قانون الإعلام الجديد في الجزائر ينعى الثقة بين السلطة والصحافيين

صادق البرلمان الجزائري أخيراً على مشروع قانون الإعلام الذي تعتبره الحكومة الجزائرية «قفزة نوعية إلى الأمام». وكان عدد من الصحافيين تجمعوا في يوم التصديق على القانون أمام البرلمان للتعبير عن اعتراضهم على المشروع، ولحض نواب الشعب على رفض عدد من المواد التي ينص عليها القانون، خصوصاً تلك المتعلقة بتغريم الصحافي عند ارتكابه «جرم القذف».

لكن المتوقّع… وقع، وصادق غالبية النواب على 100 مادة تضمنها مشروع قانون الإعلام في نصف يوم، ما عمّق الهوة بين السلطة وأهل المهنة، الذين أضيف إلى همومهم هم لجام جديد لحريتهم يسمى قانون الإعلام. «لم يكن الصحافيون ولا الصحافة في الجزائر بحاجة إلى قانون إعلام جديد، وإنما كنا بحاجة إلى تفعيل القانون القديم الذي نعتبره أحسن نص صدر لتنظيم المهنة منذ الاستقلال»، يقول كمال عمارني، رئيس النقابة الوطنية للصحافيين، معتبراً أن نص القانون الجديد يتضمن الكثير من القيود ولا يرقى إلى طموح أبناء المهنة.

وكانت مجموعة «المبادرة الوطنية من أجل كرامة الصحافي»، التي نظمت تجمعات عدة خلال العام المنصرم للاحتجاج على الحال المتردية التي باتت عليها المهنة وللاعتراض على ترتيبات القانون الجديد قبل المصادقة عليه، عبّرت عن «خيبة أمل كبيرة» من مضمون القانون الجديد، خصوصاً في ما يتعلق بحماية المهنة وترقيتها والاستجابة لتطلعات الصحافيين، مسجلة «تخلي وزارة الاتصال عن وعودها وعدم التزامها بما تعهدت به من استجابة للمطالب المهنية والاجتماعية التي رفعتها المبادرة».

هذه الأخيرة طالبت الوزارة أيضاً «بالتعجيل في وضع آلية قانونية لتطبيق شبكة أجور الصحافيين في القطاعين العام والخاص والتكفل بمشاكلهم الاجتماعية، وفي صدارتها السكن، مستنكرة تملصها من تنظيم القطاع الخاص». وبرزت خلال العام الماضي مشاكل عدة أدت إلى توقف صحافيي عدد من الجرائد عن العمل وطرد بعضهم، وكانت محط تنديد الجمعيات ونقابة الصحافيين، إذ أعلنت «المبادرة الوطنية من أجل كرامة الصحافي» تضامنها مع صحافيي صحف «الأحداث» و «الحياة» (الجزائرية) و «الأمة العربية» وكل الصحافيين الذين يعانون من ضغوطات وتعسف في الوسط المهني».

ويرى كثيرون من الصحافيين أن القانون الجديد عاد بالمهنة إلى الوراء، ووصفوه بأنه «يتراجع عن المكاسب التي جاء بها قانون الإعلام لعام 1990»، وفسروا إصرار السلطة على مراجعة القانون بسعيها إلى استدراك ما سحبه القانون القديم منها، فها هو الإعلام المرئي والمسموع حُرّر، لكن «حريته مكبلة»، فقد استعادت الحكومة بالقانون الجديد «سلطتها» على الإعلام المرئي والمسموع الثقيل بعدما عقّدت من إجراءات الترخيص لفتح قناة إذاعية أو تلفزيونية أو حتى جريدة وتقرير غرامة تساوي خمسين مليون سنتيم (نحو 5000 يورو) على الصحافي الذي يدان «بجرم» القذف (وهو مبلغ يساوي نحو 20 مرة متوسط أجر الصحافي)، ما جعل ممثل «حركة النهضة الإسلامية» في البرلمان يقول في تعليقه على مشروع القانون عند عرضه على المصادقة: «ألا يكفيكم الشرطة والدرك، لتجعلوا من المطابع رقيباً آخر على الصحافة».

إلى ذلك، وعد وزير الإعلام والاتصال الجزائري ناصر مهل بتطبيق سلسلة الأجور الجديدة ابتداء من مطلع العام الجاري، وهي سلسلة خاصة بصحافيي القطاع العام، والتي مازالت المفاوضات جارية في شأنها مع الشريك الاجتماعي. وأفادت مصادر بأن الأجور الجديدة «لائقة» وتضمن للصحافي عيشاً كريماً.

لكن ضغوطاً يمارسها عدد من أصحاب الصحف الخاصة تهدف إلى خفض سلسلة الأجور حتى لا يضطرون إلى دفعها إلى الصحافيين العاملين في صحفهم، والذين لن يرضوا بأقل من أجور زملائهم، خصوصاً أن الغضب آخذ بالتنامي بينهم بسبب تردي أوضاعهم المهنية والاجتماعية وتزايد الشكاوى في شأن تعسف أصحاب الصحف. وتفسر هذه الظروف توقع كثيرون من الصحافيين أن يكون العام الجديد «عاماً حافلاً بالاحتجاجات»، خصوصاً في القطاع الخاص.