أطلقوا سراح الصحافي الإرتري جمال هُـمَّـد

طلقوا سراح الصحافي الإرتري جمال هُـمَّـد
محمد جميل أحمد

قامت سلطات الأمن السودانية باعتقال الصحافي والقاص الإرتري جمال عثمان هُمَّدْ الذي يقيم في الخرطوم في ظروف غامضة يوم 24 أكتوبر الجاري

 جمال همد الذي يعمل صحافيا معارضا للنظام الإرتري، ومشرفا على موقع المركز الإرتري للخدمات (عدوليس) تزامن اعتقاله مع زيارة الرئيس الإرتري أسياس أفورقي إلى الخرطوم، والأمير حمد بن خليفة أمير دولة قطر.
ويبدو واضحا من ملابسات الاعتقال أن ثمة علاقة ما بين تلك الزيارة وعملية الاعتقال، لا سيما وأن السلطات السودانية قامت بترحيل 300 من طالبي اللجوء الإرتريين بالسودان قبل أسبوع من زيارة الرئيس الإرتري في مخالفة صريحة لمواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان، حيث وقع السودان على تلك الاتفاقيات والتي بموجبها لا يحق له ترحيل طالبي اللجوء.
وكانت منظمة (مراسلون بلا حدود) قد أصدرت تقريرا تحت عنوان (خطر الترحيل الجبري لصحافي بعد 10 أيام على طرد 300 من الرعايا الإريتريين) حذرت فيه سلطات الخرطوم من خطر ترحيل جمال همد إلى أسمرا. وبحسب تقرير المنظمة فـ(إن الوضع الذي يواجهه جمال عثمان همد مقلق للغاية. فالصحافي محتجز سراً منذ ثلاثة أيام ونخشى ترحيله إلى وطنه إريتريا حيث وضع حرية الصحافة من الأكثر خطورة في العالم. ومن شأن عودته الجبرية إلى بلاده أن تحكم عليه بمصير لا يحتمل. لذا، نحث السلطات السودانية على عدم ترحيل جمال همد إلى إريتريا وندعو الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات دون تأخير للحؤول دون مثل هذه المأساة. يجب الإفراج عن جمال همد في أقرب وقت ممكن).
ويحذر تقرير المنظمة بخصوص خطر ترحيل الصحافي جمال همد إلى أسمرا على خلفية الحال السيئة جدا لأوضاع الصحفيين الإرتريين داخل إرتريا ؛ وبحسب تقرير منظمة مراسلون بلا حدود فقد تم (سجن 34 صحافياً في الوقت الحالي بسبب نشاطهم المهني ووفاة أربعة مراسلين منذ بداية السنة في سجون البلاد، تحتل إريتريا المرتبة الأخيرة من التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي أعدته المنظمة في العام 2010م)
وعلى ضوء هذا التقرير يصبح ترحيل جمال همد إلى أسمرا جريمة بحقه من قبل سلطات الخرطوم.
كما أصدرت منظمة (هيومن رايتس ووتش) تقريرا بعنوان : (السودان: يجب وقف عمليات ترحيل الإريتريين بدون إتاحة فحص طلبات اللجوء) عن وضع المرحلين الإرتريين وبحسب الناطق الرسمي لهيومن رايتس ووتش جيري سيمسون فإن  (السودان يُعيد جبراً الرجال والنساء والأطفال إلى مصير مؤكد هو الاحتجاز والإساءات في واحد من أكثر الأماكن قسوة في العالم. ليس للسلطات السودانية حجة ويجب أن تكف فوراً عن هذه الترحيلات).
ولأن جمال همد يمتلك الجنسية السودانية والإرترية في نفس الوقت، وبما أن الدستور السوداني يسمح بحيازة جنسيتين للمواطن السوداني فإن أي إجراء يتضمن ترحيل جمال همد إلى أسمرا سيكون انتهاكا لحقوق مواطن سوداني من قبل السلطات السودانية، وسيكون ذلك سابقة خطيرة في سجل النظام السوداني.
ظل جمال همد يمتهن الكتابة فقط دفاعا عن حقوق الإرتريين المشروعة ويهتم بقضاياهم العادلة بعيدا عن أي ممارسة للعنف أو مخلة بالأمن في السودان مما يعني بالضرورة أن قضية اعتقاله جاءت على خلفية الزيارة الأخيرة للرئيس الإرتري أسياس أفورقي.
وبالرغم من أن جمال همد كان يسجل حضورا يوميا لمقار الأمن بالخرطوم قبيل اعتقاله إلا أنه لم يعد إلى منزله في يوم الاثنين الموافق 24 أكوبر 2011م، كما أن هاتفه النقال ظل مغلقا الأمر الذي يفسر اختفائه بفعل احتجاز سلطات الأمن له
وفي ظل الأوضاع المتقلبة التي سادت علاقات السودان وإرتريا فإن ملف المعارضين السياسيين بين كل من البلدين خضع للكثير من التجاذبات كورقة ظل يلعب بها النظامان لتسوية أوضاع سياسية كانت متأزمة طوال عشرية التسعينات.
وحيال مثل هذه التذبذبات تقع الكثير من الترضيات بين النظامين، لكن الغريب في الأمر أن النظام الإرتري إذ لا يزال يحتفظ ببعض المعارضين السودانيين ضمن قواعد تلك اللعبة، ظل السودان بفعل الكثير من ضغوطه ومآزقه الداخلية عاجزا عن التعامل بطريقة إيجابية.
وفي حال الوضع القانوني لجمال همد من حيث ازدواج جنسيته السودانية والإرترية تصبح قضية ترحيله في إحدى شقيها قضية سودانية لاسيما وأن جمال ينتمي لقومية حدودية قلقة وذات حراك واسع بشرق السودان وإرتريا، كما أن الحراك الذي يشهده شرق السودان ضمن ملفاته الكثيرة والمحتقنة ستجعل لقضية ترحيله إلى أسمرا ردود أفعال سياسية واجتماعية في تلك الأوساط.
ولعل هذا مايفسر الحملة القوية التي قادها صحفيون وكتاب إرتريون وسودانيون عبر اتصالهم بالمنظمات الحقوقية العالمية كمنظمة (مراسلون بلا حدود)، ومنظمة (هيومن رايتس ووتش)، وعبر النشر في المواقع الإرترية والسودانية على الانترنت لاسيما موقع (سودانيز أون لاين) وموقع (سودان للجميع)، وموقع (النهضة) و (فرجت نت) الإرتريَيَن وغيرهما من المواقع الإرترية. ولمختلف هذه الحيثيات نأمل من سلطات الأمن السودانية الإفراج عن جمال همد ورفيقيه في اقرب وقت ؛ فجمال همد ليس مجرد صحافي فحسب بل هو أيضا قاص عبرت قصصه المبدعة عن قلق المكان والإنسان وأحزان اللجوء في القرن الأفريقي ؛ قرن الأوبئة والمجاعات والحروب… يكتب جمال في إحدى قصصه : (ماذا يحدث ؟ نموت والفاعل مجهول. تحاصرنا الأمراض والخمور البلدية ّ والفلسّ الذي شوه حياتنا، والمدينة التي استقبلتنا بحبات البوشار ورفع القبعات والزغاريد وأكاليل الغار، ترمينا الآن خلفها لتستقبل فاتحين جددا. ماذا يحدث ؟ على تالة (حزحز) تتجزأ الأسئلة وتزيد سطوتها… كان يرنو إلى المقابر، أسطح المنازل الزنكية الصدئة وانتشار القرميد المحدود. لماذا يلجأ إلى هذا المكان كلما ضاقت به المدينة وضاق بها ؟)
[email protected]