعرات” كونه يذكر اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. وقد برر الأمن العام اللبناني هذا الإجراء بأن المخرجة أضافت خلال التصوير ما هو خارج عن السيناريو الذي نالت الموافقة عليه!
بالعودة إلى المؤتمر الصحافي فهو كان مخصصاً لإطلاق مسودة “قانون حرية الأعمال السينمائية والأعمال المصورة” ودراسة “أعمال الرقابة قانوناً”. إلى كلمة المحامي نزار صاغية الذي تحدث عن أهداف قانون الرقابة الحالي ومغالطاته القانونية، بدأ المؤتمر الصحفي بكلمة للصحفي والناقد بيار أبي صعب. نوه أبي صعب برياح الحرية التي أسبغها الربيع العربي على المنطقة رغم هشاشته. وحده لبنان “عرف في السنوات الأربع الأخيرة تراجعاً مزعجاً ومخجلاً على صعيد السينما وتمثلت بمنع العديد من الأفلام أو تعريضها للقص وآخرها فيلم “بيروت بالليل”. ورأى بأن زعماء الطوائف في لبنان ومن خلفهم الدولة يتصرفون وكأن الشعب قاصر ولا يعرف أن يختار فيلماً ليشاهده. وطالب بقانون عصري يتعاطى مع الموضوع الثقافي بعيداً عن تلك الموروثة من السلطنة العثمانية وعصر الانتداب.
في الكلمة التالية تحدثت الممثلة حنان الحاج علي ممثلة مسرح دوار الشمس ومجموعة مرصد الرقابة مشيرة بأن الأخيرة تهدف لقانون مدني طوعي مستقل، بحيث يكون في لبنان منظومة تشريعية قانونية وبالتالي يكون ميزان العدل في خدمة حرية التعبير.
وفي تاريخ مجموعة مرصد الرقابة أنها بدأت منذ حوالي السنتين بعد تفاقم تعديات الرقابة في مجالات السينما والمسرح ومواقع النشر الإلكتروني. وأوضحت بأن مرصد عهدت لمكتب المحامي نزار صاغية بدراسة ووضع مشروع قانون عصري للأعمال الفنية. ودعت حنان الحاج علي لتوسيع دائرة النقاش حول مسودة القانون بهدف تسجيله ومن ثم إقراره في مجلس النواب.
باسم جمعية مهارات تحدثت رئيستها ألين فرح مؤكدة أن حرية الرأي لا تنمو إلا في أحضان الحرية لا الأحكام المسبقة على الأعمال الفنية بل اللاحقة. ونوهت بأن مؤسسة مهارات هي جمعية تعنى بتعزيز حرية الرأي والتعبير. وكانت قد بادرت العام الماضي إلى تسجيل اقتراح قانون يرمي إلى تعديل قانون الإعلام في لبنان، وأحبت أن تضم جهودها إلى جهود مجموعة مرصد وكل الراغبين، لإطلاق النقاش حول أهمية إلغاء الرقابة المسبقة في لبنان.
وعبرت عن مفاجأة سجلت إثناء النقاش حول قانون الرقابة، والتي تمثلت بوجود من ينادي بضرورة وجود رقيب “حتى ما تفلت الأمور”؟ وأكدت وقوفها وجمعيتها مع إلغاء الرقابة المسبقة وليقل القضاء كلمته “إذا نتج أي ضرر عن تداول أي أفكار بحرية”.
وقالت: إن أجمل ما في الحياة هو ما يثير الجدل ويثير زوبعة من الأفكار والمواقف والأحاسيس.. وأن أجمل ما في الفن والأدب والفكر الحر أنه يقول عنا أشياء قد لا تسمح لنا بيئتنا وموروثاتنا البوح بها.
وأكدت أخيراً أن إلغاء الرقابة المسبقة يحمل مسؤولية أكثر للفنانين والمسرحيين والسينمائيين وأصحاب الفكر الحر. فلا تخافوا الحرية فمنها تولد الحياة وتتجدد.
وفي تقديمه لمشروع القانون الرامي إلى إلغاء الرقابة المسبقة أوضح المحامي نزار صاغية بأنه ليس للرقابة سند قانوني. ووصفها بأنها تحمي أصحاب النفوذ وتمس بالحرية الشخصية والسياسية والأمن الإجتماعي. ووصف الأمن العام الذي يقوم بالرقابة المسبقة على الأعمال الفنية بأنه “يلعب الدور الذي لا تريد أن تلعبه الطبقة السياسية. وهدف الرقابة المسبقة حماية النظام، في حين كل الشعارات تقول بإسقاط النظام”.
وفي شأن الرقابة المسبقة التي لا سند قانوني لها رأى صاغية بأن الأمن العام وزّع الأذونات المسبقة على كل من له نفوذ في منطقة التصوير السينمائي وقال: توزع هذا النفوذ وحسب الحاجة على المحافظ، الجيش، الأمن الداخلي، حرس السراي الحكومي، الحرس الحزبي كل في منطقته. وأشار بأن كل من يقدم على عمل سينمائي عليه أن يتعهد بعدم المس بأي حساسية دينية.
وخلص صاغية للقول بأن الرقابة المسبقة “أسهمت بحماية النظام، فيما المشروع الجديد لا يستدعي طلب الإذن سوى في حال قطع الطريق”. وقال بأن الأمن العام بات يحتوي على مطابخ داخلية فإذا تناول فيلم الجيش يجب الحصول على موافقة من الجيش، وإذا تناول ديناً أو طائفة معينة يجب الحصول على إذن وتصريح من هذه الطائفة.
مشروع قانون إلغاء الرقابة المسبقة أو “قانون حرية الأعمال السينمائية والأعمال المصورة” يتألف من 13 فصلاً وفي أسبابه الموجبة أنه “يهدف إلى تكريس حرية الإنتاج والعرض، لما لهذه الحرية من انعكاسات هامة على صعيدي زيادة الإنتاج وتعزيز التخاطب الاجتماعي في القضايا العامة.