السينما اللبنانيّة تواجه خريف القمع والمنع في عزّ الربيع العربيّ

السينما اللبنانيّة تواجه خريف القمع والمنع في عزّ الربيع العربيّ
لبنان المدني يطالب بكفّ يد الرقيب بقانون

"إيلاف": فيرونيك أبو غزاله
 
موضوع الرقابة ما زال جدلياً في لبنان
شهد لبنان مؤخرًا تقييدًا متزايدًا للحريّات، من خلال التدخل المستمر للرقابة بالأفلام التي تٌعرَض في دور السينما، كان أبرزها حذف مشهد كامل من فيلم "شارع هوفلان" بذريعة أنّ هذا المشهد يمسّ بالعلاقات مع دول شقيقة للبنان، وإدراج فيلم "Beirut Hotel" للمخرجة دانيال عربيد على لائحة الأفلام الممنوعة، لأنّه "يعرّض أمن لبنان للخطر"، سلسلة من الأحداث حرّكت الجمعيات المدنية المُدافعة عن حرية الرأي والتعبير لإطلاق مسودة "قانون حرية الأعمال السينمائية".

بيروت: "لا للرقابة المُسبقة" شعارٌ كان الحاضر الأبرز أمس في اللقاء الذي نظّمته مؤسسة "مهارات" و"مجموعة مرصد الرقابة"، وهما منظّمتان مدنيّتان لبنانيتان، بهدف إطلاق مسودة القانون الذي يُعوَّل عليه لإلغاء الرقابة المسبقة على الأعمال السينمائية.
لم تسلك المنظّمتان المسار التقليديّ عبر الحصول على توقيع نائب أو أكثر من البرلمان على مسودة القانون بهدف تسجيله في المجلس النيابيّ وتحويله الى المناقشة لدى اللجان النيابية، إنما تمثّل الهدف الأساسيّ بإطلاق نقاش عام حول واقع الرقابة في لبنان وضرورة وضع تشريعات ملائمة تكرّس حرية الاعمال السينمائية.
وهذه المسودة استندت في موادها إلى دراسة "أعمال الرقابة قانوناً" والتي أعدّها المحامي نزار صاغية بالتعاون مع نائلة جعجع ورنى صاغية، بهدف تقديم مستندات واضحة حول عمل الرقابة والمعايير التي يتمّ اعتمادها للاقتطاع من الأفلام. وقد انطلق النقاش فعلاً أمس بين المنتجين والممثلّين والمنظّمات المدنية للضغط على السلطات لإيقاف عمليات القصّ من الأفلام التي تحمل رسائل الى المجتمع اللبنانيّ يريد إيصالها المنتجون والمخرجون.
 
تحقيق التشريع عبر النقاش
وفي حديث لـ "إيلاف"، أكدّت المديرة التنفيذية لجمعية "مهارات" رولا مخايل أنّ موضوع الرقابة ما زال جدليّاً في لبنان، وحتّى خلال المناقشة بين الجمعيات المدنية المنضوية في إطار "مرصد الرقابة"، كان هناك آراء مساندة لمسودة القانون وأخرى معارضة لها، إلا أنّ الحلّ هو في فتح باب النقاش أمام جميع المواطنين للتشارك بهدف الوصول الى تحديد التشريعات الملائمة.
وتضيف مخايل أنّ إلغاء الرقابة المسبقة يزيد من المسؤولية التي تترّتب على المنتجين والممثلّين والمخرجين، وبالتالي يكون كلّ شخص مسؤولا عن الأعمال التي يقدّمها إلى الجمهور. كما تشير إلى أنّ خطوة إطلاق المسودة تهدف الى إطلاع الرأي العام على التعديلات التي لا بدّ من إدخالها الى القانون الحاليّ، ليتمّ بعدها فتح باب النقاش مع النوّاب في البرلمان ليكون هناك تبنّ للمسودة بهدف تسجيلها لدى المجلس النيابيّ.
 
مثقفون في وجه الرقابة
بصوت الصحافيّ والناقد الثقافيّ بيار أبي صعب، انطلق المؤتمر ليحمل "نسمة حرية" من أجواء الربيع العربيّ الى لبنان بعدما ارتفعت الأخطار المحدقة بحرية الرأي والتعبير خلال السنوات الأخيرة، على حدّ قول أبي صعب.
وشدّد الصحافيّ على أنّ مسودة القانون الجديدة لا تأتي لمهاجمة جهاز الرقابة في الأمن العام أبداً، إنما هي تُعبّر عن أفكار كتلة مدنية تسعى الى تطوير المجتمع فكرياً وقانونياً. وخصّ أبي صعب فيلم "ليل بيروت-Beirut Hotel " في كلامه، وقد غابت عن المؤتمر المخرجة دانيال عربيد بداعي السفر فيما حضرت المنتجة سابين صيداوي، إذ رأى الناقد الصحافيّ أنّ الفيلم يجب أن يُعرَض كما هو ودون أي تغييرات وفي حال استمرار قرار المنع لا بدّ لمنتجي الفيلم والمخرجة أن يسلكوا طريق القضاء القادر وحده على البتّ في المسألة.
أمّا الفنّانة والباحثة حنان الحاج علي فكانت لها مواقف حادة في مواجهة أعمال الرقابة على الأعمال السينمائية التي تجري حالياً، حيث أكدت في كلمة باسم "مرصد الرقابة" أنّ الأمن العام يمارس سلطته بشكل غير قانونيّ، وبالتالي فهناك قمع عشوائي للمواهب الفنيّة. ووضعت الحاج علي التحرّك المطلبيّ في إطار إعادة النظر في بعض المسلّمات في المجتمع اللبنانيّ خصوصاً في ما يرتبط بقوانين الرقابة.
كما كان لكلمة الصحافية ومديرة المشاريع في مؤسسة "مهارات"، ألين فرح، صدى كبير بعدما أكدت أنّ هناك أعمالا فنيّة وأدبية وسينمائية مثيرة للجدل، لكن لبنان يحتاج الى قضايا مثيرة للجدل وجريئة لتحطّم "التابوات" والموروثات.
الكلمة الأخيرة كانت للمحامي نزار صاغية الذي يعتبر حرية الرأي والتعبير قضية لا بدّ أن يدافع عنها كلّ شخص مهما كان موقعه. فقد أشار صاغية الى أنّ المعركة ليست إعلامية فقط إنما هناك معركتان قانونية وقضائية، وأنّ الرقابة المُسبقة ليست قانونية في أي شكل من الأشكال، كما أنّ الرقابة اللاحقة التي تُمارس اليوم لا تتمّ بالصيغة القانونية الصحيحة. وأكثر ما شدّد عليه صاغية هو ضرورة أنّ يبادر المنتج والمخرج لأي فيلم يتعرّض للتقطيع أو المنع الى اللجوء الى القضاء وإقامة دعوى، بدل أن يحاول كلّ فرد في عالم السينما إرضاء الرقابة في الامن العام على حساب حرية الرأي والتعبير.
ومن النماذج التي كانت مطروحة بشكل لافت في المؤتمر هو فيلم "Beirut Hotel"، وقد أشارت المنتجة صيداوي الى أنّ لجنة الرقابة التي أصدرت قرارها القاضي بمنع الفيلم تألفت من ستة أشخاص كلّهم من موّظفي الدولة، وبالتالي فإنّ قرارهم لم يكن مستقلّاً حيث حاولوا أن يعملوا بما يناسب مصلحة النظام القائم.
وذلك في ما يرتبط بالمشاهد التي تتطّرق إلى اغتيال رئيس الوزراء اللبنانيّ الأسبق، رفيق الحريري، وكان مكتب شؤون الإعلام في مديرية الامن العام قد أوضح أنّه لم يصدر قرار "منع" لكنّه أكّد أنّه لا يمكن عرض الفيلم لأنّه يتضمّن "إشارة واضحة" الى اغتيال الحريري. وقد برز الرأي القانونيّ في هذا السياق للمحامي صاغية باعتباره أنّ هذه القضية سهلة جداً أمام القضاء، بما أنّ الرقابة المسبقة هي ممنوعة ما يعني أنّ الدور الذي تؤديه اللجنة هو لحماية الطبقة السياسية وليس بهدف الخدمة العامة.
 
مسودة القانون: تعديلات جذرية
وفي قراءة لـ"إيلاف" حول مسودة مشروع قانون حرية الأعمال السينمائية والاعمال المصوّرة، يتبيّن أنّ هناك تعديلات جذرية تمّ إدخالها الى القانون مقارنة بالجاري حالياً. فبموجب المشروع المُقترح (الفصل الثالث، المادة السادسة)، تنشأ هيئة إدارية مستقلّة تُدعى الهيئة المختصة بتصنيف الأعمال السينمائية والأعمال المصوّرة، وهي تتألف من رئيس وتسعة أعضاء كلّهم من التابعية اللبنانية تكون ولايتهم لمدّة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة.
وتحلّ الهيئة مكان المديرية العامة للأمن العام، لكنّ صلاحياتها محدّدة بحسب القانون كي لا يكون هناك تجاوزات، إذ إنّ مسؤوليتها الرئيسة بحسب المادة العاشرة من مسودة مشروع القانون أن تقبل التصاريح بعرض العمل السينمائيّ أو المصوّر وتصدر قراراً معلّلاً خلال أسبوعين من تاريخ إحالة الملف عليها فإمّا تكون الموافقة على العرض في الأماكن العامة دون التصنيف أو الموافقة على العرض في الأماكن العامة مع تصنيف الفيلم وفق الفئة العمرية.
وطرحت "إيلاف" تساؤلاً على المحامي صاغية حول إمكانية المحافظة على استقلالية الهيئة من نفوذ السلطات الرسمية وغيرها من الضغوطات. يجيب صاغية أنّ الهيئة المستقلة هي فكرة جديدة في لبنان ولكنّها جديرة بأن تُطّبق لتطوير العمل الرقابيّ على الأعمال السينمائية والمصوّرة.
ويرى صاغية أنّ الضمانة الأولى للهيئة هي اختيار الأعضاء بحسب معايير عالية جداً، إذ تحدّد المادة السابعة أنّ الهيئة يترأسها قاضٍ من الدرجة الثانية وما فوق، كما تتضمّن إختصاصياً في علم النفس وأصحاب إختصاص في الفنون الجميلة أو العلوم الإجتماعية وخبيرا في شؤون حماية الطفل وخبراء قانونيين. أمّا الضمانة الثانية فيحدّدها صاغية في التقرير السنويّ الذي لا بدّ أن تصدره الهيئة لكي يكون هناك مراقبة لأعمالها وصولاً الى الرقابة القضائية أي إمكانية الطعن بأحكامها ضمن مهل موجزة.
وبالإضافة الى تشكيل الهيئة، فإنّ مسودة مشروع القانون لا توجب إطلاقاً الإعلان عن محتوى العمل المُراد تصويره وهي نقطة إيجابية بالنسبة إلى المنتجين والمخرجين. كما لا تخضع حرية أخذ المشاهد لمبدأ التصريح المُسبق باستثناء بعض المواقع التي توضحها المسودة، وتمّ تنظيم اللجوء الى القضاء في حال رُفض الإذن وفق الأصول الموجزة منعاً لتحوير السلطة.
وكلّ هذه البنود رأى فيها معظم المشاركين في المؤتمر المدنيّ نقلة نوعية، من دون أن يعني ذلك أنّ باب النقاش حول الرقابة قد أغلق، إنما بالعكس تماماً فأمس كان المحطّة الأبرز لإطلاق هذا النقاش الذي لم تُصبح نهاياته واضحة المعالم بعد.