الإعلام المغربي يتحرر من وصاية الحكومة

في خطوة طال انتظارها، سيصبح للصحافيين المغاربة وللمرة الأولى «مجلس» خاص بهم يشرف ويدير شؤون ومتاعب مهنتهم بعيدا عن وصاية الحكومة الممثلة في وزارة الاتصال (الإعلام).

ففي 22 يونيو (حزيران) الحالي سيتوجه نحو 3500 صحافي مهني يمثلون مختلف المنابر الإعلامية من مرئية ومسموعة، وورقية، وصحافة إلكترونية إلى مكاتب التصويت لانتخاب أعضاء «المجلس الوطني للصحافة».

ويتألف هذا المجلس من 21 عضوا، 7 أعضاء يمثلون الصحافيين المهنيين، و7 يمثلون ناشري الصحف، و7 آخرين يمثلون المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، واتحاد كتاب المغرب، وناشر سابق تعينه هيئة الناشرين الأكثر تمثيلية، وصحافي شرفي تعينه نقابة الصحافيين الأكثر تمثيلية.

ويمثل الصحافيون العاملون في القنوات التلفزيونية العمومية ووكالة الأنباء الرسمية نسبة كبيرة جدا من الصحافيين الذين يحق لهم التصويت، وبالتالي فأصواتهم ستكون حاسمة في هذا الاستحقاق، وترجيح كفة اللائحة الفائزة من بين ثلاث لوائح وافقت عليها لجنة الإشراف على عملية انتخاب ممثلي الصحافيين المهنيين وناشري الصحف بالمجلس الوطني للصحافة قبل أسبوع، والتي يرأسها حسن منصف، القاضي المنتدب من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهي ثلاث لوائح بالنسبة لفئة الصحافيين المهنيين، هي لائحة «حرية مهنية ونزاهة»، وتمثل النقابة الوطنية للصحافة المغربية ووكيلها حميد ساعدني نائب مديرة الأخبار بالقناة الثانية، ولائحتين مستقلتين هما لائحة «التغيير» التي يرأسها علي بوزردة، المدير العام السابق لوكالة الأنباء المغربية، ولائحة «الوفاء والمسؤولية»، ووكيلها عبد الصمد بن شريف مدير قناة المغربية. كما وافقت اللجنة على16 ترشيحا لفئة ناشري الصحف.

ويتعهد المرشحون لنيل العضوية في المجلس، والذي اشترط قبول ترشحهم بأن تكون لديهم تجربة 15 سنة في العمل الصحافي بتطوير حرية الصحافة، واحترام قيم التعددية والنزاهة والالتزام بأخلاقيات المهنة، وتكريس استقلالية قطاع الإعلام في المغرب الذي بقي متخلفاً وغير مواكب للتجديد والانفتاح بل مكبلا، ولم يتخفف لعقود من طابعه الرسمي، حسب متتبعين.

في سياق ذلك، قال الصحافي حميد ساعدني، رئيس لائحة «حرية مهنية ونزاهة» لـ«الشرق الأوسط» إن لائحته مدعومة من نقابتين مهمتين هما النقابة الوطنية للصحافة المغربية والجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال، وهي تدافع قبل كل شيء عن الصحافي لأنه «لا يمكن للصحافة أن تمارس في جو عادي ومسؤول في غياب صحافي يتمتع بحرية ومسؤولية، كما لا يمكن أن تمارس هذه المهنة في غياب المهنية، أي صحافيين تلقوا تكوينا صحافيا علميا ويتلقون أيضا تكوينا مستمرا نظرا للتطور السريع لتقنيات هذه المهنة في ظل الثورة التكنولوجية لوسائل الاتصال، والصحافي أصبح مطالبا بأن يساير هذا التطور»، حسب رأيه.

وأوضح سعدني أن تميز لائحته يكمن في كونها «تنهل من كل أدبيات نقابة الصحافيين المغاربة والجامعة الوطنية للصحافة اللتين راكمتا طيلة عقود تجربة في العمل النقابي والمشاركة في سن وتعديل القوانين إلى جانب الحكومة والبرلمان».

وأضاف أن اللائحة متعددة المشارب وتجمع صحافيين تمرسوا في العمل النقابي وفي مجال الصحافة الإلكترونية والمكتوبة ووكالة الأنباء المغربية والإعلام المرئي والمسموع، وهذا التعدد في التجارب والمسؤوليات والخبرة سيكون في خدمة العمل المقبل للمجلس»، الذي دعا إلى إعادة النظر في القانون المحدث له لوجود مجموعة من الملاحظات بشأنه.

وخلص ساعدني إلى أنه «لا يمكن لمهنة الصحافة كباقي المهن، أن تمارس في جو سليم، في غياب الأخلاقيات واحترام آداب المهنة». وعبر عن أسفه «لأننا نعيش عددا من المشكلات والقضايا والفضائح المرتبطة مباشرة بالجانب الأخلاقي» إذ لا يمكن أن تكون المهنة شريفة، من وجهة نظره، إذا اعتراها عدم الاستقامة والسقوط في ما يمس بشرف المهنة.

وشدد على «أننا في حاجة إلى أن نحصن الصحافة من كل ما يمكن أن يصيبها من تلف سواء من طرف المهنيين أنفسهم أو أشخاص من خارج المهنة الذين يرغبون في استغلال الصحافة لتحقيق أغراض إما انتخابية أو سياسية أو تجارية، لتعود مهنة نبيلة وشريفة، كما كانت دائما».

من جانبه، قال الصحافي عبد الصمد بن شريف رئيس لائحة «الوفاء والمسؤولية» لـ«الشرق الأوسط» إن لائحته «مكونة من إعلاميين راكموا عبر مساراتهم المهنية المختلفة تجارب وخبرات محترمة، ومشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والمهنية وبالدفاع المستميت عن حرية الصحافة وكرامة الصحافيين».

وأشار إلى أن «خوض هذا الاستحقاق غير المسبوق في المغرب، نابع من الإيمان الراسخ بأن الوقت حان لتطوير وتوسيع حرية الصحافة والنشر والإسهام في الرقي بقطاع الإعلام بمكوناته كافة والالتزام بضمان وحماية حق المواطن في الوصول إلى المعلومة المنصوص عليه دستوريا، وحقه أيضا في إعلام يعكس التعددية والمسؤولية ويحتكم إلى قيم ومبادئ النزاهة والمهنية».

ويعتقد بن شريف أن «نجاح هذه المحطة رهين بمدى توفر كل الفاعلين والإعلاميين على قناعات راسخة وإيمان قوي بضرورة التغيير… وإحساسهم بالمسؤولية تجاه القطاع والمجتمع والدولة، لأن كسب هذا الرهان بشكل ديمقراطي هو مكسب للمغرب ومقدمة لتدشين «الانتقال الإعلامي» الذي عده أساسيا في الوقت الراهن.

بدوره، قال الإعلامي علي بوزردة، وكيل لائحة «التغيير»، إن برنامج لائحته يقوم على خمس نقط. الأول: القيام بتغيير حقيقي وملموس في مجال الإعلام، منطلقاته ديمقراطية تشاركية، وهدفه رفع كل أشكال الوصاية عن القطاع وضمان استقلاليته. الثاني: التعجيل بإحداث صندوق يطلق عليه اسم «صندوق دعم تأهيل المقاولة الإعلامية» خاصة الصغيرة والمتوسطة، مع تمتيع جميع المؤسسات الإعلامية بإعفاءات ضريبية تحفيزية كما هو الشأن في عدد من القطاعات بالمغرب. والثالث: اتخاذ إجراءات عملية وفعالة لتحسين أوضاع الصحافيين المادية والاجتماعية من سكن وصحة وغير ذلك، بما يليق بوضعهم الاعتباري، وتسهيل مساطر حصول المهنيين على البطاقة المهنية، والاستفادة من خدمات مختلف وسائل النقل العمومية داخل وخارج البلاد. الرابع: وضع آليات لضمان التكوين والتكوين المستمر لفائدة جميع الصحافيين وفي مختلف التخصصات، مع منح الأولوية للشباب محليا وجهوياً. والخامس: الحرص على احترام أخلاقيات المهنة وحماية مصادر الخبر، والحق في الوصول إلى المعلومة، والدفاع عن حرية الصحافة وكرامة الصحافيين بناء على الضمانات المسطرة في دستور البلاد.

من جهة أخرى، أثار الكشف عن طريقة انتخاب أعضاء المجلس الوطني للصحافة مجموعة من الملاحظات والانتقادات منها اعتماد اللائحةً المغلقة التي اعتبرت «منهجية غير ديمقراطية».كما انتقد عدد من الصحافيين اشتراط 15 سنة من التجربة لقبول الترشح لعضوية المجلس، وطالبوا بتخفيضها إلى 10سنوات. فيما عاب آخرون حرمان الصحافيين المغاربة الذين يعملون في مؤسسات إعلامية أجنبية وعربية من حقهم في الترشح والتصويت.

يذكر أن المجلس أحدث في إطار تنزيل أحكام الفصل 28 من دستور 2011 الذي نص على أن «السلطات العامة تشجع على تنظيم قطاع الصحافة بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به»، ومن ثم صادقت الحكومة السابقة مطلع أغسطس (آب) 2015، على مشروع قانون يقضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة. الذي أصبح قابلاً للتنفيذ بعد صدوره بالجريدة الرسمية في 7 أبريل (نيسان) 2016.

وسيتولى المجلس مهام عدة على رأسها التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة والنشر، ووضع نظامه الداخلي وميثاق أخلاقيات المهنة والأنظمة الضرورية التي تضمن ممارسة مهنة الصحافة واحترام قواعدها وأخلاقياتها، ومنح بطاقة الصحافة، وممارسة دور الوساطة في الخلافات. بينما كان وزير الإعلام هو من يمنح بطاقة الصحافة بناء على رأي لجنة استشارية، وله أن يسحبها بقرار معلل، وهو من يعين لجنة التحكيم في نزاعات العمل، وفي حالة حصول خرق لأخلاقيات المهنة يتم اللجوء إلى القضاء.

كما سيمارس المجلس الجديد دور تتبع احترام حرية الصحافة، والنظر في القضايا التأديبية، وإبداء الرأي في شأن مشاريع القوانين والمراسيم المتعلقة بالمهنة، واقتراح إجراءات لتطوير قطاع الصحافة والنشر وتحديثه، والمساهمة في تدريب الصحافيين وموظفي القطاع.

رابط المقال الأصلي من صحيفة الشرق الأوسط:

https://goo.gl/zcfTdn