قبضة حديدية بين السلطة والصحافة الخاصة في الجزائر

إعلاميون يتهمون السرايا بتفصيل قانون جديد على المقاس
قبضة حديدية بين السلطة والصحافة الخاصة في الجزائر

"إيلاف": كامل الشيرازي من الجزائر
تتجه الأوضاع بين السلطتين الأولى والرابعة في الجزائر إلى التوتر، على خلفية إصدار قانون جديد للإعلام، يراه المسؤولون ضابطًا لقطاع ظلّ يشكّل صداعًا لدوائر القرار، فيما يتهّم ناشطو الصحافة الأوصياء بالسعي إلى تحجيم حرياتهم، من خلال نصّ جرى إعداده من دون إشراك رجالات المهنة.

الجزائر: على وقع راهن إعلامي أسود، تعرّض معه صحافيو 4 جرائد محلية إلى سيل من المضايقات والطرد التعسفي، أثار مشروع القانون العضوي للإعلام، الذي يتأهّب نواب الجمعية الوطنية (البرلمان) لتزكيته بالإجماع (كالعادة) هذا الأربعاء، معارضة قوية من ممارسي مهنة المتاعب في الجزائر، حتى وإن كان "رياض بوخدشة" الناشط في المبادرة الوطنية من أجل كرامة الصحافيين، مقتنع بأنّ وجود قانون يُطبّق، أفضل من حالة الفراغ، التي حكمت القطاع منذ أكثر من عشريتين، بفعل إبقاء القانون السابق مدفوناً في أدراج وزارة الاتصال من دون تطبيق.
لكن بوخدشة في حديثه لـ"إيلاف"، يرفض أن يكون ما تقدّم، مبرراً لانفراد وزارة الاتصال بتقديم مشروع قانون جديد، خيّب الآمال، ولم يستجب إلى انشغالات الصحافيين، مثلما قال، إلى جانب تكريسه تراجعات عن مكتسبات القانون السابق، سيما في مجال الحريات، في حين كان من الأحرى توخّي المزيد من المرونة مع الاحتفاظ بتقييدات.
ويُعدّد الصحافيون جملة مآخذ، يتصدرها ما انطوى عليه القانون إياه من غموض ومواد مبهمة، على حد تعبيرهم، ما سيمكّن السلطة – يضيف هؤلاء – من تفسيرها وتطبيقها على النحو الذي تريد.
في هذا الشأن، يركّز بوخدشة على أنّ المشروع لم يحدد مفهوم جنحة العمل الصحافي، ولم يوضح المقصود بـ"السرّ القضائي"، وغيرها من الإجراءات، التي تجعل الصحافي يمارس الرقابة الذاتية "المفرطة" على كتاباته، خاصة وأنّ المشروع المثير للجدل في نسخته الحكومية، أبقى على عقوبة تغريم الصحافي بمبالغ ضخمة تصل إلى 500 ألف دينار (ما يعادل 4 آلاف يورو في بلد يبلغ متوسط رواتب الصحافيين فيه 200 يورو).
ينتقد بوخدشة "تعامي" القانون عن الصحافيين الأحرار غير المنتمين إلى عناوين قارة، تمامًا مثل تجاهله مراسلي الصحف المحلية، الذين يعتبرهم ملاّك الجرائد هناك "صحافيين من الدرجة الثانية"، ويجري استغلالهم بشكل بشع ويتم حرمانهم من أي حقوق.
بدوره، لا يستسيغ كمال عمارني الأمين العام لنقابة الصحافيين، منح القانون عينه صلاحية إنشاء سلطة ضبط إلى الحكومة، مع أنّ ذلك يجب أن ينبع بشكل تام وحصري من الصحافيين، بعيدًا عن أي تدخل فوقي، ولا يستسيغ محدثنا كذلك عدم تطرق القانون إلى حماية المصادر، خلافًا لما تضمنه قانون 90/07.
يقحم عمارني انتهاك المادة 90 من القانون للحياة الخاصة للصحافيين، داعيًا إلى مراجعتها: حتى لا تستعمل كذريعة لإهانة الصحافيين والتنكيل بهم، في وقت جرى هضم الحق النقابي للصحافيين بـ"شكل مخز" على حد وصفه، ما يفرض التدارك في بلد يقترف فيه بعض أصحاب الصحف تجاوزات مشينة ضدّ المهنيين.
إذا كانت الجزائر أعلنت رسميًا قبل ثلاثة أشهر عن فتح قنوات تلفزيونية وإذاعية خاصة، فإنّ القانون لم يشر إلى ذلك سوى بعبارات غامضة وعامة، فيما يشير رياض بوخدشة إلى أنّ القانون الذي تحدث عن حق المواطن في الإعلام، لم يلزم الإدارات والمؤسسات الرسمية بالامتثال لحق الصحافي في الوصول إلى المعلومة، وسط واقع بائس، تتصدق فيه الهيئات الحكومية على الصحافيين بالأخبار التي تفيدها، وتتحاشى كشف كل الحقائق.
يتفق جمهور الإعلاميين على أنّ العيب الأساس في هذا القانون، عائد إلى إعداده على ضوء خروقات حصلت منذ سنة 1990. في هذا الصدد، يسجل بوخدشة أنّ محذور التجارة في العناوين ما كان ليحدث لو لم يتم خرق المادة 14 من القانون السابق، وهو بند كان يسمح لأي صحافي بإنشاء جريدة، فور حصوله على تصريح من أحد وكلاء الجمهورية، لكنّ تعديلاً جديدًا نصّ على تحصيل "اعتماد"، وهي خطوة قد تخضع لأهواء الإدارة والجهات الوصية.
ولم يشتمل القانون – بحسب منتقديه – إلى بند يمنح الصحافي مكانته الحقيقية، ويخلّصه من مستنقع، صار فيه موظفًا مسطّحًا، يلهث وراء قانون أساسي، فيما اغتنى مالكو الجرائد بشكل فاحش على حساب فاعلي المهنة الحقيقيين.

وزير: المشروع إيجابي ويضمن الحريات 
على طرف نقيض، يلّح وزير الاتصال الجزائري ناصر مهل على أنّ القانون المستحدث يعدّ "تقدمًا"، ويعكس التزام حكومة بلاده باحترام حرية التعبير، مبرزًا أنّ النصّ يضمن حماية أفضل للصحافيين مهنيًا واجتماعيًا.
وردًا على من وصفهم بـ"المشككين المحترفين الدائمين"، يقول المسؤول الأول عن قطاع الاتصال في الجزائر، إنّ الدفاع عن حرية الصحافة ليس حكرًا على البعض وممنوعًا على الآخرين، مؤكدًا على استقلالية سلطة الضبط، حيث يكفل القانون بمنظوره، حق الصحافيين في انتخاب ممثليهم ديمقراطيًا في الهيئة المذكورة، فضلاً عن المجلس الأعلى للصحافة، موضحًا أنه لن يزكّي أبدًا نصًا لا يخدم الصحافيين، ويثمّن الوزير إلغاء القانون عقوبات السجن في حق الصحافيين، وتقليص عدد الجنح من 24 إلى 11.
إزاء تحفظ المهنيين على العراقيل، التي تحول بينهم وبين الوصول إلى الخبر، تعهّد ناصر مهل بتسهيل العمل الإعلامي، وتقديم الدعم المعنوي إلى الصحافيين، مستدلاً برصد 400 مليون دينار لإعادة تأهيل الإعلاميين، وتمكينهم من نظام أساسي، يحدد مختلف فئات الصحافيين، ويحدّ من ظواهر مستشرية، كعدم استفادة الصحافيين من التأمين ومنحهم أجورًا زهيدة.

اعتصام والتماس تدخل بوتفليقة 
إلى ذلك، قرّر الصحافيون تنظيم اعتصام احتجاجي أمام مبنى البرلمان صباح الأربعاء الرابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، بالتزامن مع مصادقة النواب على القانون إياه، وينوّه رياض بوخدشة بأنّ الوقفة ستكون مناسبة لإعلان رفض الصحافيين واستنكارهم لوزارة تتنصل من مسؤوليتها في تنظيم القطاع الخاص، رغم استيعاب الأخير لـ60 % من الصحافيين، وإسهامه في صنع الرأي العام الوطني بنسبة 90 %، وأخذه حصة 50 % من الإعلانات العمومية.  
ويعتزم الصحافيون الغاضبون رفع رسالة في الأيام المقبلة إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لإطلاعه على الواقع المذري للصحافيين الجزائريين، والتماس تدخل أعلى سلطة في البلد لإنقاذ الممارسة الإعلامية من وحل الرداءة المهيمنة حاليًا.
ويطالب القانوني مسعود شيهوب بتحرير الصحافيين من الضغوط، وتخفيف الغرامات التي حلت محلّ العقوبات السالبة للحرية، بينما جزم صالح نور بانتفاء الفرق بين عقوبة السجن وغرامة لن يستطيع الصحافي دفعها، داعيًا إلى إعطاء الإعلام مكانته اللائقة، طالما أنّ "لا ديمقراطية من دون إعلام متعدد حرّ ونزيه، مراقب للسلطات الثلاث".

اضطهاد الصحافيين: مأساة إلى اتساع  
في تطور مقلق، شهدت الفترة الأخيرة في الجزائر تفاقم مظاهر التعسف المرتكبة ضد الصحافيين، وهي ممارسات برزت على مستوى أربع صحف محلية، وكانت أفدحها الطرد الجماعي لعشرات الصحافيين، مقابل تساؤلات عن صمت السلطات وعدم حمايتها للصحافيين المذكورين.
كمثال حي على الغبن، الذي يعانيه رجال مهنة المتاعب، تبرز حالة الصحافي محمد دلومي، الذي يقول في شهادته لـ"إيلاف"، إنّه دفع ثمن مواقفه ورفضه التعاطي مع الرداءة والامتهان، ورفضه تحويل الصحيفة إلى "إدارة بيروقراطية"، وكان نصيبه الطرد وحرمانه من الحقوق، باستخدام القوة العمومية.
وإذ تساءل دلومي في رسالة مفتوحة بعث بها إلى مدير الأمن الجزائري عبد الغني هامل عمّا إذا كان من حق الشرطة طرد الصحافيين من مقر عملهم، يشير إلى أنّه عاد إلى العمل  لمدة أسبوع، لكنه استقال مع جميع محرري القسم السياسي احتجاجًا على ما أسماها "تصرفات إدارية غير لائقة".
ينفي محدثنا أن يكون تلقى اتصالاً من مسؤول القطاع، لافتًا إلى أنّه لا ينتظر شيئًا من الأوصياء، سيما مع تأكيد وزير الاتصال أنه وزير على القطاع العام، وليس الخاص، متهمًا النقابات بخدمة مصالحها، والمتاجرة بمشاكل الصحافيين، ما يجعل "وجودها كعدمه" على حد قوله.
وفي تحليله لما يحصل، يرى رياض بوخدشة أنّ سبب تطاول بعض الناشرين على الصحافيين وتعمّد إهانتهم، وارتكاب تعسف وتجاوزات خطرة بحقوقهم، إنما مرده إلى غياب قوانين رادعة لسلوكيات كهذه، لذلك سيطرح الإعلاميون سقفًا مطلبيًا أعلى، وكإجراء استعجالي، يجري التنسيق مع رجال القانون لاسترداد اعتبار الصحافيين "المضطهدين".